تتسارع ردود الفعل من طهران على ما يجري من تطورات دراماتيكية متسارعة في العراق ، حيث كشفت الاحتجاجات التي اندلعت بشكل متزامن في العراق ولبنان إلى حقيقة مفادها أن إيران قد تكون قد نجحت في زيادة نفوذها في هذين البلدين، لكنها بعد ذلك، لم تحسن إدارة التصرف فيهما بعد أن نصبت الموالين لها لإدارة دفة الأمور في كلا البلدين على حد سواء .
في العراق، اتسعت دائرة الاحتجاج ولم تعد مقتصرة هذه المرة على الطائفة السنية وأنصار البعث وداعش كما تقول إيران ، بل شملت المكون الشيعي ، و انبرى عدد من رجال الدين والمراجع الشيعة لحث المواطنين على رفض الظلم والفساد في مفاصل الدولة داعين الناس الخروج إلى الشوارع بكثافة للتغيير ، حيث صدحت حناجر المتظاهرون بإسقاط الحكومة ورحيل الطبقة الحاكمة الفاسدة عن السلطة.
كشفت الاحتجاجات غير المسبوقة التي هزت المدن الشيعية، أن سياسة النظام الإيراني من خلال الطبقة السياسية التي فرضتها من خلال سلطة الأمر الواقع قد فشلت، وأن طهران وعملاءها فشلوا في ترجمة الانتصارات العسكرية والسياسية التي حققتها دولة الولي الفقيه إلى برنامج اجتماعي اقتصادي، و لم يعد يوفر الطعام والخدمات للشعب العراقي ، بل عاد العراقيون خمسين سنة إلى الوراء ، في الوقت الذي حرص فيه قادة العراق لحماية المصالح الإيرانية وخدمتها ، ونقل المليارات من الدولارات لانقاذ النظام الإيراني البائس وخلق اقتصاد بديل لإيران يمكنها من تفادي العقوبات الأميركية، وبات وكلاء إيران في العراق ، أقوى من الجيش العراقي، وأصبح قرار الحرب والسلام في هذا البلد قرارا إيرانيا بامتياز .
تتحسب طهران من أن تؤدي نتائج الاحتجاجات العراقية إلى انهيار هياكل القوة التي جهدت على مر أكثر من 15 عاماً على إنشائها .
لهذا وجهت الميليشيات العراقية المدعومة منها إلى العنف لقمع جولة الاحتجاجات ، والانخراط بشكل مباشر لقمع المحتجين بالقوة .
ترى طهران أن الغرب وإسرائيل والحركات الوهابية وراء المظاهرات العراقية، وأنها تشبه إلى حد كبير المظاهرات التي جرت في إيران عام 2018، من حيث إدارتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي بعد تشكيل غرف عمليات من السعودية والامارات وإسرائيل وبقايا حزب البعث والجيش العراقي السابق .
تجزم إيران أن أهم الاهداف التي تسعى إليها القوى الخارجية التي تدير هذه المظاهرات، إثارة الخلافات بين طهران وبغداد لتتحول العلاقة بينهم إلى العداءٍ مجدداً، إلى جانب إلغاء التهديد الأميركي من وجهة نظر الشعب العراقي، وتصنيف إيران كتهديد مركزي في منطقة غرب آسيا تمهيداً لاضعافها وإستهدافها ، حيث تريد الأطراف الداعمة للمظاهرات د أن تنقل الكرة إلى ملعب إيران، لتسهيل الطريق أمام قرارهم القاضي بإجراء صفقة مع طهران فيما يخص الحرب اليمنية والملف السوري ، هذا إلى جانب إثارة الفتنة بين السنة والشيعة في المنطقة ، تمهيداً لتشكيل تحالف سني عربي ضد ما يسمى بالمشروع الشيعي الإيراني من خلال الحرب السايبرية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بالإضافة لتضييق الخناق الاقتصادي على إيران من خلال قطع العلاقات الاقتصادية مع بغداد. إلى جانب إيجاد حالة من عدم الأمن بسبب خروج أميركا من العراق والمطالبة شعبياً وحكوميا بعودة القوات الأمريكية مجدداً.
تعتقد إيران العلاقة بين طهران وبغداد أكبر من أن يتم إخلالها في ظل الروابط المتينة الحالية، البعيدة عن أية خلافات على جميع المستويات، و أن هذه العلاقات بين البلدين تتجه نحو التحسن للأفضل، مطالبة الحكومة العراقية بتلبية ما أمكن من مطالب الشعب العراقي، المتمثلة في مكافحة الفساد وتخفيض أسعار السلع ومن شأن هذه الإجراءات أن تُساهم في تحسن العوائد الإيرانية على المدى الطويل ، كون أغلب البضائع والسلع الموجودة في السوق العراقي هي إيرانية المنشأ .