منذ فترة طويلة ، أطلعت على مشروع برنارد لويس ، والذي وافق عليه الكونكرس الامريكي باجتماع سري ، يهدف الى تفتيت العالم العربي والإسلامي ، وان ما يحدث الان ، هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الذي هندسه هذا الرجل البريطاني الصهيوني ، مدعوما من الصهيونية العالمية ، لتقسيم العالم العربي وتجزأته وتحويله الى فسيفساء يكون فيها الكيان الصهيوني السيد المطاع .. ويقول هذا الانسان الهرم ما نصه ( إن العرب والمسلمين قوم فاسدون ومفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم ) ، ولذلك فهم يشكلون خطرا جسيما على حضارة العالم المتطور، ويقترح لحل ذلك ، هو اعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية وفِي حال قيام امريكا بهذا الدور ، عليها ان تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة .. ومن اجل تنفيذ ذلك ، لابد من استهداف الأمن القومي العربي ، وتقويض مرتكزاته الاساسية ، وكان اختيار ضرب العراق وغزوه واحتلاله ، يقع ضمن الشروع بتنفيذ هذا المخطط ، كوّن العراق يحكمه نظام وطني مستقل سياسيا واقتصاديا ويمتلك قوة عسكرية رادعة تحمي الجناح الشرقي والشمالي للأمة العربية ، ويمثل العراق الركن الأساس للامن القومي العربي ، ففي حالة انهياره ستنهار الامة من بعده ، وهذا ماحدث فعلا …
إن أي مشروع لا بد من ادواة تستخدم لتنفيذه ، وعليه اعتمدت الصهيونية العالمية على القوة العسكرية الامريكية ، وعلى المشروع الإيراني الصفوي وأطماعه في المنطقة والمتمثل بنظام الملالي ، وعلى المشروع التركي وأطماعه في المنطقة ، من خلال احزاب الاسلام السياسي ( حزب الدعوة والحزب الاسلامي ) ، وكذلك على بعض العملاء ، ومع الاسف على بعض الأنظمة العربية والتي ساهمت في تدمير اهم مرتكز من مرتكزات الأمن القومي العربي والذي كان يحمي البوابتين الشرقة والشمالية للأمة العربية .. وبعد احتلال العراق اصبح
العالم العربي امام تحديات جسام ، ويمر بظروف سياسية واقتصادية وأمنية بالغة الخطورة ، ومن نزاعات وحروب واطماع إقليمية ودولية ، وتاتي في مقدمة هذه التحديات القوة المتمثّلة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وممارسة قمع الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه المشروعة ، وكذلك تمثل سياسات النظام الإيراني العدائية وسيطرته على مقدرات العراق ولبنان واليمن وسوريا وتدخلاته في ليبيا والبحرين ، وكذلك اطماع النظام التركي التوسعية ، تحديا كبيرا على الأمن القومي العربي …
لقد بدأت عملية اختراق الأمن القومي العربي عمليا ، منذ احتلال ايران اقليم عربستان وذلك عام ١٩٢٥ ، وبعدها احتلت تركيا لواء الاسكندرون السوري عام ١٩٣٩ وفلسطين عام ١٩٤٨ ، وهكذا بدأت عملية قظم الارض العربية وصولا الى احتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن ، والجزر العربية الاماراتية الثلاث ، رافق ذلك صمت عربي وإقليمي ودولي رهيب ومشبوه ، واصبح الأمن القومي العربي في مهب الريح ، بسبب تفكك الامة وضعفها وهوانها ، وعدم إدراكها أهمية الأمن القومي العربي ، وكثرة الخلافات فيما بينها ، وعدم التزامها بالقرارات
التي تصدر من مؤتمرات القمة العربية ، وبالأخص بما جاء بنص وثيقة الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة والتي أقرت في ختام اعمال قمة القدس التي عقدت في مدينة الظهران بالسعودية عام ٢٠١٨ ، وهي مقررات الحد الأدنى .. كل ذلك مما جعل أن ايران تتجرأ الى مد نفوذها داخل الدول العربية ، من خلال إشاعة الطائفية وتأسيس ميليشيات مسلحة موالية لها ، وباستمرار الوضع على ما هو عليه ، ستحاول القوى الإقليمية والدولية على الحصول على مكتسباتها على حساب الامة العربية ، طالما ان الامن القومي العربي منكشفا وضعيفا بهذه الصورة الخطيرة …
كما ان الامة لم تتفق لحد الان على مفهوم موحد للامن القومي العربي ، أو ان الامة لا تريد الاتفاق اصلا ، متمسكين البعض منهم بأمنهم القطري ، متناسين انهم جزء من أمة عربية ، وما تصاب به الامة من ضعف ووهن ينعكس عليهم تماما ، وان أمن الامة متكامل لا يتجزأ ..
أنظروا ماذا حدث للأمة بعد ان أحتل العراق من قبل الغزاة .. وانهارت الجبهة الشرقية والشمالية للأمة ..؟؟؟
يعرف الامن القومي ( national security ) ، بأنه ( قدرة الدولة على تأمين استمرار أساس قوتها الداخلية والخارجية والعسكرية والاقتصادية في مختلف مناحي الحياة لمواجهة الاخطار التي تهددها من الداخل والخارج وفِي حالة الحرب والسلم على حد سواء )
وبإمكاننا تعريف الامن القومي العربي بأنه (قدرة الامة العربية على حماية كيانها كله من التهديدات الداخلية والخارجية ) .. وللأمن القومي العربي ابعاد مهمة منها البعد الاجتماعي والعسكري والاقتصادي والصحي والبيئي والغذائي والتكنولوجي وتطوراته الاخيرة كالبعد السِبراني …
والأمن القومي العربي يمثل جميع التصرفات التي تسعى عن طريقها الامة الى حفظ حقها في البقاء وقدرتها على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها.
لا زالت الامة رغم انكشاف أمنها القومي
واختراقه من قبل اعدائها ، لديها الإمكانية لإعادة النظر قبل فوات الاوان ، وما خطوة مجلس التعاون الخليجي العربي الاخيرة في اعادة اللحمة اليه إلا خطوة الى الامام وفِي الاتجاه الصحيح .. فإرجاع قطر الى الحاضنة العربية يعزز من الامن القومي العربي ، بدلا ان تذهب قطر الى احضان الغرباء. وكذلك فإن دعم شعب العراق والحفاض على ثرواته المستباحة والوقوف ضد تقسيمه وتغيير ديمغرافيته والتخلص من الاحتلال الإيراني والأمريكي- الصهيوني ، سيعزز من الامن القومي العربي ، وكذلك دعم الشعب اللبناني والحفاض على وحدته وأمواله من السرقة كي يتخلص من هيمنة حزب الله الإيراني يمثل دعما للامن القومي العربي ، والوقوف مع الشعب اليمني وحكومته الشرعية للتخلص من حركة الانقلاب الحوثية الإيرانية ، هو تعزيز للامن القومي العبي ، ودعم الاْردن حكومة وشعبا ، اقتصاديا والعمل على تعزيز قدراته العسكرية ودعم الجيش الأردني العربي ، يمثل هو الاخر دعما مهما للامن القومي العربي والوقوف مع الشعب الليبي في محنته ومنع تقسيمه يعزز من امننا القومي … وهذا بإمكان الامة العربية اذا ما توفرت لديها الإرادة السياسية ، وان يقترن القول بالفعل ، عندئذ بإمكانها ان تعيد عافيتها وتصون أمنها القومي العربي، وهذا يحدث عند اتخاذ الخطوات الآتية :
اولا : على الامة العربية حكومات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني ، أن تدرك وتقتنع بإن كل قطر عربي مرتبط ارتباطا عضويا بالامن القومي العربي ، لان الاخطار التي تهدد الأقطار العربية واحدة ، ولان مستقبلها ومصيرها واحد ، ولان الامن القومي العربي يستمد قوته وأهميته من صفته القومية ، ولا سبيل الى تحقيقه الا من خلال وضع استراتيجية عربية موحدة تعتمد بالمقام الاول على تنمية القدرات العربية المادية والبشرية وتعبأتها بما يخدم مصالح الامة
ثانيا : العمل على تجميد الخلافات العقائدية والفكرية والمذهبية في هذه المرحلة الخطيرة من حياة الامة ، وترك كل مايؤسس على الخلاف ، والتركيز على تعزيز امننا القومي العربي ، واعتباره مقياسا او دليلا لعملنا في هذه المرحلة ..
ثالثا : الوقوف بحزم امام جميع التدخلات الأجنبية ، الإقليمية والدولية ، ودعم الشعب العربي في نضاله من اجل نيل حريته.
رابعا : نقف بقوة مع كل فعل او عمل ، سواء جاء من قبل الأفراد ام الأحزاب ام الحكومات العربية ، يعزز من امننا القومي العربي ، وعلى العكس ، نقف بالضد من اي موقف يضعف امننا القومي.
خامسا : توحيد مواقفنا السياسية والإعلامية والعسكرية اتجاه الاطماع الأجنبية التي تستهدف امتنا العربية وأمننا القومي ..
سادسا : تشجيع اي عمل جماعي ووحدوي سواء كان سياسيا ام اقتصاديا ام ثقافيا ام اعلاميا يعزز من امننا القومي العربي.
عندئذ نكون قد بدأنا بالخطوات الصحيحة باتجاه بناء امننا القومي العربي ، وأعادة اللحمة الى كياننا العربي حتى نمارس دورنا الإنساني والحضاري لخدمة الانسانية جمعاء…