هالني كثيرا وانا استمع لصديق بعد عودته من مهمة صحفية استطلاعية في بلد يعتبر في نظر من لايعرفه انه مازال بلدا ناشئا ، الا ان هذا البلد الذي وصفه صديقي بانه ” واعدا ” نظرا للتجربة الاستثنائية التي يخوضها في التحول الى بلد استثماري ، اذ فتحت اذربيجان ابوابها لشركات الاستثمار العالمية فترى الرافعات العملاقة تعمل بلا هوادة مثلما ترى البنايات الشاهقة ذات التصاميم الرائعة تملأ الامكنة كما انك تجد نفسك وسط ضجيج السواح الذين اقبلوا عليها حيث تجاوزت السلطات معوقات منح الفيزا (التاشيرة) وسهلت الوصول اليها طمعا بما في جيوب القادمين من اوراق خضراء !
لست هنا بصدد الدعاية لهذا البلد العريق ذو الموروث التاريخي الكبير ، فما سمعته من صديقي يحتاج للكتابة عنه الكثير .. لكني اريد اليوم ان اسلط الضوء على تجارب لبلدان اخرى كانت تندرج في اطار الدول الضعيفة او المتوسطة الحال والتي لايرقى وضعها الى مستوى الامم المتقدمة وكانت الى سنوات قريبة يطلق عليها بـ ( الدول النامية ) اي الدول شبه المعدمة .

والامثلة على هذه البلدان كثيرة ابرزها ماليزيا وسنغافورة والقريبة منا تركيا ، بل ان دولا اخرى من تلك التي كانت تحت خيمة الاتحاد السوفيتي وتشظت عنه تزحف الان على ركبتيها وعكسيها وتتطلع لاحتلال رقم في قائمة الدول المحترمة ولتخلع عنها ثوب التخلف والفقر..
بينما في بلدنا العراق تجد مسؤولين او برلمانيين لاهم لهم غير النباح لهدم المأذنة الملوية ، ذلك المعلم التاريخي الشاخص الذي كان الى سنوات قريبة قبلة للسواح الاجانب ، او ينعق اخر بضرورة تغيير اسم شارع الرشيد الذي تحول الى مكب للنفايات بصورة متعمدة بعدما كان شارعا تجاريا حيويا يتوسد قلب بغداد ، مثلما تجري استعدادات في الخفاء لهدم ( نصب الشهيد ) تلك السمفونية الفنية الكبيرة التي انجزها الفنان التشكيلي العبقري اسماعيل فتاح الترك رحمه الله ، بحجة تحويله الى مجمع تجاري !
هذه الدعوات وغيرها لاتختلف بالمطلق عما تم تدميره على يد تنظيم داعش من ارث تاريخي كبير كان يضم عشرات الاثار في منطقة الحضر القريبة من الموصل وضريح قبر النبي يونس عليه السلام وكذلك المنارة الحدباء التي اسقطت بضربة مدفعية بأمر من قائد عسكري همام !!

وفي نفس الوقت نرى ان اجهزة السلطة تقف متفرجة ومبتسمة على العشرات من الاضرحة الجديدة المبتدعة لاسماء نساء ورجال ينسبون زورا لرجال من ذلك الزمن العتيد ، بل ان الادهى من ذلك كله ان يتحول جرار زراعي (تراكتور) او عامود كهربائي او خروف (مجهول النسب) الى مزارات للجهلة يتحلق من حولها الرعاع دون اي اعتراض من محافظ او وزير او رئيس .. الفرق ان تلك الدول تستخدم التراكتور لنهضة البلاد وثروته الزراعية .. بينما نحن نستخدمه لبناء اجيال متخلفة طامسة في الجهل !