بدأت بعض المواقع الدينية المحسوبة على كبار المراجع الشيعة في إيران حملة استنفار للترويج إلى أهمية الحج إلى المزارات والمراقد الشيعية الإيرانية بكثافة ، والحث على إخراج سهم الخمس من أرباح رؤوس أموالهم لمراجعهم الدينيّة التي يوزّعونها بدورهم على وكلائهم عبر العالم والمرتبطين أساساً بالدولة الإيرانية ، والبذل والعطاء فيه ، باعتباره الواجب الشرعي للمسلمين تجاه المرجعية الشيعية في إيران وغيرها من الدول ، لكن لماذا ازدادت وتيرة التأكيد على هذا الموضوع ، وفي هذا التوقيت بالذات ؟ المعروف الجزء الأكبر من أموال الخمس التي تتلقاها إيران لا تصل مباشرة إلى سيادة بنوك الدولة الإيرانية ، بل هي أموال يتم التبرع بها وإيداعها في المراقد الدينية الشيعية. في إيران وغيرها من الدول ، لاسيما العربية منها ؛ وفي مقدمتها العراق ، ثم تصل بدورها إلى مؤسسة المرشد الأعلى علي خامنئي في آخر المطاف ، باختصار هذه المراقد الدينية ليست سوى مراكز ارتباط ديني تتبع السيادة الدينية الإيرانية عمومًا، وتوظفها إيران من خلال وكلاء يتبعون لها ومزروعين في قلب الوطن العربي، تحت شعارات دينية مذهبية.

لقد حور مراجع التقليد الشيعة الإيرانيين سهم الخُمس ، واعتبروه ضريبة جبرية على أبناء الشيعة حول العالم ، و حولت الدولة الإيرانية إلى شركة مركزية قابضة ، تلبس لبوس الشرعية الإسلامية، وتتوعد المانعين والمتخلفين بالويل والثبور والعذاب الشديد يوم القيامة .
سنوياً تصل إلى إيران مليارات الدولارات كسيولة مالية مباشرة وبمختلف العملات ، و بطريقة جعلت من أموال الخمس مصدراً حيوياً لرفد اقتصاد النظام الثوري الإيراني ، والمثير أن جلها يأتي من أموال شعوب الدول المجاورة ، لا سيما العراق ودول مجلس التعاون الخليجي .
من المؤكد أن محاولات الولايات المتحدة فرض العقوبات على طهران ، لن تمنع سهم الخمس من الوصول إلى إيران ، لأن الأموال الفعلية لن يتم تدويرها في البنوك الإيرانية أو العالمية بشكل مباشر ، بل هي أموال خاصة لأفراد يتم تجميعها باسم الخمس ثم ترسل تلك الأموال بطرق مختلفة إلى خزائن المرشد أثناء الزيارة ، وبطرق مالية ملتوية ، مما يشكل إنعاشا اقتصادياً للنظام الإيراني ، وسيصبح معه سهم الخمس غطاء مذهبياً من أجل تخفيف حدة المشاكل التي يعاني منها النظام الإيراني من أزمته الاقتصادية .
المرتكزات والأسس التي وظفتها إيران لرفع مستوى تحصيل الخمس
سارت إيران بخطى حثيثة في مشروعها الطموح والقائم على إستراتيجية الوصول إلى دولة إقليمية عظمى 2030 م ، والذي وضعه مجمع تشخيص مصلحة النظام، وترجمت دولة الولي الفقيه ذلك عندما بدأت إيران بتعزيز نفوذها في المنطقة انطلاقاً من العراق، والإيغال بالتورُّط في الصراع السوري واللبناني واليمني ….
طرحت طهران، وروَّجت لشعارات مذهبية عنصرية قائمة على أساس أن وجودها في العراق وسوريا وعموم هو لحماية “الأضرحة الشيعية المقدسة ضد هجمات ” السلفيين والوهابين، والتكفيرين، والمتطرفين…. السُّنة…. يزيدي العصر ” وسرعان ما أصبح يُنظر إلى إيران باعتبارها الضامن لأمن المقدسات من الرجس والدنس والاحتلال، وهو هدف إستراتيجي كما حاولت طهران أن تعطي تدخلها المدمر في المنطقة على وجه العموم بعداً أخلاقياً وإنسانياً وأمنياً، كما حاول خامنئي، وروحاني، ولاريجاني … ومن لفّ لفيفهم من الحرس الثوري الإيراني والجيش وأجهزة المخابرات الزعم بأن إيران تُظهر درجة عالية من الإيثار من خلال مواجهة “الإرهاب” “ومساعدة السوريين والعراقيين واليمنيين …بشكل عام والشيعة بشكل خاص ” واعتبارها “القيم” على شيعة الشتات أينما حلوا.
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ، و من قبله احتلال العراق في العام 2003 ، وإيران تكرر في إعلامها يومياً اسطوانة “حماية المراقد المقدسة الشيعية ” ….. ، وخرجت علينا منذ أشهر قليلة بمشروع طموح مستبقة فرض العقوبات الأميركية الجديدة يتحدث عن خطة طموحة كبيرة تستهدف حملة اعمار واسعة للمراقد الشيعية في العراق وسوريا، وإنشاء مؤسسة اعمار تتبع لمكتب الولي الفقيه مباشرة، وترجمة لذلك أعلن رئيس اللجنة الإيرانية لإعمار العتبات المقدسة، إنه تمّ إعداد مشروع لتوسعة مرقد السيدة زينب، والسيدة رقية بنت الإمام الحسين، وسيتم بناء مضيف للزوار في مرقد السيدة زينب، والمثير للسخرية أن إيران قامت بالتنسيق مع منظمة اليونسكو حول هذه المشاريع نظراً لوجود أبنية تاريخية في المنطقة، وكأنه لا يوجد هناك شعب سوري وعراقي ، وحكومة مسئولة عنهما .
إلى جانب ذلك فإن أعلنت إيران أن لديها خطة طموحة للتمدد المذهبي لتعمير أضرحة جديدة في حلب وحمص والنبك وحوران والعديد من المدن السورية الأخرى…. ، والحبل على الجرار …. لاستكمال مسيرة تدشين الكردوار الإيراني المذهبي ، والسياسي، والعسكري …سمي ما شئت …
الموضوع لم يتوقف عند هذا التطور في سوريا؛ فقد أعلنت إيران إستراتيجية لإعمار العتبات المقدسة في العراق، حيث سيتم خلال العام الجاري إنجاز صحن الزهراء بمرقد الإمام علي بالنجف الأشرف، والذي تمّ البدء به قبل ستة أعوام حيث زادت مساحة المرقد من 11 ألف متربع إلى 300 الف متر مربع لاستيعاب الإعداد الكبيرة من الزوار، كما تمّ الإعلان أن الأعمال جارية لبناء صحن العقيلة (زينب) بمرقد سيد الشهداء الإمام الحسين بمدينة كربلاء المقدسة بمساحة 160 ألف متر مربع ، وأعلنت إيران أن الأولوية الثالثة للجنة المباشرة هي لإنجاز توسعة مرقد الإمامين الجوادين في مدينة الكاظمية إذ أن المباشرة بمشروع التوسعة بدأ منذ عامين، وسيتم افتتاحهما في المستقبل القريب
أشارت إيران إلى أن صحن إمام الزمان، وصحن الإمام الرضا في الكاظمية سيتم الانتهاء من إنجازهما في السنوات الخمس المقبلة، كما أن الأعمال متواصلة لتوسعة مرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء، ووضعت في جدول أعمالها مشاريع لإضافة أكثر من 600 ألف متر مربع إلى مساحة العتبات المقدسة .
إلى جانب ذلك فإن لدى إيران خطة لتوسعة مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي في مدينة بلد (شمال بغداد)، وكذلك مرقد طفلي مسلم بن عقيل في مدينة المسيب بمحافظة بابل ومناطق عراقية أخرى عديدة .
إذاً هي حرب بلا هوادة لتشيّع المكان، والزمان، وتزييف التاريخ، والجغرافيا السورية، والعراقية من خلال سياسة تمدد قبوري غير مسبوقة، خدمة للمشروع ، والهوس الإيراني لتغيير معالم بلاد الشام، والعراق .
أهداف الاعمار الإيراني والتمدد القبوري في المنطقة :
تقول المصادر الإيرانية أنه وقبل ثورة الخميني كان في إيران لوحدها 1336 مزار موزع عبر الجغرافيا الدينية الإيرانية ، واليوم ازدادت المزارات بشكل مضطرد لتصل إلى أكثر 13 ألف مزار ، وليتناسب ذلك مع الزيادة المضطردة للشعب الإيراني ، وهذا الأمر صار محل تندر لدى الإيرانيين أنفسهم ، وطرح كثير من التساؤلات حول الأسباب والأهداف من وراء بناء هذه المزارات ؟ وما هي الأدلة العقلية والنقلية التي تم الاعتماد عليها ؟ .
لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تبنت إيران عدداً من الاستراتيجيات لإعادة إعمار المزارات الشيعية كما في العراق ، وفي سوريا ، والسعي لتفعيل إستراتيجية التمدد القبوري فيها ، وركزت على مصر والأردن اللتين رفضتا العروض والإغراءات الإيرانية المتكررة ، كما صرح بذلك عدد من المسئولين الأردنيين .

لكن لماذا هذه الحمى الإيرانية ؟ لا شك بأن المزارات الشيعية هي بمثابة استثمارات دينية ، وكما وصفتها أحد المواقع الالكترونية الإيرانية ، بالمناجم التي تدر “الذهب الشرعي ” غير قابلة للنضوب ، فالأموال الناتجة عن السياحة الدينية إلى تلك المزارات تدر المليارات سنوياً ، لكن مستودع هذه الأموال هو جيب المرشد ، ومؤسسات الحرس الثوري الإيراني .
المصادر الرسمية الإيرانية إلى أن أكثر من مليون وربع شيعي من داخل إيران ، وأكثر من 300 ألف شيعي من جنسيات مختلفة يحجون طوال العام إلى مدينة “مشهد” وزيارة “الحرم الرضوي” ، أو مسجد ومرقد الإمام علي بن موسى الرضا” ، وتبرعاتهم السخية ، هذا عدا عن الانفاق على السياحة الجنسية التي نشطت في هذه المناطق تحت غطاء ” زواج المتعة ” والتي تدر مبالغ مالية كبيرة ، إلا أن هذا الرقم يعد لا شيء مقارنة بمجموع المزارات الشيعية والمزارات الواقعة خارج إيران ، خصوصاً في العراق وسوريا ، والتي يحج إليها أكثر من أربعة ملايين حاج شيعي ، هذا عدا عن التجار الأثرياء، لا سيما من العراق ودول مجلس التعاون الخليجي ، وغيرها من هذه الدول ، و اللذين يدعمون الاقتصاد الإيراني بمبالغ فلكية تحت غطاء “سهم الخمس” والتي يتم تقديرها بملياري دولار سنوياً .
يمكن القول إن هذه الموارد المالية الضخمة و التي تعمل على إثراء الدولة والثورة الإيرانية تعود بالضرر البالغ على الدول العربية ، ففي الوقت الذي يتم فيه تدوير هذه الأموال لاستهداف الأمن العربي ، فسهم الخمس يُسهم بشكل دائم في عمليات دعم المشروع الإيراني ، ودعم إيران لبناء القوى الموازية والمليشيات والوكلاء اللذين يعيثون خراب وفوضى في المنطقة .
لن ينفك النظام الإيراني من السعي للحصول على موارد مالية جديدة لمواصلة إثراء نفسه ، وتوسعة دائرة الاستفادة من المزارات ومن المعممين ، وضمان بقائهم ضمن دائرة نفوذه، لذلك ومن أجل إنقاذ مستقبل الإيرانيين وشعوب دول المنطقة عليهم التحرك بجرأة لوقف هذا المشروع المدمر ، وتوظيف هذه الأموال المهدورة لصالح البناء والتنمية في نفس هذه الدول ، والتي يعيش أبنائها ظروفاً اقتصادية قاسية . وكذلك على حكومات الدول العربية أن تضبط انتقال أموال الخُمس لدى أخوتنا الشيعة من أجل ضمان عدم وصولها إلى إيران ، توظيفها لتنمية المناطق الشيعية ، وبناء المستشفيات والمدارس ، ومحطات تحلية المياه و توليد الطاقة الكهربائية، وبناء الطرق والسدود ، و إنشاء صندوق معونة اجتماعية لتوزيعها على فقراء ومعوزي المذهب الشيعي بدلاً من تمويل الدولة الإيرانية الطامحة لتدمير العالم العربي وشعوبه واستنزاف قدراته وموارده .