الانتهازيون

ا. د. محمد طاقة

تعدّ الانتهازية من أخطر الآفات الاجتماعية، التي تعاني منها المجتمعات جميعاً في العالم، وهي موجودة وبنسب متفاوتة كونها تعتمد على عوامل ذاتية وشخصية، من حيث نشأة الأفراد وتكوينهم الاجتماعي والثقافي، كون الانتهازية ذاتية ومرتبطة بشخص الانسان فهي لن تنحصر بطبقة معينة وإنما تشمل جميع طبقات المجتمع، ومن الصعب اكتشافها لأن المتصف بها يبين لك في ظاهره المودة والحب والمجاملة، ولكن في دواخله الكثير من النفاق واللف والدوران والمكر، وهي من الممكن اكتشافها ولكن بعد أن تكون قد حصلت على مبتغاها.
أصبحت الانتهازية مثلها مثل الأوبئة، التي تنحر في أوصال المجتمع وتدمر أسسه وكأنها معول هدام يدمر كل ما تبقى من القيم والمبادئ شأنها شأن وباء كورونا، وما فعلته بالمجتمعات البشرية.
يصف الفيلسوف الإنكليزي توماس هويز، صاحب المدرسة النفعية للإنسان، الانتهازي بأنه ذئب يتربص بأخيه ليَفْتِك به فهو يسعى إلى الحصول على القوة ليقهر الآخرين.
والانتهازيون أشخاص فاشلون في جميع مناحي الحياة ولا يمتلكون القدرة الذاتية على تحقيق أمنياتهم وطموحاتهم ونالوا من الفشل نصيبهم والتجأوا إلى الآخرين يستخدمونهم لتحقيق ما يصبون إليه.
وما أكثر الانتهازيين في زماننا، وبالأخص في العراق، حيث أصبحت الانتهازية والانتهازيون ظاهرة اجتماعية خطرة دمرت وستدمر البلد.
الانتهازيون هم الأشخاص، الذين يحققو مصالحهم على حساب مصلحة الآخرين او المصلحة العامة من دون الأخذ بنظر الاعتبار الأخلاق والقيم والمبادئ السائدة في المجتمع كونهم لا مبدأ لديهم ولا فكراً يدافعون عنه.
لقد عانى المجتمع العراقي ونخبه العلمية والاكاديمية ومثقفوه من هذه الآفة الاجتماعية، والتي حرمت العلماء والمتخصصين من أخذ دورهم في بناء المجتمع وتطويره، بسبب منافسة الانتهازيين لهم واستحواذهم على مواقعهم التي يستحقونها.
ولأن الانتهازيين، بطبيعتهم، يجيدون فن المديح والتملق، كما يجيدون فن إقامة العلاقات الإنسانية والمستندة على الحب والمودة والإحسان ونكران الذات والوفاء بهدف الحصول على المكتسبات الخاصة بهم.
إن طريقهم إلى الصعود وتحقيق أهدافهم هو استغلال تلك العلاقات الانسانية والاتكال على الآخرين والتسلق على أكتافهم ليحققوا ما يسعون إلى الحصول عليه لذلك فهم يجدون في الصداقة الأرضية الخصبة لنشاطهم فهم يتوددون ويتملقون ويتقربون إلى الآخرين وبالأخص ذوي النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهم أذكياء في سلوكهم وفِي تغيير جلدتهم ومستعدون للتخلي عن مبادئهم من أجل مصالحهم الشخصية. إن كل ما يفكرون فيه هو ما ينالونه من مكاسب وهم مستعدون للتفريط بالمصالح العامة والإضرار بالآخرين وإيذائهم من أجل مصلحتهم الشخصية. ولكونهم ليس لديهم الكثير ليقدموه ومتخلفين وفاشلين لا يتمكنون من نيل ما يبتغون فاتبعوا وتمسكوا بنجاح الآخرين.
إنهم يمثلون أخطر فئة على البشرية فهم متلونون كالحرباء وتواري سلوكهم وراء النفاق والنعومة الزائفة في التعامل يزيد من خطرهم. فهم بارعون في التلون وتغيير جلدتهم ولهم وجوه عديدة.
ومن ميزاتهم أنهم لا يسيرون على وتيرة واحدة وليس لهم لون واحد فهذه هي سلوكياتهم، التي تثير الاشمئزاز.
إنهم مستعدون للتنازل عن أغلى شيء: وطنهم وعرضهم ومقدساتهم من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية كما فعل سياسيو العراق، بعد الاحتلال، الذين باعوا كل شيء من أجل البقاء في السلطة، وضحوا بأهدافنا الاستراتيجية وطموحات شعبنا من أجل تحقيق أهدافهم المرحلية المؤقتة والشخصية.
ان خطورة الانتهازيين تزداد عندما يتغلغلون في أوساط الأحزاب السياسية الثورية ويتسلقون مناصب قيادية فيها.
إن المثقف الانتهازي، كونه إنساناً ذكياً ويتمتع بمرونة كبيرة، غير مبدئي وبرغماتي ولاعب ماهر ويستخدم قلمه لتدمير النسيج العقائدي لهذه الأحزاب كونه لاعباً يجيد الأدوار ويكرس إمكاناته كلها لمنافعه الشخصية، وهو يجيد تزييف الحقائق وتشويهها ولديه القدرة على تزييف الواقع برمته مقابل مصالحه الشخصية او غيرها.
كما يوجد اليوم الكثير من الصحفيين والمثقفين وأنصاف المثقفين والإعلاميين، الذين لا يمتلكون هوية فكرية وسياسية واضحة المعالم بحيث تشكل دليلاً فكرياً وفلسفياً لهم، فتكون مواقفهم في هذه الحالة قريبة إلى الموقف الانتهازي، بمعنى أنهم يعلنون أنهم قوميون عرب عندما يلتقون مع التيار القومي ويعلنون أنهم يساريون عندما يجتمعون مع القوى اليسارية وهكذا.
إن هؤلاء يمثلون الأكثرية في العراق لذلك تجد المجاملات والتملق والمديح والتزلف وغيرها سائدة على تصرفاتهم وكتاباتهم، من أجل تمشية مصالحهم الشخصية وتحقيقها، فمنذ العام 2003، أصبحت الانتهازية في العراق ظاهرة مخيفة وخطرة تمارسها أكثرية القوى السياسية والأحزاب والافراد، وطغى الجانب المادي على العلاقات الاجتماعية على حساب الجانب المعنوي والروحي وبدأ المجتمع يفقد خصائصه المبدئية والأخلاقية شيئأ فشيئأً وذلك بسبب ما خلفه الاحتلال من خراب ودمار مادي والاخطر منه خراب الانسان وتشويه أخلاقه ومعتقداته وصولا الى بناء مجتمع انتهازي وصولي يتنازل عن وطنه من أجل الحصول على لقمة العيش أو الحصول على منفعة شخصية.
فالانتهازية وكثرة الانتهازيين تشكل خطراً جسيماً على العراق ومستقبله، وعلينا أن نحافظ على ما تبقى من أشياء نقية وجميلة في دواخلنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى