تقترب الانتفاضة الشعبية العراقية من دخول شهرها الثاني باتساع رقعتها ومديات تأثيرها في المجتمع، مع ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين لتشمل الطبقة السياسية برمتها، وإسقاط النظام السياسي الذي أوصل العراق إلى الحال الذي يتخبط به.
وعبثا يحاول أركان الطبقة السياسية ركوب الموجة الشعبية عبر تأييدهم للمطالب المرفوعة تارة، والتحذير من مندسين يحاولون حرف التظاهرات عن مسارها تارة أخرى، في موقف مفضوح يعكس قلقهم من مسار الحراك واتجاهاته العابرة للطائفة والعرق.
ومهما حاول المستهدفون بالانتفاضة الشعبية من الفاسدين والمتسترين عليه والمطلوبين للقضاء اللجوء إلى خيارات قد تبعدهم عن المساءلة القانونية من خلال حزمة إجراءات لا تلبي مطالب المتظاهرين المشروعة، إلا أن هذا الخيار لم ينقذهم من الاستهداف، ناهيك عن رفض الشارع العراقي الذي انتفض على هؤلاء.
وإزاء هذا المأزق الذي يعيشه العراق المفتوح على جميع الاحتمالات فإن العراق لم يشهد أزمة مثلما يعيشها الآن في ظل حكومة ضعيفة ومنقسمة وغير قادرة على التعاطي مع مطالب مشروعة واجهتها السلطات بالنار، في مؤشر على خوف وقلق اتجاهات التغيير المحتملة.
فالعراق ومنذ احتلاله عام 2003 لم يشهد الاستقرار والانقسام السياسي والطائفي يتعمق بالمجتمع، وتركة الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية عطلت الأداء الحكومي فأصبحت الطائفة والحزب مظلة يحتمي بظلالها أصحاب المصالح الخاصة المرتبطون بمراكز النفوذ السياسي.
وإذا قربنا صورة الأوضاع التي يعيشها العراق بظل مسار الانتفاضة الشعبية فإننا نتوقف عند ارتفاع وتيرتها ورقعتها وامتدادها إلى محافظات الجنوب التي كانت بيئة لرموز الطبقة السياسية راهنوا عليها في الانتخابات التي أوصلتهم إلى السلطة، غير أن الذي يجري حاليا أن هذه البيئة انقلبت عليهم ورفضتهم جراء فشلها في تلبية حقوقهم المشروعة وهدر ثروات العراق.
ولم يقتصر الأمر على هذا التحول في المشهد السياسي، وإنما تعداه إلى الأحزاب الطائفية وميليشياتها التي استهدفها المنتفضون، في تحول كبير يؤشر على اتجاهات مسار التغيير المنتظر.
إن الخيار الأمني في مواجهة المتظاهرين السلميين لن يجدي نفعا؛ لأنهم مصرون على اقتلاع الأسس التي قامت عليها العملية السياسية ونظامها السياسي، وإسقاط الدستور ورفض الإملاءات الخارجية في تقرير مصير العراق.
وإزاء هذه التحديات التي تواجه العراق فإن مسار الأحداث يتجه إلى خيار واحد هو تشكيل حكومة إنقاذ أو طوارئ، وإجراء انتخابات مبكرة وقانون انتخابات غير طائفي، وجلب سراق المال العام وداعميهم من الطبقة السياسية إلى القضاء، ومنع مشاركة رموز الطبقة السياسية في الانتخابات، وحصر السلاح بيد الدولة ومنع عسكرة المجتمع.. وهذا الخيار هو أقصر الطرق لتفادي مخاطر اتساع رقعة الانتفاضة الشعبية، فرئيس الوزراء عادل عبد المهدي لم يحسم موقفه إزاء هذا الخيار الذي يعتقده البعض أنه أقصر الحلول لتفادي الدخول بالفوضى والمجهول.
والسؤال: هل باستطاعة عبد المهدي أن يمرر حكومة الإنقاذ من البرلمان الذي يشهد هو الآخر انقساما، خصوصا وأن المعارضين لهذا الخيار يخشون من الصفحة التالية لهذا الخيار.
الجواب يكمن في أن حلفاء عبد المهدي، لا سيما المالكي والعامري والحشد الشعبي سيعطلون هذا الخيار؛ لأنهم يدركون أن نهايته ستصل إليهم، وتضعهم في دائرة المساءلة القانونية
751