اخلاق الفروسية العربية بين مفهومي العمل الفدائي والانتحاري

الفروسية هي سمة المقاتل العربي فهو لا يغدر بعدوه واذا تمكن منه قد يصفح عنه واذا ما انكسر سيفه خلال النزال لا يقتله بل يعطيه سيفا اخر ليكمل او يصفح عنه وتلك هي اخلاق الفرسان والنخوة والكرم ونصرة المظلوم والضعيف رافقت دائما اخلاق العربي طوال تاريخه سواء كان مسلم او مسيحي وقصص الفروسية عند المناذرة والغساسنة قبل الإسلام معروفة وهي العرب المسيحيين وعندما جاء الإسلام ثبت وعزز مفهوم الفروسية بشكل أوسع وكان حب الجار والتكافل والمحبة هي محور حياة الانسان العربي وبقي ذلك المفهوم سائدا الى منتصف الخمسينات من القرن الماضي وبقيت تلك الاخلاق ملازمة للعرب في ظل الأنظمة العربية الملكية لتمسك تلك الأنظمة بالقيم والعادات العربية الاصيلة وما ان هبت رياح التغيير على بعض البلدان العربية وتحولت الى جمهوريات حتى فقدت تلك الاصالة والتحق سكانها بركب الانانية والجفاء اعتقادا منهم انهم التحقوا بركب التقدم والتطور الحتمي فنسي العربي جاره القديم ونسي مساعدة المحتاج حتى نسي امه وابوه مرضاة لزوجته التي تأثرت بنفس الموجه الكاذبة للتطور الحتمي , حركة النضال العربي تمتعت بنفس روح الفروسية والشهامة في العصر الحديث كثورة الأمير عبد القادر الجزائري وشيخ المجاهدين الليبي عمر المختار الى ان بدأت الثورة الجزائرية التي تطور فيها أسلوب النضال واتخذ طابع السرية في العمل بسبب طبيعة العدو الاستعماري الفرنسي واتخذت حركات التحرير الفلسطينية نفس الأسلوب وقامت بتطويره اكثر وذلك لان العدو مختلف وأماكن العمل واسعة والإمكانات محدودة وكان الفدائي الذي يقوم بعملية فدائية يقاتل الى اخر لحظة واخر طلقة في البندقية واذا سنحت له الفرصة ينجو بنفسه ويختفى او ينسحب ليقوم بالتحضير لعملية قادمة وكان مفهوم العملية الفدائية معروف واسلوبها متشابه تقريبا وكان الفدائيين الفلسطينيين يستعملون نفس مفاهيم الفروسية والنخوة والشهامة العربية مع الجميع حتى مع اعدائهم ومع اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979 حتى ظهر مفهوم جديد حل محل أسلوب العمل الفدائي وهو العمل الانتحاري الذي تم تحوير التسمية فيما بعد الى الاستشهادي فمن اين جاء هذا المفهوم الغريب على الاخلاق العربية وكيف تطور والى اين وصل ؟
لقد استعانت المجموعة المقربة من الخميني بأسلوب الانتحار في العبادات الهندوسية و الذي يعتبر في الديانة الهندوسية جزء من العبادات , فالهندوسي اذا ما اصابته ضائقة مالية او اثقل كاهله بالديون قتل نفسه وكثيرا من نسمع حالات الانتحار في العمالة الهندية في دول الخليج العربي لأسباب الإفلاس او الديون وهناك حالة أخرى للانتحار اكثر شيوعا وهي انتحار الزوجة بحرق نفسها بالنار عندما يموت زوجها فتقوم برمي نفسها بنفس النار التي تحرق بها جثة زوجها تحت مفهوم حب الزوج وهناك حالة انتحار الحبيب او الحبيبة وغيرها من مفاهيم الانتحار المتبعة والمعروفة في الديانة الهندوسية وقد حاولت الحكومات الهندية المتعاقبة منع تلك الحالات لكنها لم تستطيع القضاء عليها كليا .
وطبقا لذلك المفهوم فقد قامت الموجه الخمينية الجديدة بنشر مفهوم العمليات الانتحارية بدلا من العمليات الفدائية وكانت هناك عدة عمليات انتحارية في بداية الحرب العراقية الإيرانية مثل تفجير وكالة الانباء العراقية بسيارة مليئة بالمتفجرات يقودها انتحاري وغيرها من العمليات وهنا بدأت اول الخطوات نحو التوحش والاجرام في المجتمع العربي وبمرور الوقت انتقل العمل الانتحاري من ايران الى العراق و أفغانستان وفلسطين واصبح أداة قاسية للتعامل مع الأعداء في حين غاب مفهوم الفروسية العربية وتم تغيير التسمية من انتحاري الى استشهادي وفي منتصف التسعينات خفت العمليات (الاستشهادية ) ثم اختفت كليا بعد التطور الفكري للمجتمع العربي وانهيار الاتحاد السوفييتي مع نظرياته الثورية لكنها ظهرت مرة أخرى بقوة في سنة 2011 مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي والجديد هو دافع الشخص الذي يقتل نفسه بحزام ناسف او سيارة مفخخة قد تغير واتخذ أسلوبا اجراميا خطيرا بقي في طي الكتمان خوفا من انفضاح امره وادانته الدولية مثله مثل اختفاء خمسة وعشرين الف داعشي بمجرد تحرير الموصل والرقة منهم فما هو ذلك السر ؟
استنادا الى دراسات امنية عديدة قامت في دول متعددة فقد قام تنظيم داعش الإرهابي باستعمال نوع جديد من المخدرات التي تم تطويرها في فترة رئاسة أوباما في مختبرات أمريكية تجعل الانسان يتوحش وذلك العقار عبارة عن خليط بين المخدر الخاص بالعمليات الجراحية وعقار ديت رابة دراك ( Date rape Drug ) وخليط مع مواد كيميائية أخرى وفي بداية استعماله من قبل بعض الأشخاص في أمريكا ظهرت عدة أنواع من ذلك العقار منها حالات لأشخاص تناولوا ذلك المخدر وقاموا بقتل اشخاص اخرين واكلهم اموات وبعضهم كان يأكلهم وهم مصابين احياء وكل العالم يتذكر تلك الحوادث والنسخة التي استعملها تنظيم داعش الإرهابي في تنفيذ العمليات الانتحارية لها نفس مفعول عقار (ديت رابة دراك ) لكن تنظيم داعش استعملها بطريقة عملية مدروسة على اتباعه فما هو ذلك العقار ؟ اليوم في أوروبا على سبيل المثال يمنع استعمال ذلك النوع من المخدرات ويعتبر تداوله بمثابة جريمة الشروع بالقتل واليوم اذا دخلت أي بار او ملهى ليلي في أوروبا تجد في المدخل اعلان يحمل اسم وصورة العقار مكتوب يمنع استعمال او ادخال هذا العقار , والعقار يستعمله المراهقين واللصوص على حد سواء ويتم وضع عدة قطرات من ذلك السائل الموضوع في قنينة تشبه قنينة قطرة العين يضع تلك القطرات في شراب الشخص الضحية فيفقد الضحية الشعور والادراك الحسي ويتحول الى شخص ينقاد لاي شخص اخر فيقوم المجرم بأخذ ضحيته واغتصابها او سرقتها او حتى سرقة أعضائه البشرية وفي اليوم التالي لا تتذكر الضحية ما حصل وقد تعرضت الاف الفتيات الى تلك الحالات الاجرامية من الاغتصاب ومازال ذلك العقار ممنوع تداوله لكن مافيات معينة تبيعه في السوق السوداء في أوروبا , وقد استعمل تنظيم داعش الإرهابي عقار مشابه التركيب لهذا العقار حيث يقوم باختيار شباب صغار من بين المراهقين الذين يقوم باسرهم واعتقالهم و يوهمهم بانه سيقوم بإدخالهم دورة تدريبية على أمور حياتيه مفيدة ويقوم بعزلهم عن الاخرين في معسكر خاص يتم خلاله اعطائهم جرعات يومية من ذلك العقار في الطعام والشراب وتدريبهم على عمليات انتحارية يوميا وخلال أسبوع يتحول هؤلاء الشباب الى مفقودي الإرادة كليا بحيث اذا ما قام الدواعش بإعطائهم الأوامر لتنفيذ أي عملية انتحارية فانهم يقومون بها دون ادراكهم بخطورة ما سيقومون به ( زومبي ) ويقوم الدواعش باصطحاب هؤلاء الزومبي الى منطقة قريبة من تنفيذ العملية ويرسلونهم للتنفيذ وهذا يفسر سبب مصاحبة دواعش لمنفذي العمليات الانتحارية في كل مرة وحالة عزل الشباب عن الاخرين في معسكر خاص واعطائهم ذلك المخدر تسمى عند الدواعش سقاية وتعني انهم يسقونهم المخدر.
فالعمليات الانتحارية التي كان ومازال الدواعش يقومون بها ليست بطولية وليس هناك أي فكرة ايمانية او ادراكية في الموضوع وانما هي خدعة مخدرات الهدف منها نشر الرعب والخوف بين السكان الآمنين والدليل ان عملية التفجيرين الانتحاريين في بغداد الأسبوع الماضي استهدفت سوق بيع الملابس المستعملة وفي ذلك السوق أفقر طبقة اجتماعية في العراق فما الهدف من تلك العملية؟ هل ان هؤلاء الفقراء الذين يبيعون او يشترون الملابس المستعملة كفار بنظر داعش؟ او هم هدف عسكري؟
بقي سر اخير اود ان يشاركني فيه القراء الأعزاء , ان الذي دعاني لكتابة هذا المقال انه وصلني من فلسطين الحبيبة قبل يومين فيديو على الواتس اب لرجل في السبعينات واثنين من أبنائه يقدمهم للاستشهاد ويقول انه يزفهم للحور العين وذلك الفيديو قديم قامت حركة حماس الفلسطينية بإنتاجه في ذروة نشاط الدواعش سنة 2012 للترويج لهم في ذلك الحين والمضحك ان حماس قامت بإعادة نفس الفيديو هذه المرة وكتبت تحته ان الرجل عراقي وهؤلاء الاستشهاديين الذين قاموا بعملية سوق الملابس المستعملة الأخيرة في بغداد وتم نشر الفيديو في كافة انحاء فلسطين بهدف نشر الرعب بين الناس ونسي الاغبياء ان الرجل يتكلم بلهجة فلسطينية لا يتكلمها شيخ عراقي في السبعينات .

مقالات ذات صلة

بسام شكري

باحث وكاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى