إيران بين العواصف المناخية والسياسية

في الوقت الذي تعيش فيه إيران أجواء عيد النوروز، شهدت مناطق  واسعة من شمالي إيران أزمة سيول جارفة لم  تشهدها من قبل ،  حيث  إلى أدت انهيار سد غُلستان الذي يقع على بعد 15 كيلومتر شرق مدينة غنبد کاووس، وفيضان أنهار غرغان رود وتشهل تشاي وقره سو وأوغان. كما تسبب انهيار سدود غلستان 2 وبوستان في المناطق المرتفعة، إلى فيضان نهر غرغان رود وتعرض جميع المدن والقرى المطلة على هذا النهر لخسائر ضخمة.

أزمة السيول والفيضانات التي تشهدها إيران جاءت بعد عامين أسفر خلالهما الانخفاض في الموارد المائية عن احتجاجات واسعة في البلاد بدأت في محافظة خوزستان عام 2017، والتحقت بها في يوليو 2018 محافظة أصفهان التي استمرت فيها الاحتجاجات حتى نوفمبر من نفس العام حيث احتج المزارعون على سوء إدارة الحكومة الأنابيب المياه، ووصل الأمر إلى حد تقديم نواب أصفهان في البرلمان استقالتهم احتجاجاً على حذف تمويل المشاريع المائية في المحافظة.
الأحداث غير المرتقبة والتي تحولت فيها الأمطار الغزيرة في محافظة غُلستان شمال شرق إيران إلى فيضانات أغلقت 70% من قرى منطقة آ قلا، دفعت رئيس الجمهورية حسن روحاني إلى تكليف نائبه الأول اسحاق جهانغيري بإعداد تقرير يتضمن التقديرات النهائية لحجم السيول، في تلك الأثناء وعد رئيس هيئة إدارة الأزمات الإيرانية بتقديم حجم خسائر السيول في محافظة مازندران خلال الأيام العشرة القادمة.

مقالات ذات صلة

هذا في الوقت الذي وجّهت  فيه الانتقادات الواسعة إلى مؤسسات الدولة المسؤولة  والتي أثبتت الحادثة  وعجزها وتقصيرها عن إدارة الأزمة، التي أسفرت عن إصدار  خامئنئي وروحاني ، توجيهات  لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد حسين باقري، بشأن ضرورة إرسال المزيد المساعدات  إلى المناطق المتضررة من السيول في جلستان ومازندان، ثم تعبئة كافة القوات المسلحة بما فيها الحرس الثوري والجيش لمساعدة وإغاثة قاطني المناطق المتضررة من السيول ، ولكنها كانت دون جدوى أمام هول ما حصل .

التقصير في إدارة الأزمة أدى إلى إقالة النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري، لمحافظ غُلستان مناف هاشمي، عقب غيابه أثناء إغاثة المتضررين من السيول بهذه المحافظة في الوقت الذي تواردت الأنباء عن وجوده خارج إيران لأسباب شخصية ، وقام اسحق جهانغيري بتعيين مساعد المحافظ في تنسيق الشؤون العمرانية مير محمد غراوي، قائمًا بأعمال المحافظ مع احتفاظه بمنصبه.

كما اعتبرت “جمهوري إسلامي” عدم تواجد هاشمي مخزيًا، وتصريحات رحماني فضلي أكثر خزيًا، ورأت أن مثل هذه الأحداث إذا ما وقعت في أي دولة أخرى، لكان يتوجب على الوزير والمحافظ تقديم استقالتيهما.

 هذا وألمح البرلماني الأصولي حسين علي دليغاني، إلى حمل مناف هاشمي جنسية مزدوجة، ووصف غياب هاشمي في الأوضاع المتأزمة حاليًا بالمحافظة بالخطوة البعيدة عن الإنسانية، حيث رأى أن المسؤولية تقتضي أن يكون المسؤولين على أهبة الاستعداد لأي أحداث غير مرتقبة في أيام الأعياد، مؤكدًا على أنه لا شيء يمكن أن يكون أهم من بحث مشاكل الشعب المتضرر من السيول.

كما طالب دليغاني المؤسسات ذات الصلة بمتابعة موضوع غياب هاشمي عن إدارة الأزمة، كي يتم التعرّف عن الأمر الذي استدعى سفر المحافظ في مثل هذه الأوضاع إلى الخارج أو هل بالفعل حصل على إجازة أم لا؟ لأن سلوك هاشمي غير مقبول على أي معيار، وحتى أنه عجيب للغاية.

وأضاف : “أنا بوصفي برلمانيًا أرى أن وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، عليه أن يرد على الرأي العام والبرلمان، حول سبب منحه إجازة للمحافظ ولم يستفسر من هيئة الأرصاد عن الأوضاع الجوية قبل أن يمنح الاجازة لهاشمي، ويصرف النظر عنها. هناك شكوك حول موضوع الاجازة هذه، وآمل أن يتمكن وزير الداخلية أن يقدّم إيضاحات مقنعة. وفي غير هذه الحالة فالبرلمان بعد الاجازات سيقومون بالإجراءات اللازمة بكل ما يقتضي من الحسم”.

ولم يشر دليغاني عن تلك الإجراءات اللازمة التي سيتخذها البرلمان إذا لم يقدم الوزير إيضاحات مناسبة ومقنعة، إلا أن مدير تحرير صحفية “جمهوري إسلامي” مسيح مهاجري، كشف عن هذه الإجراءات، وطالب بإقالة عبد الرضا رحماني فضلي، وذلك بعدما أدلى رحماني فضلي بتصريحات قال خلالها إن محافظ جلستان قدّم على إجازة منذ شهر، وسافر إلى الخارج لأجل مشكلة أسرية، مضيفًا أنه قال للمحافظ: “أذهب إذا لا توجد مشكلة”.

هذا في الوقت الذي اعتبر رئيس هيئة التفتيش ناصر سراج، تواجد المحافظ السابق في الخارج  بأنه انعدام للمسؤولية، معلنًا تحقيق الهيئة في هذا الموضوع، وأن الوزير المعزول عليه أن يستجب لذلك. وحسب سراج تواجد هاشمي في المحافظة في اليوم الأول لجريان السيل، وقال ردًا على هذا الأمر: “لن تحدث مشكلة، والمياه ستصب في البحر”، مضيفًا أن المحافظ حتى لو كان لديه عذر قهري لم يكن ليتوجب عليه مغادرة المحافظة أثناء السيول.

الانتقادات الواسعة لأداء أجهزة الحكومة والجيش

لم تخلُ أزمة السيول والفيضانات التي تشهدها إيران منذ أسبوع من الاستغلال السياسي الذي يسعى طرفا اللعبة الداخلية في إيران إلى  توظيف هذا الموضوع في السجال السياسي الدائر ، واقتناص المكاسب منه، فالأصوليين يهاجمون رئيس الجمهورية حسن روحاني، متهمين إياه بالغياب عن متابعة أوضاع السيول عن قرب، ويستشهدون على ذلك بعدم قطع روحاني لإجازته التي كان يقضيها في جزيرة قشم، هذه الاتهامات المتبادلة لم تحجب حقيقة قيام السيول والفيضانات في إيران بتغطية 25 محافظة من إجمالي 31، مخلفةً وراءها حتى الآن 39 ضحيةً في مختلف تلك المحافظات. ، ومليارات ” التومان”  من الخسائر

وقد أنتقد عضو كتلة اميد البرلمانية الإصلاحية محمود صادقي، غياب محافظ غُلستان في أوضاع تم التنبؤ بها سابقًا، مؤكدًا على عدم وجود أي مبرر لسفره خارج البلاد تحت أي ذريعة أو عذر”.

ووعد صادقي بالتعامل مع المسؤولين المخالفين في أحداث سيل غُلستان، منتقدًا أيضًا غياب رئيس الجمهورية حسن روحاني، وقال إنه كان يتوقع منه قطع اقامته في قشم، والتوجه إلى مناطق السيل، كي يتابع عن كثب شؤون الإمداد، ويدعّم الأهالي المتضررين.

وقارن بين أداء روحاني ونظيره الأميركي دونالد ترمب، وقال: “نحن في الداخل نهاجم ترمب، في الوقت الذي عاد من اجازته ليقف بجوار الشعب بسبب كارثة مناخية بسيطة لا تعادل جزء يسير مما حل بغُلستان”.

من جانب أخر انتقد مهاجري وزير الداخلية، ورأى أن أداء محافظ غُلستان الباهت في إدارة الأزمة وغيابه عن المحافظة يكشف جزء من الأداء غير المقبول للوزير. ووصف عزل جهانغيري لمحافظ غُلستان بالعمل الثوري وطالبه باستكمال هذا النهج من خلال طلبه من رئيس الجمهورية إقالة رحماني فضلي.

هذا في الوقت الذي نصح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية حسام الدين آشنا، بعدم تسييس أحداث السيول في غُلستان، وقال: “إن الوقت ليس بالمناسب للاصطياد السياسي، ويتعين التفكير في الشعب وليس في الانتقام الحزبي”.

الخلافات السياسية تتصاعد على وقع الكارثة المناخية

النائب الأول لرئيس الجمهورية اسحاق جهانغيري بدوره بدأ إجراءات المعالجة لفيضانات غُلستان بإقالة مناف هاشمي الذي يرأس المحافظة هناك نظراً لتقصيره في أداء ثم بسبب ما نسب إلى المحافظ من التواجد خارج البلاد لأسباب شخصية.
جدير بالذكر أن الانتقادات في هذه الأزمة طالت جميع الأجهزة الحكومية وعلى رأسها الرئيس روحاني وهيئة إدارة الأزمات والكوارث، لكن وكالة “مهر” وجدت عذراً للهيئة عندما سلطت الضوء على أن ما تتقاضاه الهيئة من الموازنة الإيرانية لا يتجاوز الـ 5%، فيما ترتفع حصة هيئات ومؤسسات أخرى غير ضالعة بإدارة الأزمات.

 هذا وقد أكد رئيس مجلس الإصلاحيين بمحافظة قزوين حجة الإسلام ناصر قوامي، على أنه ذكر  لرئيس الجمهورية حسن روحاني، مرارًا وتكرارًا بأن رحماني فضلي، ليس بالشخص المناسب لإدارة وزارة كبيرة مثل الداخلية، وذلك خلال رسالته المفتوحة لروحاني، ردًا على ما اسماه بضعف إدارة وزارة الداخلية وبعض المحافظين خلال حوادث السيول التي غطت عدداً من المحافظات الإيرانية.
كما ذكر قوامي خلال رسالته، أن ضعف الإدارة وعدم استشراف الحوادث الطبيعية المتعددة التي وقعت في أثناء وزارة رحماني فضلي، أي واحدة منهم كانت توجب استقالته من مهام منصبه، وكان حريّ بروحاني إقالته إذا لم يتقدم الوزير هو بنفسه بالاستقالة، مبدياً أسفه لعدم الاكتراث بذلك حتى الآن.

بالرغم من أن  الجناح المحافظ قد  ركز هجومه على حكومة حسن روحاني الموصوفة بالاعتدال إلا أن البعض منهم وضع المسؤولية أيضاً على كاهل رئيس البرلمان علي لاريجاني المصنف على التيار الأصولي بسبب قرب وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي منه، حيث كان الأخير ضمن فريق عمل لاريجاني في المناصب الي تقلدها، فعندما ترأس لاريجاني هيئة الإذاعة والتلفزيون كان رحماني فضلي مساعداً له للشؤون السياسية ثم نائباً له بعد ذلك، وحينما عمل لاريجاني أميناً عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، عُين رحماني فضلي نائباً له. كما أن رحماني فضلي وصل إلى منصب وزير الداخلية في حكومة روحاني نتيجة لعملية “خذ وهات” كما يصف ذلك النائب الأول لرئيس البرلمان علي مطهري الذي يعد أحد المدافعين عن حكومة روحاني وصاحب الصلة الأسرية بعائلة لاريجاني.
وكما أن رحماني فضلي يُصنف لجهة رئيس البرلمان علي لاريجاني فإن محافظ غُلستان المقال مناف هاشمي يُحسب على جهة وزير الداخلية رحماني فضلي كما يؤكد ذلك البرلماني الأصولي حسين علي دليغاني الذي شكك أيضاً في حمل هاشمي لجنسية أخرى بجانب الإيرانية وهذا ما يعتبر اتهماً للحكومة بتعيين أشخاص مصنّفين بـ “الخطر على الأمن القمي” ضمن الكادر الحكومي..
وفي ظل الهوة الآخذة في الاتساع بين الإصلاحيين ورئيس الجمهورية، شدّد صادقي على أن البرلمان سيتعامل بعد إجازات النوروز مع المسؤولين المقصرين في أحداث السيول، ملمحاً لإمكانية استجواب رحماني فضلي تمهيداً لعزله، حيث وصفه صادقي بأنّه “الوزير صاحب السجل المليء بالأسئلة غير المردود عليها فيما يتعلق بأداء من يديرهم”. يُذكر هنا أن البعض يُحمل رئيس البرلمان علي لاريجاني مسؤولية عدم عزل رحماني فضلي لأن لاريجاني وقف حائلاً أكثر من مرة أمام استجواب رحماني فضلي في البرلمان.

تعليق واحد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى