التمرد المسلح لمجموعة فاغنر..تحدي كبير لسلطة بوتين

صباح نوري العجيلي

مجموعة فاغنر، شركة روسية خاصة شبه عسكرية تقدم الخدمات العسكرية والحراسات الخاصة من خلال عقود تجارية في دول افريقية وفي امريكا اللاتينية وتشارك في الصراعات الدائرة بالسودان وليبيا وسوريا واكتسبت شهرة وشعبية في روسيا منذ حرب جزيرة القرم 2014 ، تديرها الاستخبارات الروسية، ولمالكها (يفغيني بريغوجين) علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي بوتين ، أستوعبت فاغنر السجناء والمجرمين والمرتزقة ومن جنسيات مختلفة في قتالها في اوكرانيا مقابل اغراءات مادية واعفاءات قانونية .
فاغنر شركة سيئة السمعة متورطة في انتهاكات حقوق الانسان و توازي شركة بلاك ووتر الامريكية ذو السجل الاجرامي وارتكاب الفضائح بخاصة في العراق بعد 2003.
شهدت الفترة الأخيرة توتراً واضحاً بالعلاقة بين مدير فاغنر ووزارة الدفاع الروسية حيث وجه بريغوجين انتقادات لاذعة الى الوزير ورئيس الأركان وأتهمها بالخيانة.
استمر الوضع بين الشركة ووزارة الدفاع الروسية متوتراً ولم يتدخل الرئيس بوتين لحسم الخلاف وإنهاء الأزمة وبالنهاية أعلن مدير فاغنر بريغوجين التمرد والسيطرة على مقاطعة روستوف جنوبي البلاد والاستيلاء على منشئات عسكرية بينها مقر القيادة الجنوبية الروسية التي تقود الحرب في اوكرانيا والمطار العسكري الذي يقدم الاسناد الجوي للقوات في مسرح العمليات وبذات الوقت تحركت قافلة عجلات تضم 5000 مسلح صوب العاصمة موسكو أطلق عليها تسمية مسيرة العدالة.
وصف الرئيس الروسي تحرك مجموعة فاغنر: ( بالتمرد المسلح الذي سيتم الرد عليه بشكل قاس وان مايحدث خيانة داخلية وطعنة في الظهر وان الذين نظموا التمرد المسلح ورفعوا السلاح ضد الرفاق في القتال خانوا روسيا وسيتحملون مسؤولية ذلك ) . وتم تفعيل نظام مكافحة الارهاب في موسكو وعدد من المقاطعات.
أما أنقلاب الميليشيات على السلطة والدولة ، فهو أمر متوقع في كل زمان ومكان، كونها عناصرغير منضبطة وتصرفاتها خارج القانون والنظام ويتصرف عناصرها فوق السلطة ، ولائها لجهات سياسية وحزبية وعلى حساب الولاء للوطن والشعب، وتسعى وراء المال والنفوذ والايديولوجيا.

بنود الصفقة
مع اقتراب قافلة المسلحين ب200 كم عن العاصمة موسكو والتي شهدت تشديد بالاجراءات الأمنية و الحمايوية على مقترباتها وقطعت طرق التنقل ، أعلنت الرئاسة البيلاروسية عن عقد صفقة بين الكرملين وفاغنر لإنهاء الأزمة وحظي تحرك الرئيس البيلاروسي (الكسندر لوكاشينكو ) بموافقة الرئيس الروسي مسبقاً ، تضمنت الصفقة المعلنة البنود الأتية:
– عودة قوات فاغنر الى معسكراتها الميدانية، وبالفعل غادرت القوات واسلحتها الثقيلة مقر القيادة الروسية والمطار في مدينة روستوف جنوب روسيا
– عودة قافلة المسلحين المتوجهة نحو العاصمة موسكو الى معسكراتها الميدانية
– نفي بريغوجين الى بلاروسيا واسقاط التهم عنه
– اسقاط التهم عن المشاركين بالتمرد من عناصر فاغنر
– توقيع عقود بين عناصر فاغنر غير المشاركين بالتمرد مع وزارة الدفا
إنهاء الأزمة
مثلت حركة التمرد المسلح أكبر تحدي لسلطة الرئيس بوتين وضربت هيبة الدولة التي تشهد موقفا صعبة بسبب الحرب في اوكرانيا ووقوف الولايات المتحدة والناتو الى جانب كييف، وأعتبر بوتين الاضطرابات تهديداً قاتلاً للدولة الروسية. وفي هذا المجال نعتقد ان القيادة الروسية والرئيس بوتين تصرفت بحكمة وسياسة وهدوء عندما قبلت بالتسوية والحل السلمي واستوعبت التمرد في بدايته ولم تلجأ للخيار العسكري والتصدي لقوات فاغنر المتمردة سواء كانت في مقاطعة روستوف او مهاجمة القافلة المتجهة على الطريق نحو العاصمة موسكو، وبرأينا يعود ذلك للعوامل الأتية:
اولا . روسيا في حالة حرب طويلة وشرسة مع اوكرانيا والتي تقف ورائها الولايات المتحدة والغرب الذي يلقي بثقله بهذه الحرب لمنع تحقيق أية نجاحات روسية في الميدان، وذلك من خلال تقديم السلاح والأموال والخبرة والتدريب.
ثانيا. حدوث اية فوضى أو حرب اهلية في الساحة الروسية سوف تصب في صالح اوكرانيا والغرب وينعكس سلباً على موقف القوات الروسية في اوكرانيا وقد تتحول الحرب الى هزيمة قاسية.
ثالثا. أكتسبت فاغنر شعبية وتعاطف شعبي بخاصة بعد سيطرتها على مدينة باخموت ، لذلك من غير المستبعد أنضمام جزء من القوات العسكرية والشعب الروسي الى جانب فاغنر في تمرده ضد الحكومة.
رابعا . وجود المعارضة وخصوم للرئيس الروسي الذين يتحينون الفرصة واستغلال الموقف للتحرك في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة.
خامسا. عدم تفريط الكرملين بمجموعة فاغنر بخاصة المتواجدة في دول أفريقية منها افريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي وتتولى حماية مناجم الالماس والذهب والمعادن الثمينة وكذلك المتواجدين في ليبيا والسودان وسوريا لضمان حماية المصالح الروسية.

نظرية المؤامرة
نستبعد نظرية المؤامرة والمسرحية المعدة سلفا من قبل الرئيس الروسي التي ذهب اليها بعض المحللين الذين أتهموا الكرملين في تدبير هذا التمرد لكشف الاعداء في الداخل والخارج ، وذلك لكون روسيا تمّر في مرحلة دقيقة من تاريخها الحديث حيث الحرب الطويلة الأمد مع اوكرانيا ووقوف الولايات المتحدة والدول الغربية بكل ثقلها الى جانب اوكرانيا لمنع روسيا من تحقيق أي نصر سياسي وعسكري في الحرب الدائرة، هذا فضلا عن تأثيرات العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على روسيا وظروف الهجوم الاوكراني المضاد والذي قدم الغرب المستلزمات الضرورية لنجاحه من سلاح ودبابات وصواريخ وذخائر .
ان الذي حدث هو تمرد مسلح حقيقي ويمثل اكبر تحدي يهدد سلطة الرئيس الروسي وأصاب هيبة الدولة في مقتل، خلال هذه المرحلة الحاسمة والتي تشهد روسيا حرباً مع اوكرانيا والغرب.
بعد هذه الازمة والتمرد المسلح يبقى مصير شركة فاغنر و مديرها ووجودها في اوكرانيا مجهولاً ، لاسيما وان لها أنتشار ومصالح في دول خارجية في افريقيا والشرق الاوسط ، وبعد ان تعاقدت وزارة الدفاع الروسية مع 20 شركة خاصة وأستبعدت مجموعة فاغنر. نعتقد سيكون لهذه الأزمة غير المسبوقة تداعيات لن تتاخر في الظهور على الساحة الروسية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى