التجارة بالأديان

منذ ان ظهرت الأديان والمعتقدات والطوائف والشلل والملل، كان من يستغل ذلك كغطاء ليرتزق منه، وفي كل المراحل التي مرت بها البشرية، يوجد من يستغلون الدين او الطائفة لتحقيق مصالحهم الذاتية، وبالأخص المؤسسات الدينية ورجال الدين المعممين الذين يدعون الاسلام وبنفس الوقت يتاجرون به، وهم بعيدون كل البعد عن الدين.

من المعروف ان في الإسلام لا يوجد شيء اسمه عالم دين وانما عالم الدين عبارة عن وظيفة تم خلقها من اجل الارتزاق حيث تم استغلال هذه الوظيفة من اجل تحقيق مصالحهم وعلى حساب البسطاء والجهلة من أبناء الشعب، فالجهل والتخلف والامية، يمثلون الوعاء الذي يعتمدون عليه علماء الدين في تمرير بضاعتهم الفاسدة من اجل جني الأرباح والأموال التي يسرقونها من قوت هؤلاء البسطاء والجهلة.

يقول أبن رشد “تجارة الأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، واذا اردت ان تتحكم بجاهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف ديني” فعلماء الدين يسعون الى إشاعة التخلف والجهل بحيث هؤلاء الجهلة يضعون رجل الدين بمنزلة تأتي بعد الله سبحانه وتعالى ويطيعونهم أطاعة عمياء بعد ان غسلوا ادمغتهم من خلال منابرهم التي اعدت لهذا الغرض.

واذا عدنا الى العصور الوسطى والتي سميت بعصور الظلام أي الفترة التي سيطرت فيها الديانة المسيحية والفكر الكنسي على أوروبا ولسنين طويلة.. وتمكنت الأفكار الكنسية ان تصادر حق التفكير العقلاني المستقل فالكنيسة في هذه الفترة لعبت دوراً في الهيمنة على مقدرات المجتمع المادية والروحية ولعبت دور الاقطاع، وعمقت من الصراع الطبقي وزادت من المعاناة الإنسانية بكل اوجهها من حرمان وجوع ومرض ووقفت ضد التطور العلمي وبناء عليه أصبحت أوروبا تنظر الى الدين اي دين هو مشابه تماماً للكنيسة ودورها. وأصبحت أوروبا موقفها من كل تفكير ديني انه لاعقلاني لا تقدمي لا واقعي كون الدين ينطلق من مسلمات ثابتة ونصوص جاهزة وعلى هذا الأساس سيشكل حاجزاً وعائقاً للتقدم وغير قادر على التطور والتجديد باعتبار ان التجديد حتمي ومستمر لا حدود له. فالغرب يعتقد ومؤمن ان لا يوجد فكراً دينياً وتقدمياً في آن واحد فهما امران متناقضان، فالدين بالنسبة لهم ثابت والواقع متغير ويعتبرون ان الدين يتناقض ويتخلف عن العلم ان لم يكن اليوم فغداً. طالما العلم يتقدم باستمرار والدين لا يتحرك باستمرار. ومن هنا برزت فكرة تبني فصل الدين عن السياسة.

ولهذه الأسباب جاءت الحداثة الأوروبية متمردة على الدين وقطعت الصلة به وبكل ما يتعلق به فالحداثة عند الغرب أحدثت قطيعة مع الماضي ومع الموروث الديني والثقافي بالكامل والبحث عن اشكال جديدة من تجديد الفكر وتحديث الحياة بما يحقق التقدم للجميع.

ففي بداية القرن السابع عشر الميلادي وضع نيوتن نظريته في الفيزياء الحركية، واثبت بذلك بان العالم يمكن فهمه دون الرجوع الى الدين، علماً إن نيوتن كان يؤمن بالله هو الذي خلق الكون وانه هو الذي خلق هذه القوانين، الا ان فهمها وادراكها ودراستها يمكن ان يتطور دون العودة الى الانجيل. وعلى هذا الأساس قام العلماء بدارسة مجالات أخرى بمنأى عن الدين في الاقتصاد والسياسة والأخلاق وغيرها، واستندوا بذلك على العقلانية والمنطق في تفسيرهم للظواهر من حولنا.

ومن وجهة نظرنا ان صرخة مارتن لوثر على النظام الكنائسي وطروحاته الإصلاحية ونقده لتصرفات الكنيسة وبالأخص وقوفه ضد صكوك الغفران هي بداية الثورة الإصلاحية في أوروبا وهي بداية الحداثة.. ففي القرن الثامن عشر شنّ فلاسفة التنوير حرباً قاسية ضد الدين المسيحي على وجه الخصوص، اذ رأوا فيه عقبة تحول دون التقدم الإنساني نحو آفاق الحرية والعقل وشمل النقد الفكري او المعرفي الذي تم توجهه الى الدين وكذلك النقد الأخلاقي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية. كما رأى التنويريون في الكنيسة مؤسسة رجعية متحالفة مع الملكيات المهيمنة ومؤيدة بقوة للنظام الاقطاعي، وهي مؤسسة تستخدم الدين في توطيد سلطة رجال اللاهوت في المجتمع. وتعمل على إرهاب العلماء والمفكرين الاحرار وتناصب حرية الفكر العداء. كما تقيد رعاياها بالفكر الغيبي الخرافي وتعطيهم املاً في حياة أفضل في الاخرة، وهذا ما يلهيهم عن تغير ظروف حياتهم نحو الاحسن. وبالنسبة للتنويريين ان الدين يقوم على الجهل ويغذي بدوره الجهل أنه يحول دون التفكير العقلاني الحر ويعادي العلم والمنهج العلمي في التفكير.

أن أوروبا تشكل مركز التفكير العقلاني فالغرب العقلاني والشرق يمثل مركز التفكير الديني يعتمد على الايمان بالله ورسله فان منطق الفلاسفة العقلانيين ينطلقون من الانسان ويعودن اليه، اما الشرق فأفكاره سماوية وتمثل النبع الذي يستقى منه العقل.

ومما تقدم يتضح لنا ان العقلانية الأوروبية قد اتخذت موقفا متطرفا اتجاه الدين بشكل عام والديانة المسيحية بشكل خاص دون ان تميز بين الدين والمؤسسات الدينية التي تستغل الدين كغطاء لتمرير مآربها في الهيمنة على المجتمع والتصرف بكل مقدراته المادية وغير المادية.. وهذا ما حدث في دور الكنيسة في أوروبا والتي لعبت دور الاقطاع وعمقت من الصراع الطبقي وإشاعة البؤس على مجتمعاتها.

ان الديانة اليهودية والمسيحية وآخرها الإسلام يمثلون المخزون الحضاري والمعرفي لتطور البشرية وكل ديانة في مكانها وزمانها تمثل قمة الحداثة في مرحلتها، ولن نجد في الديانات السماوية ما يحد من التصرف العقلاني بل على العكس ان الإسلام قد حرر العقل من جموده وأطلق له العنان وحرره مما جعله ان يكون مبدعاً ومجدداً ومتطوراً في كل زمان ومكان.. ولكن الذي حرف الإسلام الحقيقي المعتدل وابعده عن جوهره هي المؤسسات الدينية ورجالات الدين المتخلفون الذين استغلوا الدين من اجل تحقيق مصالح خاصة سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها..

ولكن بنفس الوقت نجد التشابه الكبير بين دور الكنيسة في أوروبا قبل اكثرمن خمسمائة عام وبين الواقع الذي نعيشه في الشرق وبالأخص بالأمةالعربية وعلى وجه الخصوص في العراق. لقد فرضت الكنيسة صكوك الغفران على رعاياها وفرضت المؤسسة الدينية ما يسمى (بالخمس) على اتباعها وتذهب هذه الإيرادات لصالح الأشخاص والمؤسسات الدينية المعنية دون استفادة الرعايا منها، أو ليس المؤسسات الدينية اليوم في العراق والمنطقة تلعب دور الكنيسة قبل خمسمائة عام، او ليس المؤسسات الدينية عندنا اليوم يشكلون عقبة تحول دون التقدم الإنساني العلمي والعلماء ويبتعدون عن العقلانية والمنطق في تفسير الأمور..

ان ما يشل ويعطل عمل الدولة والمؤسسات في العراق هي المؤسسات الدينية ورجال الدين والمنظمات وأحزاب الإسلام السياسي المناهضة للدستور والعدالة والحقوق.. وما انفك الصراع حاداً بين القوى التي تتبنى قيام الدولة المدنية دولة دستورية وتعمل على الفصل بين السلطات الثلاثة السلطة التنفيذية والتشريعية والقضاء المستقل وبين الأحزاب الدينية اليمينية الرجعية المتخلفة التي ترفض الحداثة والتجديد والتطوير والتقدم على غرار نظرية ولاية الفقيه التي تستهدف بناء دولة ثيوقراط الدولة الإلهية او دولة العدل الإلهي التي لا تؤمن بالقانون الدولي وحقوق الانسان..


إذا الصراع سيستمر بين الحداثة والتجديد وبين قوى التخلف والخرافات والشعوذة والدجل والكذب والتي انتهت لتأسيس ظاهرة الإرهاب والعنف والحروب.

ان اما يجري اليوم في العراق من مآسي وتدمير شامل لجميع عناصر الحياة، من خلال ما قامت به الأحزاب الإسلامية العميلة التي توجهها جهات أجنبية، كحزب الدعوة العميل المرتبط مباشرة بايران، وحزب الاخوان المسلمين الذي انشأته بريطانيا، من دوراً خبيثاً في تدمير العراق وبقية الدول العربية، من خلال إشاعة الجهل والتخلف والفساد بكل أنواعه، وعملت على أعاقة التنمية في العراق من خلال تدمير التعليم ونشر الامية والصحة واعاقة تقديم الخدمات الضرورية ليحاة الانسان، والامعان في افقاره ونشر الجهل والتخلف، واستخدام العنف والإرهاب من اجل تشويه سمعة الإسلام الحقيقي المعتدل وربط اسمه بالإرهاب.

ان أحزاب الإسلام السياسي (حزب الدعوة العميل والحزب الإسلامي) وخلال سنوات حكمهم، استغلوا الدين أبشع استغلال وتمكنوا من نشر الفساد المالي والإداري وحتى الأخلاقي بدرجة لا يصدقها العقل وهم يعبثون بالأرض فساداً، مستخدمين رجال الدين المشعوذين والنصابين والكذابين ومزوري الحقائق، مستغلين تأثيرهم على البسطاء والسذج من الناس والذين يطيعونهم أطاعة عمياء.

ويقيناً لن يمر على البشرية منذ نشوئها والى يومنا هذا فترة تم فيها استغلال الدين بشكل بشع ومدمر لبلد كامل وسرقة أمواله وآثاره وحضارته وعاداته وتقاليده وتشويه سمعته كما يحدث اليوم في العراق، وممارسة الشعائر والمناسبات الدينية، بطريقة فيها مغالاة ما بعدها مغالاة وفيها من التطرف ما بعده تطرف، بحيث يتم تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، وفيها إهانة لكرامة العراقيين، وفيها استخفاف كبير لذكرى استشهاد سيدنا الحسين وتشويه ذكراه، ان هذه الممارسات التي يؤديها نفر من أبناء شعبنا هي دخيله على ديننا الإسلامي وعلى عاداتنا وتقاليدنا، فهي موجهه ومدعومة من قبل أعداء العرب والمسلمين، وايران الملالي على وجه الخصوص.

ومن بديهيات القول (ان كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده)، وان أي شيء يتصف بالمغالات والمبالغة فيها فأن هذا الشيء مقبل على نهايته! فعلينا ان نتجنب هذه الممارسات الشاذة والمهينة وان نستخدم العقل والمنطق في تصرفاتنا كي نحافظ على بلدنا وعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها من اجدادنا العظام، وان لا ننجر وراء مثل هذه الخرافات والفعاليات المشينة والمستوردة من خارج حدودنا، حتى لا يتم الإساءة الى العروبة والإسلام. وهذا ما يريده اعداؤنا من النيل من تاريخينا وحضاراتنا واعاقة تطورنا وبكل الوسائل المتاحة لديهم حتى نبقى متخلفين وتابعين لهم!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى