ابن الإسلام السياسي لا يتمرّد على سلطته ببغداد

عادل عبدالمهدي أحد مؤسسي العملية السياسية منذ أيامها الأولى بالشراكة مع المحتلين وعلى رأسهم الحاكم الأميركي بول بريمر، فقد ساهم في كتابة الدستور المعيب الذي لا تحمل سطوره هوية العراق.

عادل عبدالمهدي، رئيس الوزراء الجديد، غير قادر على تحويل مسار عجلة الماكنة السياسية لاتجاه آخر ينقذ شعب العراق ويبعده عمّا هو فيه من هيمنة الفاسدين والفاشلين في الأحزاب التي فازت بالتزوير وبأقل نسبة مشاركة والفاقدة للإرادة السياسية المستقلة. ولكنه حتى وإن وجد بين يديه بعض الإمكانيات المساعدة على تلك المهمة الشاقة في التغيير إلا أنه لا يريد ذلك، وهذا ليس انتقاصاً من عقله السياسي الذي يتمتع به فهو واحد من بين النخب السياسية المثقفة التي تبوأت العمل المعارض العراقي وهي ليست قليلة وما زالت لها مكانتها الفكرية والسياسية لدى أهل العراق، ولم تضع يدها بأيدي الذين خدموا الاحتلال الأميركي للحصول على مغانم السلطة والمال، لكنه وضع قدراته في النهاية في خدمة مشروع الإسلام السياسي الذي وظفته إيران للقضاء على النظام السابق ولم تحاربه طهران لدكتاتوريته واستبداده وإنما لإقامة مشروع ولاية الفقيه، وحين عجزت عن احتلال العراق عسكريا أو إسقاط نظامه تعاونت مع الأميركان لتسهيل الاحتلال العسكري واستلام الاحتلال السياسي في ما بعد.

عادل عبدالمهدي أحد مؤسسي العملية السياسية منذ أيامها الأولى بالشراكة مع المحتلين وعلى رأسهم الحاكم الأميركي بول بريمر، فقد ساهم في كتابة الدستور المعيب الذي لا تحمل سطوره هوية العراق كبلد عربي، بل سمي ببلد المكونات، كما طبق هذا الدستور نظرية الدولة الاتحادية لأن القيادة الكردية أرادت ذلك باعتبارها الشريك الصانع للعملية السياسية.

وقصة الاستقلالية الحزبية لعبدالمهدي تم تمريرها كبديل معقول لنهاية حكم حزب الدعوة بعد عجز قادته عن تغطية الفساد والفشل الذي أخذ يلاحقهم، فكان لا بد من تدوير عتلات الحكم الطائفي بخبرات المراجع العليا لولاية الفقيه في طهران من أجل الحفاظ على قيادة حكم العراق بيد سياسيين موالين لها، عبر سلسة خطوات تبدأ بانسحاب زعماء حزب الدعوة الفاشلين، نوري المالكي وحيدر العبادي، من السلطة حماية لهم.

لقد نجح الإيرانيون في تثبيت دعائم جديدة للموالاة عبر نمط وشكل جديدين بعيدا عن رغبات مرجعية السيستاني والنجف لتثبيت مرتكزات مذهبية وسياسية تتراجع فيها الحزبية التقليدية إلى دعم زعامات فردية

طهران تعلم أن فشل حزب الدعوة بالحكم أحدث فراغا في طريقة العلاقة بالوسط الشيعي الذي أصبح ناقماً على جميع القيادات الحزبية المتحدثة باسم الطائفة الشيعية، كما لم يتبلور حزب سياسي شيعي ولاءه لإيران مثلما تريد بديلا لحزب الدعوة. ولم تنفع محاولة عمار الحكيم في إنشاء حزب باسم تيار الحكمة رغم ضمه لكوادر شابة جديدة يبدو أنها قد تدربت على العملية السياسية بطبعتها القديمة التي لم تعد صالحة للتأثير في ضمائر العراقيين المتعبة من النظام السياسي.

كما أن تيار مقتدى الصدر، رغم الكاريزما الشعبية بين أوساط المحرومين الشيعة، لم يتمكّن من تحويل فعالياته إلى قوة سياسية عراقية منظمة ومتماسكة تنقذ المشروع الوطني بسبب غرق بعض الكوادر بإغراءات المال والفساد، ولهذا تم تطويق وإفشال المحاولات التي أدارها عبر الانتخابات الأخيرة لإقامة كتلة وطنية رافضة للوضع القائم، والتمهيد لسياسة عراقية مستقلة عن جميع التدخلات الخارجية وفي المقدمة مواجهة النفوذ الإيراني في العراق.

التطويق والإفشال تمّا استجابة لاعتبارات الأمن القومي الإيراني الذي يجعل من العراق ساحة دفاعه الأولى أمام أي متغيرات جيوسياسية في المنطقة، ففرض الجنرال قاسم سليماني لعبة التحالف بين مقتدى الصدر وهادي العامري في العملية الباهتة بتشكيل حكومة ضعيفة يتغلغل في عروقها الفساد المعجون بالطائفية الناعمة التي يصبح فيها السياسي السني موالياً لطهران أكثر من بعض الشيعة، وتتصارع على “لقمها” الكبيرة حيتان تجار السياسة، وهكذا تراجعت الهبّة العاطفية للصدر، وراح يداوي خيبته بتغريداته عبر تويتر بعبارات الاحتجاج كنوع من الإصرار الشخصي وعدم الاستسلام لما يدبر مجددا لإنعاش هيمنة الفساد والتبعية للخارج.

لقد نجح الإيرانيون في تثبيت دعائم جديدة للموالاة عبر نمط وشكل جديدين بعيدا عن رغبات مرجعية السيستاني والنجف لتثبيت مرتكزات مذهبية وسياسية تتراجع فيها الحزبية التقليدية إلى دعم زعامات فردية من الشيعة والسنة والأكراد ضمن سلة واحدة، وعبدالمهدي وجد نفسه داخل هذه الدائرة الغامضة والمعقّدة التي يفهم أسرارها ولا يتمكّن من فكّ عقدها، فهو الذي استلم إشارات ايجابية من المرجعية العراقية وبدعم مقتدى الصدر، لكنه يتراجع الآن لصالح المشروع الإيراني في تشكيل أركان الحكومة الجديدة، خاصة وزارات الداخلية والدفاع والقيادات الأمنية والحشد، ويُستبعد أن يصل لنقطة الإحباط من عثرات وفضائح التشكيل الحكومي فيستقيل عن مهمته.

طهران تعلم أن فشل حزب الدعوة بالحكم أحدث فراغا في طريقة العلاقة بالوسط الشيعي الذي أصبح ناقماً على جميع القيادات الحزبية المتحدثة باسم الطائفة الشيعية

فهذه الفرضية مستبعدة لأنه ليس على النقيض من قواعد النظام السياسي فهو ابنه الذي لن يتمرد عليه حتى وإن اكتشف فشله الكامل. لديه خلافات شكلية في جسم الحكومة حول حدود من النزاهة الفردية المقبولة، أما صفقة هذه الحكومة بعناصرها السياسية فهي تلبّي رغبات طهران، حتى وإن فاحت من بين أطرافها روائح الفساد الذي لم يعد مخجلا عند من يطلقون على أنفسهم سياسيين.

ولا يبدو إن عبدالمهدي سيقترب من عش الدبابير، وهناك أخبار حول إطلاق سراح بعض عمالقة الفساد في العراق وليس إدخال زملاء جدد لهم في سجن العدالة. أما مسألة العقوبات الأميركية فسيحاول إدارتها بمخارج غير صادمة. ليس مستبعداً أن يقوم بخطوات شكلية يملأ فيها فراغ بياناته الفكرية والسياسية قبل مجيئه لرئاسة الحكومة والتي لم يعد مقامها يتسع للكلام الجميل فهي ليست منتدى فكريا أو سياسيا، بل هو الآن رئيس وزراء دولة مريضة كسيحة وأزماتها كبيرة لا تداويها المسكنات، ويعمّها الفساد ويسود أهلها الجوع والحرمان وأحوال المشردين في المحافظات التي حررت من تنظيم داعش محزنة حيث يداهمهم الخوف مجدداً من قوى غريبة عن مدنهم، وهم يحتضنون ركامات البيوت التي تحولت إلى أطلال، أو أهل مدن الجنوب المحرومة من أبسط مقومات الحياة.

الوضع العراقي بحاجة إلى زعيم جريء صاحب قرارات مدوية تسنده قوى وطنية وشعبية كبيرة. لا تنتظروا من عبدالمهدي الثورة على أبوية السلطة ومقدساتها التي رُسمت حروفها منذ عام 2003 مهما كانت نتائجها الكارثية على العراقيين.

 

د. ماجد السامرائي

كاتب عراقي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى