الحرب السرية بين ايران وإسرائيل

صباح نوري العجيلي

تتصاعد التهديدات الإسرائيلية بالوقت الراهن والتي تتوعد باستخدام الاذرع الطويلة لتوجيه ضربات جوية وصاروخية لمنشئات البرنامج النووي الإيراني، كونه يشكل تهديداً رئيسياً للأمن القومي حسب التقديرات الإسرائيلية، وتعكس التحركات الرسمية الإسرائيلية معارضة تل أبيب للاتفاق حول احياء البرنامج النووي الذي ابرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق (دونالد ترمب) في عام 2018 .

وقوبلت محاولات إعادة احياء الاتفاق النووي الاوربية الامريكية بتحركات سياسية وعسكرية إسرائيلية مكثفة، وتمارس الحكومة الضغوط على الإدارة الامريكية والدول الاوربية البارزة المانيا وبريطانيا وفرنسا، وزودت اسرائيل تلك الدول بمعلومات سرية وخاصة عن النشاطات النووية الإيرانية.

نفذت رئاسة الأركان الاسرائيلية مناورات تحاكي الضربات المحتملة للمفاعلات النووية الإيرانية وأجرى سلاح الجو تدريبات حاكت تنفيذ هجمات جوية على اهداف بالعمق الايراني وخلال التدريب هاجمت الطائرات الإسرائيلية أهدافاً بمدى 1100 كيلومتر باستخدام الطائرات الامريكية F15,F35 ،كما جرى التدريب على عمليات الانقاذ والاخلاء للطيارين الذين قد تسقط طائراتهم خارج الحدود .

ولا تخلو التحركات الاسرائيلية من ابتزاز للجانب الأمريكي للحصول على المزيد من الطائرات والاسلحة والتقنيات الحديثة الخاصة بالقبة الحديدية تحت غطاء التصدي لبرامج طهران ، علماً أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تعتمد بالأساس على الضربة الوقائية او الاستباقية لمنع ضربات أو هجمات معادية محتملة الوقوع، وكذلك نقل المعركة الى ارض العدو بخاصة في حال غياب العمق الإقليمي لكيان الاحتلال. ومن وجهة النظر الإسرائيلية ، تشكل طهران النووية مصدر التهديد الأكبر للأمن القومي الاسرائيلي .

دخلت الحرب السرّية بين إيران وإسرائيل عام 2010 منعطفاً خطيراً باستخدام فيروس “ستاكس نت” الذي تسبب حينها في أعطال بأجهزة التخصيب النووي الإيرانية، إلى جانب عمليات الاغتيال التي طالت عددا من علماء الذرة الإيرانيين خلال العقدین الماضیین.

ويستمر الصراع بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي والى يومنا هذا، ويشهد تراجعاً من حين لآخر، لكن اغتيال العالم النووي الإيراني (محسن فخري زاده) عام 2020، والذي كان على قائمة أهداف الموساد لسنوات طويلة، باستخدام مدفع رشاش يتم التحكم به عن بعد ، صعّد من التوتر المتواصل بينهما على مدى أكثر من اربعة عقود.

الحرب السرية

الوقائع تشير الى وجود حرب سرية بين إسرائيل وايران منذ سنوات وغير معلنة، تقع احداثها في الساحة الإيرانية والأرض المحتلة وعلى الساحة اللبنانية والسورية والعراقية التي تتحكم فيها طهران ، وأبرز احداث ووقائع تلك الحرب :

*الحرب السيبرانية: حيث تقوم الفرق الفنية الاختصاصية لكلا الطرفيين بتنفيذ هجمات سيبرانية لغرض تعطيل المنشئات والبنى التحتية والمؤسسات الالكترونية العسكرية والمدنية للطرف الأخر.

* اغتيال العلماء والعاملين في الأنشطة والمؤسسات النووية الإيرانية، وكذلك تصفية كبار ضباط الحرس الثوري الايراني. فيما أحبطت محاولات إيرانية لاغتيال مسؤولين وسواح إسرائيليين خارج حدود الدولتين.

* الحرب المخابراتية : قيام الموساد الاسرائيلي بتجنيد عملاء داخل ايران لتنفيذ عمليات تجسس و احداث تخريبات وحرائق في المنشئات الحيوية والمفاعلات النووية ومراكز أجهزة الطرد المركزي. واعلن جهاز مخابرات الحرس الإيراني عن اعتقال افراد شبكة تديرها إسرائيل كانت تهدف الى تخريب منشأة فودرو النووية قرب العاصمة طهران ، فيما قالت السلطات الأمنية الإيرانية انها فككت شبكة تجسس تابعة لإسرائيل بمحافظة أذربيجان كانت تحاول القيام بعمليات تخريبية داخل ايران.

* استهداف الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية ، للمطارات السورية وشحنات الأسلحة والصواريخ الإيرانية المرسلة الى حزب الله، وكذلك قصف مستودعات الأسلحة والصواريخ والذخائر والقوافل العسكرية و مواقع تمركز وكلاء ايران في الساحة السورية واللبنانية (حزب الله والمليشيات العراقية والافغانية والباكستانية ) . ويشكل النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان أحد التهديدات الأمنية لإسرائيل .

*تدفع طهران الطائرات المسيّرة الإيرانية الى الأراضي المحتلة عبر لبنان وسوريا لغرض الاستطلاع ورصد المنطقة الحدودية . كما زودت طهران وكلائها بخاصة حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية عابرة الحدود بالصواريخ والمسيّرات، والتي تكون جاهزة للطلب الإيراني او الاستخدام بالوكالة.

الحرب السيبرانية – حرب العقول

الحرب السيبرانية: هي الإجراءات الالكترونية التي تتخذها الدول من اجل الهجوم على نظم المعلومات للعدو بهدف تعطيلها والاضرار بها، وبذات الوقت الدفاع عن نظم المعلومات الخاصة بها، أي تتضمن اجراءات هجومية ودفاعية.

وتتميز الحرب السيبرانية عن الحرب التقليدية التي تنطوي على استخدام الجيوش النظامية والأسلحة التقليدية ويسبقها اعلان لحالة الحرب. بينما الهجمات الالكترونية غير محددة المجال وغامضة الأهداف كونها تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات العابرة للحدود عبر الفضاء . والأسلحة الالكترونية متطورة وتلائم طبيعة السباق الالكتروني لعصر المعلومات.

الاحداث تشير الى وجود حرب وهجمات سيبرانية متبادلة ومحتدمة بين ايران واسرائيل ، يستهدف كل طرف، الأخر عبر مهاجمة وتعطيل أنظمة معلومات الحواسيب و البنية التحتية وشبكات الكمبيوتر التي تستخدم في المنشئات الاقتصادية والعلمية والعسكرية والنووية والاهداف المدنية كمؤسسات المياه والكهرباء والوقود والحسابات البنكية.

الحرب السيبرانية الإسرائيلية ضد ايران

استهدفت اسرائيل المنشآت النووية الإيرانية بما في ذلك محطة بوشهر النووية عام 2010بواسطة “برمجيات Stuxnet الخبيثة” التي صنعتها الحكومتان الأميركية والإسرائيلية. و التي أطلق عليها اسم “الألعاب الأولمبية”.

وأدى هجوم إلكتروني إسرائيلي أخر عام 2011، إلى قطع الخادم الرئيسي لوزارة النفط الإيرانية وشركاتها الأربع الرئيسية، واعترفت الوزارة حينها بوقوع الهجوم قائلة: إنه كان يهدف إلى “سرقة معلومات وتدميرها”.

وفي عام 2016، أدت الحرائق المريبة التي طالت صناعة البتروكيماويات الإيرانية إلى زيادة الشكوك حول تعرضها لهجمات إلكترونية معادية. وفي تموز من نفس العام ، اشتعلت النيران في مجمع البتروكيماويات بميناء معشور على الخليج العربي في جنوب الأحواز. وكان الحريق الذي طال منشآت (بيستون) هو التاسع الذي شمل صناعة البتروكيماويات الإيرانية في ذلك العام.

وخلال شباط/ فبراير 2020 ، تعرضت شبكة الإنترنت في إيران لهجمات سيبرانية كثيفة تقف وراءها اسرائيل شلّت نحو 25 % من نشاطها. واعترفت إيران في أيلول/ سبتمبر من نفس العام، بحدوث “هجوم إلكتروني واسع النطاق” على منظمتين حكوميتين

وتسبب انفجاران في منشأة نطنز النووية في أصفهان وسط البلاد، أحدهما في نيسان والأخر في تموز 2020، بإلحاق أضرار جسيمة بأهم منشأة تخصيب اليورانيوم في البلاد عبر الهجوم السيبراني. كما نُسبت تسربات الكلور من منشآت (معشور) للبتروكيماويات جنوب الأحواز وحريق في محطة الزرقان للكهرباء في مدينة الأحواز نفس العام إلى عمليات تخريب إلكترونية.

واستمرت الهجمات السيبرانية الإسرائيلية ضد المنشئات النووية الإيرانية وفي نيسان 2021 ، أدى هجوم سيبراني الى توقف العمل في موقع (نطنز) النووي وسط ايران وقد بلغ التدمير بأنه وصل الى 50 مترا تحت الأرض ، حيث تم تدمير معظم المنشأة.

وفي حزيران 2021 تعرض مفاعل بوشهر النووي لهجوم سيبراني ، ما أدى الى توقف طارئ استمر لأيام عدة .

وفي تشرين الأول 2021 توقفت جميع محطات الوقود في كافة أنحاء إيران ، واحتاجت الى 12 يوم عمل لإعادتها الى طبيعتها، وأشارت أصابع الاتهام إلى تل أبيب فورا، وايضا نسب هذا الهجوم لإسرائيل من قبل مسؤولي دفاع اميركيين.

وتعرضت أنظمة صناعة الصلب الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري وقوات البسيج لهجوم الكتروني في حزيران 2022 ردا على هجوم إيراني على أنظمة الإنذار العامة في إسرائيل

الهجمات السيبرانية الإيرانية على اسرائيل

الإيرانيون لديهم الخبرات والكوادر ايضاً ولم يقفوا مكتوفي الأيدي، وهوجمت مئات المواقع الإسرائيلية على الإنترنت على يد قراصنة إيرانيين من أجل خلق حالة من الارباك في شبكة المعلومات.

ويقول الخبراء الإيرانيون ان ما يجري في الآونة الأخيرة بين ايران وإسرائيل هو حرب عقول لا تقل أهمية وشراسة عن الحروب التقليدية . وان ايران أصبحت لاعبا رئيسيا في فضاء السايبر.

ووفقا لتقديرات إسرائيلية فقد نفذ القراصنة الإيرانيون3 آلاف هجمة إلكترونية ضد أهداف إسرائيلية، لأجل قرصنة معلومات حساسة والتشويش على منظومة عمل المؤسسات الإسرائيلية المستهدفة، و تعطيل شبكة الإنترنت الإسرائيلية.

واستهدفت الهجمات الإلكترونية المتواصلة منشآت المياه والبنوك التجارية والمستشفيات الإسرائيلية، كما تمكن قراصنة إيرانيون من اختراق حسابات مسؤولين في الجيش وأجهزة الأمن وحتى بعض المسؤولين السياسيين.

كما طالت الهجمات الإيرانية حواسيب وخوادم وزارات حكومية، وكذلك شبكات مياه الصرف الصحي، وشركات تأمين إسرائيلية، وأقرت الشركة الإسرائيلية بنجاح القراصنة الإيرانيين في اختراق عناوين البريد الإلكترونية لمسؤولين، بينهم جنرال في الاحتياط بجيش الاحتلال الإسرائيلي، ووزيرة الخارجية السابقة (تسيبي ليفني)، وأنظمة معهد أبحاث أمنية.

ولم يكتف القراصنة الإيرانيون بالسيطرة على هذه الحسابات، بل استخدموها للمراسلات عبر إرسال رسائل مكتوبة بأسماء أصحاب هذه الحسابات من دون علمهم ومن دون أن يكتشفوا حقيقة الاختراق وطالت الهجمات شخصيات أمنية بارزة، حيث نجح القراصنة في اختراق هاتف زوجة رئيس الموساد (ديفيد بارنيع)، وهاتف وحاسوب رقمي لوزير الدفاع (بيني غانتس).

وتشير المصادر الى ان اكبر هجوم سيبراني تعرض له الكيان الإسرائيلي كان في 14مارس 2022 ، وانه قد يكون رداً إيرانياً على هجمات سيبرانية سابقة ، وان العطل أصاب عددا من المواقع الالكترونية الرسمية الإسرائيلية، وانه كان أعنف هجوم الكتروني على الاطلاق ضد إسرائيل و تقول التقارير إسرائيلية (ان مجموعة محسوبة على الحرس الثوري الإيراني أعلنت تبنيها هذا الهجوم الكبير).

وقد كشفت شركة “تشيك بوينت” (Check Point) الإسرائيلية والتي تطور برامج إلكترونية لحماية المعلومات؛ النقابَ عن تمكن مجموعة قراصنة إنترنت إيرانيين تعرف باسم “الفوسفور” (Phosphorus)، من اختراق البريد الإلكتروني لمسؤولين إسرائيليين سابقين.

وذكرت مواقع إسرائيلية في حزيران 2022 ان مواقع إسرائيلية عدة بضمنها موقع سلطة المطارات وموقع القناة التاسعة الإسرائيلية وموقع سلطة البث العامة ، قد استهدفت بهجمات سايبر نفذتها مجموعة إيرانية تدعى (التاريا تيم ) ومقرها في العراق ، وقالت ان الهجوم كان رداً على اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني .

وتأتي الحرب “السيبرانية” بين تل أبيب وطهران والتي باتت تسمى في الجيش الإسرائيلي “المعركة بين الحروب”، في سياق الصراع بينهما على المشروع النووي الإيراني، إذ تحولت الحرب الإلكترونية إلى بديل من المواجهة المباشرة واستخدام السلاح التقليدي في الحرب، وان إسرائيل تبني قبة حديدية الكترونية لرفع مستوى الامن السيبراني من خلال استخدام اليات جديدة ذات معايير الكترونية شأنها تقليل الهجمات الالكترونية وتوفير بيانات كبيرة جدا.

بالخلاصة : ان الحرب السرية بين الكيان الاسرائيلي وايران قائمة ومستمرة بالوقت الراهن في مجال الحرب السيبرانية والحرب المخابراتية واغتيالات الشخصيات المهمة والقصف الجوي باستخدام الطائرات الحربية والمسيّرات لأهداف إيرانية في الساحة السورية واللبنانية بأسبقية اولى والعراقية بأسبقية ثانية.

وان كلا الطرفين يمتلكان إمكانات علمية متطورة وكوادر مدربة في مجال الحرب السيبرانية ومهاجمة وتعطيل الأهداف الالكترونية المعادية، ومن المتوقع ان تحتدم تلك المواجهة أكثر في المستقبل وعلى جبهات متعددة، وذلك بالتوازي مع الصراع السياسي الإسرائيلي ضد الاتفاق النووي بين الغرب وطهران ، فضلا عن محاولات تل أبيب للحد من التموضع العسكري الإيراني وحزب الله في سوريا ولبنان.

ان الهجمات الإلكترونية على المنشآت الإسرائيلية والايرانية المدنية والحيوية ومشاريع البنى التحتية، تشكل تهديداً متبادلا ومباشراً للاقتصاد والحياة العامة للمدنيين، كما أن هناك مخاوف من كلا الطرفين، أنه بحال نشوب حرب ومواجهة مباشرة ، سيحاول الطرف المعادي استهداف الجبهة الداخلية بالهجمات السيبرانية التي تشل وتعطل الحياة المدنية.

وفي ضوء هذا الصراع القريب جغرافياً لابد للدول العربية إعطاء الاهتمام للأمن السيبراني للحفاظ على أمن المعلومات وشبكات الانترنيت من الاختراق المعادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى