ما هي التسمية الجماعية التي تُطلق على مجموعة من الزعماء العرب؟ إنها “القمة”. وما هي السمة المميزة للقمة العربية؟ بنظر المتهكمين، لا تتسم القمم العربية بأي ميزة خاصة، فقد مرّ وقت طويل منذ اتخاذ أي قرار بارز في مثل هذه الاجتماعات.
لكن الوضع قد يختلف هذه المرة. إذ دعا العاهل السعودي الملك سلمان إلى عقد مؤتمر في مكة المكرّمة في 30 أيار/مايو لمناقشة الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط الأسبوع الماضي بالقرب من مضيق هرمز والهجمات التي نفّذتها طائرات بدون طيار على خط الأنابيب “شرق – غرب” الذي يُعتبر خطاً استراتيجياً رئيسياً في المملكة. وفي تغطية “وكالة الأنباء السعودية” لأخبار الدعوة الرسمية الموجَّهة إلى الزعماء العرب، ربطت الوكالة الهجوم على خط الأنابيب بـ “الميليشيات الحوثية الإرهابية [في اليمن] المدعومة من إيران.”
وقد جاء الإعلان عن خطة القمة الطارئة بعد أيام قليلة من دعوة وزيرٍ إماراتي إلى “وقف تصعيد” الأزمة، رغم أن هذه الخطة ذكرت إيران على وجه التحديد، مما يوحي بأن الأزمة قد تتأجج من جديد. ومن الممكن أن يحدث الكثير في الأيام القليلة المقبلة. إذ سقط صاروخ وحيد يوم الأحد على مقربة من السفارة الأمريكية في بغداد، ويبدو أنه أُطلق من إحدى الضواحي البعيدة. فهل يشكل هذا الصاروخ هجوماً عشوائياً شنّه تنظيمٌ مسلّح، أم أنه رسالة وجّهتها طهران بواسطة إحدى الميليشيات الوكيلة لها لتذكير الولايات المتحدة بمواطن ضعفها؟
في الواقع، يجري التخطيط لقمّتين، الأولى لأعضاء جامعة الدول العربية التي تعرّف العالم العربي بالمنطقة الممتدة من موريتانيا إلى جزر القمر، والثانية لدول الخليج، مع الإشارة إلى أن هذه التسمية لا تشمل إيران بالطبع، ولكن هذه المرة لا يبدو أنها تضم قطر أيضاً. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر تعمل على عزل قطر اقتصادياً ودبلوماسياً منذ منتصف عام 2017 لأسبابٍ كثيرة نسي الناس الكثير منها. وقد صرّح متحدث باسم وزارة االخارجية القطرية يوم الاثنين أن هذه الدولة الصغيرة الغنية بالغاز لم تتلقَّ دعوةً لحضور أيّ من القمّتين.
ولكن انعقاد القمة ليس مؤكداً مائة في المائة. فالقمم العربية تقام عادةً مرةً واحدة كل عام خلال شهر آذار/مارس. (عُقِدت هذه السنة في 1 نيسان/أبريل في تونس، رغم أنه عُقدت أيضاً قمة مشتركة مع الزعماء الأوروبيين في منتجع شرم الشيخ المصري في شباط/فبراير.) وتنص الإجراءات على أن أي قمة إضافية تعتبر اجتماعاً “طارئاً” ولا تُعقد إلا إذا رفعت إحدى الدول الأعضاء طلباً بذلك ووافق عليه ثلثا هذه الدول. (تضم جامعة الدول العربية 22 عضواً، على الرغم من تعليق عضوية سوريا. وهناك أيضاً مجموعة غير مألوفة إلى حد ما من الدول المشاركة بصفة مراقب، التي ليس لها حقوق التصويت، وهي: البرازيل وإريتريا والهند وفنزويلا وأرمينيا.)
ونظراً إلى احتمال أن تكون القمة عبارة عن محاكمة صورية لإيران – مهما كانت تستحقها – ستحاول بعض الدول على الأرجح التغّيب أو إيفاد ممثل أقل مرتبةً من رئيسها أو حاكمها. وثمة دول عديدة لا تؤيّد إيران وسوء تصرفاتها في المنطقة، ولكنها قد تفضّل تجنّب المواجهة أو الإدانة. وقطر هي إحدى هذه الدول، سواء تلقّت دعوةً أم لا، وربما أيضاً سلطنة عُمان.
أما لبنان فيواجه مشكلةً خاصة: فباستثناء كوْن «حزب الله» الموالي لإيران جزءاً من حكومته، فإنّ رئيس الجمهورية ميشال عون مسيحي وبالتالي لا يستطيع الذهاب إلى مكة المكرّمة. وتفيد آخر الأخبار أن رئيس الوزراء سعد الحريري سيحضر القمة بالنيابة عن الرئيس، وهذا شرفٌ مشكوك فيه بسبب التجربة التي مرّ بها عام 2017 حين أجبره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الاستقالة من منصبه خلال تواجده في الرياض. (فور عودته إلى لبنان أصبح الحريري “غير مستقيل”).
ونظراً إلى الدور المركزي الذي يضطلع به الأمير محمد بن سلمان في الحكومة السعودية هذه الأيام، من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان هو صاحب فكرة القمة أم أنها دُبِّرت على يد المقربين من الملك المُسِن. وتشير عبارة “الاعتداءات وتداعياتها” المستخدمة في الإعلان الأولي إلى أن الأمير محمد بن سلمان الذي يشتهر بصرامته الدبلوماسية كان له يد في المسألة، فالملك أكثر اعتدالاً. وكما هو الحال، من المرجح أن يكون الأمير الشخصية المهيمنة في مكة إذا أراد نجاح القمة، حتى إذا كان عليه في الوقت نفسه أن يؤدي ظاهرياً دور الابن المطيع. فحين ألقى الملك سلمان كلمةً اثناء تواجده في شرم الشيخ في شباط/فبراير، اختلطت عليه الأسطر وأساء لفظ الكلمات – وكانت تلك لحظاتٍ حرجة عُرضت في بثٍ حي في كافة أنحاء العالم العربي.
علاوةً على ذلك، هناك مسألة جانبية أخرى وهي الترتيبات المتعلقة بالطعام. فشهر رمضان مستمر حتى مطلع حزيران/يونيو، لذلك قد يتم تحديد موعد اجتماعات مكة لساعات المساء (بسبب الصوم). وكأنّ هذا الاجتماع الدولي لا يحفل بما يكفي من التحديات، أعلن البيت الأبيض يوم الأحد عن اجتماع آخر يركز على الشرق الأوسط. فمن المقرر عقد مؤتمر في دولة البحرين الخليجية بين 25 و26 حزيران/يونيو تحت عنوان “السلام من أجل الازدهار” بحضور رجال أعمال ومسؤولين حكوميين، وهدفه المعلن هو تحقيق الازدهار الفلسطيني. ويندرج هذا المؤتمر ضمن “صفقة القرن” التي يعمل عليها الرئيس ترامب كخطة للسلام في الشرق الأوسط.
بيد أن القيادة الفلسطينية سبق وأن أعلنت عن عدم حضورها لأنه لم يتم التشاور معها بهذا الشأن ولا يحق لأي طرف التفاوض نيابة عنها. لكن يبدو أن الدعوة وُجّهت إلى ممثلين عن مصر والأردن ولبنان ودول الخليج الأخرى وربما إسرائيل أيضاً. وتسري الإشاعات عن إشراك قطر في المؤتمر – ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك بسبب دعمها المادي لقطاع غزة الخاضع لسيطرة «حماس» والمدعوم من إيران، أو بالرغم منه.
مرحباً بكم في الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي يبدو أنها ستكون مشغولة للغاية خلال الأسابيع القليلة القادمة، حتى قبل وقوع أحداث غير متوقعة.
سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
597