تعمل جميع الأحزاب السياسية على تحديد أهداف لها. وتسعى، من خلال نضالها، إلى تحقيق تلك الأهداف.
فالأهداف تمثل مخرجات يتم تحديدها وتضعها الأحزاب وتسعى بالطرق كافة إلى تحقيقها على أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق وان تكون مقبولة وواضحة ومفهومة من عموم الشعب. وتمثل رسالتها مرشداً أساساً للجهود والقرارات كافة، التي تتخذها وهي تشكل الإطار المميز للأحزاب والتي تميزها عن الأحزاب الأخرى، وعلى هذه الأحزاب أن تكون لها رؤية ووصفاً لما تريد أن تكون في المستقبل. والرؤية تعني صياغة أحلام الأحزاب وتصوراتها وطموحاتها، التي لا يمكن تحقيقها في ظل ما متوفر لديها من إمكانيات حالية.
والأحزاب تستخدم في نضالها من أجل تحقيق أهدافها ما يسمى بالإستراتيجيات ومن أجل تنفيذ هذه الاستراتيجيات تكون بها حاجة إلى التكتيكات الضرورية لتحقيقها
والاستراتيجية هي خطة متكاملة للوصول إلى الهدف، وعادة ما تكون طويلة أو متوسطة الأمد .
وتمثل التكتيكات اللازمة لتحقيق الاستراتيجية الإجراءات
والآليات المحددة، التي تساعد على تنفيذ الاستراتيجية، وتالياً تتحقق الأهداف.
فالتكتيك يمثل جزءاً مهماً من الخطةالاستراتيجية ومن الممكن أن تستخدم الأحزاب السياسية تكتيكاً واحداً أو مجموعة من التكتيكات لتحقيق هدف معين.
فالتكتيك هو أسلوب وآليات عمل وأشكال ومناهج نضال لأي تنظيم سياسي لتحقيق مهمات معينة في مدة زمنية محددة فهو، بحد ذاته، جزء من الاستراتيجية ومرحلة من مراحلها. وهو ينبع منها ويهدف إلى تحقيق عملياتها الجزئية على ان تكون في خدمة الهدف الاستراتيجي العام. وفِي بعض الأحيان وللوهلة الاولى نجد أن التكتيك قد يتقاطع مع الاستراتيجية ولكن، في النهاية، يجب أن يَصْب في مصلحة تنفيذ الاستراتيجية ويجب أن لا يتقاطع على الإطلاق مع الاستراتيجية.
كما نجد في التكتيك مفاهيم ومصطلحات عديدة مثل المبادرة والمباغتة وأشكال مختلفة في التراجع والهجوم والمراوغة واستخدام كل الوسائل المتاحة وصولا إلى الهدف. وبالامكان تغيير الاستراتيجية حسب الظروف الموضوعية والذاتية وحسب المتغيرات والمستجدات، التي تطرأ على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتغيرات، والتي تحدث على المستويين العلمي والتقني.
مما يجعل الأحزاب السياسية أن تعيد النظر، بين الحين والآخر، باستراتيجياتها وتكتيكاتها، وبما يتلائم وينسجم مع الأوضاع المستجدة على الساحة الدولية والإقليمية والوطنية بخاصة ونحن نعيش في عالم يتغير بسرعة فائقة بسبب التطور التكنولوجي. لذا على الأحزاب السياسية عدم الاعتماد على استراتيجيات وتكتيكات ثابتة وجامدة وإنما على استراتيجيات وتكتيكات ذات طابع ديناميكي ومرن بحيث تتكيف مع المستجدات والتغيرات كلها، التي تحدث. وعلى هذا الأساس سوف تتمكن الأحزاب من مواكبة التطورات والتغييرات وستتمكن من تحقيق أهدافها المرسومة بأقل الخسائر وبفاعلية أكبر، فقبل أكثر من ثلاثين سنة وقعت أحداث وتحولات كبرى على مستوى العالم وأهمها انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين وتوحدت ألمانيا. أوانفردت أمريكا بالعالم وهيمنت على الاقتصاد الكوني وذلك من خلال هيمنتها على اكثرية مؤسسات الأمم المتحدة. كمجلس الأمن الدولي وصندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ولازال الدولار العملة القوية بين العملات الاخرى، وخلال هذه المدة ظهرت الصين كثاني أكبر قوة اقتصادية وعسكرية. وظهرت أوربا موحدة كقوة اقتصادية وعسكرية وسياسية ووحدت عملاتها بعملة واحدة هي اليورو كعملة منافسة للدولار، مما جعل الصين وأوربا قوتان من الممكن لهما إعادة حالة التوازن الدولي بعد غياب الاتحاد السوفيتي.لذلك استهدفت أمريكا كلاً من الصين وأوربا للحد من منافستهما على قيادة العالم. ولا زال هذا الصراع مستمراً بين محور الصين من جهة، ومحور أمريكا من جهة ثانية.
أما على مستوى الشرق الأوسط فقد ظهرت إيران كقوة أقليمية وكذلك تركيا. وبخاصة بعد غزو أمريكا للعراق واحتلاله مما أثر على موازين القوى في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وإيران. وبعد أن وقعت أمريكا أوباما على الاتفاق النووي مع إيران وإعطائها الضوء الأخضر لمد نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وبالأخص العراق، الذي تحتله إيران وتتحكم بمقدراته كلها. وتداعيات ذلك على الأمن القومي العربي حيث ضرب هذا الأمن بالصميم باحتلال العراق. بالأضافة إلى ذلك المشكلات المتعلقة بالنفط والسيطرة عليه وتذبذب أسعاره وآثاره الاقتصادية على الدول النفطية، ومنها العراق.
وهنالك مشكلات سياسية واقتصادية كثيرة حدثت، خلال هذه المدة، والتي أنذرت بتحولات تأريخية ضخمة في العالم والمنطقة. فضلا عن التطورات العلمية والتقنية، التي حدثت، خلال هذه المدة. وأخيرا جائحة كورونا وآثارها على مجمل الحياة وبتفاصيلها كلها.
ذلك كله يتطلب من الأحزاب السياسية والقوى الثورية وبالاخص الأحزاب، التي تتبنى المشروع القومي العربي التحرري الديمقراطي الاشتراكي، أن تعيد النظر بأستراتيجياتها وتكتيكاتها وبما ينسجم مع هذه الاحداث
والتغيرات الكبيرة كلها، وأن تعتمد هذه الاستراتيجيات وتركز، بالدرجة الأساس، على تعزيز الامن القومي العربي بوصفه المقياس الوحيد لأي عمل ثوري. وتوحيد المقاومة العربية وكذلك القوى والأحزاب في إطار عمل جبهوي، ووضع الاليات والإجراءات اللازمة، أي التكتيكات الضرورية من أجل تحقيق ذلك.
إن أي عمل سياسي منظم يهدف إلى أجراء تغيير جذري للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهو لابد أن تكون له استراتيجية واضحة لتحقيق أهدافه البعيدة والمتوسطة المدى. وأن يكون له تكتيك محدد ومرن لتحقيق تلك الاستراتيجية.
وعلى الاستراتيجية أن تحدد أولويات أعدائها. فاليوم، وبعد احتلال ايران للعراق والهيمنة على مقدرات سوريا ولبنان واليمن أصبحت إيران تشكل خطرا جسيما على الامةً العربية وأمنها القومي ووجودها، وتالياً ستكون مواجهة إيران من الأولويات في هذه المرحلة التاريخية كونها العدو الأول من دون إهمال العدو الاستراتيجي، الذي هو الكيان الصهيوني ودوره في ما يجري.
أما في حالة العراق، الذي يمر بمرحلة التحرر الوطني وهي مرحلة معقدة بسبب تداخل القوى، التي تحتل العراق: أمريكا وأيران والكيان الصهيوني، فأن استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية يجب أن تتضمن الانقضاض على العملية السياسية برمتها وقلعها من جذورها وبناء حكومة مدنية وطنية ديمقراطية عراقية غير مرتبطة بأية جهة خارجية وتعمل من اجل بناء البلد وخدمة شعبه.
كما أن إمكانية تحريك جميع القوى الاجتماعية والسياسية والوطنية مادامت تلك القوى تلتقي جميعها في معاداتها للعملية السياسية والهيمنة الخارجية بأشكالها كلها، وعلى وجه الخصوص ثورة الشعب العراقي من اقصاه إلى اقصاه ثورة الشباب الأبطال في ساحات الاعتصام. هذه الثورة السلمية، التي قدمت الشهداء لابد ان تكون في صلب الاستراتيجية ولا بد من استخدام التكتيكات المناسبة لتحقيق أهداف استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية، وأن تأخذ بنظر الاعتبار أساليب المناورة والمباغتة والتضليل والهجوم والانسحاب وإذا تطلب الامر وحسب الظروف الموضوعية والذاتية ان تحمل السلاح ضد المحتلين والعملاء والجواسيس والذين دمروا العراق وسرقوا ثرواته، فالتكتيك دائما يكون في خدمة الاستراتيج ولا يتقاطع معه، لذا نجد أن العلاقة بين الاستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي مهما كانت طبيعة هذا العمل هي علاقة جدلية لا اختلاف فيها، بل على العكس يكملان بعضهما بعضاً.
808
تعليق واحد