إيران والاقتراب من المواجهة

د. نبيل العتوم

طالعتنا بالأمس جريدة جمهورى اسلامى إيران المحسوبة على المرشد خامنئي  على صدر صفحتها الرئيسية  عن مسئول عسكري إيراني كبير قوله: ” إن إيران تريد زيادة مدى صواريخها “،  ونقلت الصحيفة عن العميد  عزيز نصير زادة قوله قائد سلاح الجو الإيراني “أحد أهم برامج إيران  هو زيادة مدى صواريخها  ، والمضي بعزم  في تعزيز قوة حلفائها النوعية  في المنطقة  “. ، وقبل أقل أيام قليلة دشنت إيران المدمرة ” الشبح ” التي لا يمكن رصدها – كما تدعي  طبعاً –  للرادار  ، وإن كنا نشكك بذلك  ، وقبلها أعلنت إيران  أنها اختبرت إطلاق عدد من الصواريخ من منصات إطلاق في مناطق متفرقة من إيران ، وذلك في إطار تدريب عسكري،  وأكدت في الوقت نفسه  إن هذا الاختبار يهدف إلى إظهار قوة الردع الإيرانية، وكذلك إبراز قدرة طهران على مواجهة أي تهديد للثورة والدولة وسيادة البلاد، والاستعداد للمواجهة تحسباً لأية أخطار محدقة بإيران ، خاصة عقب التصعيد الأميركي ضدها .

لكن ما مغزى هذه الاندفاع الإعلامية  الإيرانية ؟ ، وما هي الرسائل التي تريد طهران  توجيهها للخارج ؟ والأحداث تتسارع وتجري  ككرة اللهب  ، في الوقت الذي تحاول فيه طهران إظهار أنها مازالت موجودة على الخارطة  الجغرافية ، ولكن هذه المرة من خلال إبراز استعداداتها ، لجهة خلط الأوراق من جديد ، والتلويح بمد حلفائها  بالأسلحة النوعية مجدداً 

[tie_full_img][/tie_full_img]

الرسالة المهمة   التي أرادت طهران توجيهها ؛ فكانت للداخل ، وهدفها  رفع الروح المعنوية  المنهارة  للإيرانيين، رافقه   تخبط في التصريحات ، وكان من أبرزها ما صرح به الرئيس روحاني  اليوم ، والتي تعهد من خلالها  بمنع خروج النفط من مضيق هرمز في حال منع إيران من تصدير نفطها ،   تزامن ذلك  الإعلان عن بعض قدراتها الهجومية  ، والتعهد بتعزيز  القدرات العسكريّة لترسانتها  الصاروخية، مع  محاولتها   طبعاً “عرض العضلات “حول قدراتها  العسكرية ، ولكن  لم يقل لنا قادة  إيران  أين ستتوجه الصواريخ الإيرانية التي سيتم تطوير مدياتها  هذه المرة حسب  تصريحات العميد عزيز نصير زاده  .

لا شك أن الرسالة   التي تريد طهران إرسالها و توجيهها  لأكثر من عنوان حول تطوير مديات   صواريخها البالستية بهذا التوقيت ،؛ فهي  تُمثل رسالة ” سياسية ” لدول الاتحاد الأوروبي الضامنة للاتفاق النووي ، التي تخلت عن مسئولياتها  في دعم إيران بحسب حديث رئيس مجلس الإيراني علي لاريجاني  ، والتي باتت تطالب طهران بالتوقف عن برنامجها الصاروخي البالستي  . أما العنوان الثاني فهو الدول العربية الطامحة لبناء تحالف مع الولايات المتحدة  لمواجهة إيران ، خاصة  في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات استراتيجية وأمنية  حاسمة ، والتي تُخطط لكنس الوجود الإيراني ومواجهته بقوة وبفعالية غير مسبوقة ، والملفت أن الإعلان عن  السعي لتطوير مديات الصواريخ   كان  عبر  الحرس الثوري الإيراني – كما هي العادة  دوماً – باعتباره القيم والوصي على هذا البرنامج ، لكنه اقترن برسالة تهديد شديدة اللهجة -على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي بات لا يختلف عن الصقور في إطلاق التهديدات ” الطفولية والعبثية ”  تباعاً .

[tie_full_img][/tie_full_img]

   إيران  تغمز من زاوية أخرى ، فهي ترتب لاستباق مواجهة  عسكرية في المنطقة ، مُستغلة أدواتها ووكلائها  المنتشرين عبر جغرافية الأزمات الإقليمية   مجدداً،  من خلال التلميح  عزمها تزويد حلفائها  بأسلحة نوعية لكسر عنصر التوازن وقواعد الاشتباك   لتسريع عملية المواجهة   مع حلفاء واشنطن ؛ وفي مقدمتهم  إسرائيل من خلال مدخل الأزمة السورية  ، وربما مع المملكة العربية السعودية من خلال البوابة العراقية ، وتوظيف ذلك  خدمة لمصالحها ، وتحسين شروط التفاوض مع واشنطن  وفق نظرية ” تخادم الملفات ” ، حيث أرادت  إيران أن تبرز  إمتلاكها لزمام المبادرة  ، وعلى امتلاكها لعنصر المفاجأة ضد أعدائها  ، وأنها ماضية في سياسة خلط الأوراق ، وقلب الطاولة في حال أراد أياً كان منعها من تصدير نفطها  ؛ وذلك  لأسباب عديدة ؛ يأتي في مقدمتها  سياسة التحدي الإيراني  لدول المنطقة  ،  لأن القضية  باتت مسألة حياة أو موت  ، وفي نفس  التوقيت هي رسالة واضحة تحمل دلائل عميقة و بليغة  لدول الجوار ، لاسيما الدول الخليجية ؛  وفي مقدمتها الرياض  في خضم معركة    كسر العظم التي بدأت  بالتشكل  للاقتصاص من  إيران ، و الذي تشكل حديثاً للوقوف  بوجه الإرهاب الإيراني ، عقب سلسلة العقوبات الأميركية    .

حسن روحاني – الرئيس الإيراني

لا شك بأن طهران تعيش حالة من  إعادة تدوير التصريحات  المشروخة والتي تندرج في إطار ” دبلوماسية حافة الهاوية ”   لكن الأبطال المنخرطين بالتصعيد  تقاسمها الحرس الثوري مع الرئيس روحاني  ، ؛ حيث كان المسئولين الإيرانيين  ” الإصلاحيين ” حريصين على أن يتركوا هذه المهمة  لأحبائهم  من نخب الجناح المحافظ ، و أن  ينأوا بأنفسهم عن التصريحات  غير  الدبلوماسية ، وفق نظرية تقاسم الأدوار  .   

تتزامن هذه  التصريحات ، وهي بالمناسبة ليست الأولى ،  على وقع التطورات الدولية ، وتشابك الملفات الإقليمية  التي وصلت إيران إلى قناعة أن البساط بات يسحب من تحتها ، و قد ظهرت مؤشرات ذلك بشكل جلي   على أثر  الفتور الحاصل فعلياً  في العلاقات مع  روسيا  التي بدأت تُفضل التنسيق مع  الأتراك في الملف السوري  ، وهو ما  لم يرق لطهران ،  هذا بالإضافة إلى  التصريحات الروسية  الطامحة لتطوير علاقاتها  مع العراق  ، هذا إلى جانب التقارب الروسي السعودي  غير المسبوق  .
الحقيقة الثابتة   أن  إيران تعيش اليوم أسوأ أيامها   نتيجة الظروف الداخلية التي قد تؤدي إلى انهيار الدولة والثورة ، مع  بوادر التلويح  باستخدام الخيار  العسكري في حال قامت بمهاجمة المصالح الأميركية في العراق وفي مياه الخليج وفي أي مكان ، التسريبات الإعلامية تتحدث عن رسالة  أميركية شديدة اللهجة تم نقلها بواسطة وزير الخارجية البريطاني الذي زار طهران  مؤخراً  ، مفادها ” أن رد أميركا سيكون قاسياً في حال تم مهاجمة المصالح الأميركية في المنطقة ” .

حاملة طائرات امريكية

المؤكد أن ساسة طهران قد فهموا الرسالة جيداً   ،  لكن غير المؤكد هو مدى الالتزام  بدقة التنفيذ ؛ وإن كانت سفن الحرس الثوري كانت وما زالت  حريصة على عدم التحرش بالأسطول الأميركي في مياه الخليج منذ وصول ترمب لغاية اللحظة ، لكنها بالمقابل أطلقت تجاربها الصاروخية ، وزادت من وتيرة  رفع  حدة التهديدات ضد حلفاء واشنطن في المنطقة ، ترجمة لأوامر المرشد على خامنئي التي وصفها  قائد الحرس الثوري الإيراني ؛ الجنرال محمد علي جعفري “بالمقدسة”  ، والذي شدد في التعاطي بجدية وحزم مع التهديدات الخارجية ، بالإضافة لإعلان الحرس الثوري  استعداده لتنفيذ  وترجمة الأوامر الإلهية  بالرد على أي تهديد ضد إيران، لكن حتماً ستكون نتيجة أي مغامرة  عسكرية إيرانية  كما قال  أحد المسئولين  الأميركيين  ذات مره ، إعادة إيران إلى العصر الساساني .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى