أحيانا أجد في نفسي ميلا قويا لأن أنظر إلى تفسيرات قديمة ومتوارثة لبعض آيات القران الكريم، وأسمح لنفسي أن أدخل في معترك لم أمتلك من أدواته الكثير إلا بما حصلت عليه من معرفة شخصية غير منهجية، ولكن يشفع لي في ذلك الدخول أنني لم أتناول إلا بعض النصوص التي تقبل شمولا في معانيها أوسع مما جاء به المفسرون السابقون ومن سار على نهجهم من المتأخرين، واليوم أحصر اهتمامي في نص واحد معتذرا للسادة الأجلاء الذين بذلوا الغالي والنفيس في ملاحقة النص القرآني المقدس ومتابعة أسباب النزول والعودة إلى صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فأخذوا منهم مقاصد الشارع المقدس، من الذين أعطوا آرائهم في تفسير معاني القرآن الكريم وإن كان المفسرون قد اختلفوا في مواضع كثيرة في تفسير هذا النص أو ذاك، وليسمح لي أولئك الكرام ممن رحلوا أو ممن ما زالوا على قيد الحياة أن أزج نفسي في اختصاص باتت له قواعده وأدواته وشروط من يدخل دوحته الوارفة الظلال، اليوم أذهب إلى نص ورد في سورة التوبة فيقول الله تعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ “34” صدق الله العظيم)
وقطعا فإن المقصود بالأحبار اليهود وأما الرهبان فهم النصارى، قال أبو جعفر: (يقول تعالى، يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا بوحدانية ربهم, إن كثيرًا من العلماء والقُرَّاء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى، “ليأكلون أموال الناس بالباطل”، يقول بمعنى يأخذون الرشى في أحكامهم, ويحرّفون كتاب الله, ويكتبون بأيديهم كتبًا ثم يقولون “هذه من عند الله”, ويأخذون بها ثمنًا قليلا من سِفلتهم).

ولكن هل اقتصر الأمر على الأحبار والرهبان فقط في أكل أموال الناس بالباطل أم أنه صار أوسع من ذلك الحصر وصار كل من يأخذ أموال الناس بالباطل مستغلا الدين في ذلك؟ وما الحكم في من سلك سلوك أولئك الذين انحرفوا عن الطريق السوي أو من شابههم أو سار على طريقهم أو اقتفى خطواتهم؟ من أجل اكتناز الذهب والفضة من رجال الدين في ديانات وضعية أخرى؟ بل ما هو الحكم بشأن من نصّب نفسه “عالما” من المسلمين فيحل ما حرم الله؟
ابتداء لا بد من القول إن التشيّع لوحده هو الذي يفرض ضرائب على أتباعه غير ما فرضه الله من زكاة الأموال لمحتاجيها المنصوص عليهم، فالخمس الذي فرضه الله على غنائم الحرب، فرضه رجال الدين الشيعة المؤسسون الأوائل على كل دخل يحصل عليه الشيعي بما في ذلك الدخول المعتادة من أي نشاط، وظيفي أو تجاري أو زراعي أو صيد أو ما شابه، هذا بالإضافة إلى الزكاة، وعادة ما تدفع “الأموال الشرعية” إلى رجال الدين الذين تحولوا الى طبقة من الجباة العاطلين المتطفلين على أموال الناس وأتعابهم، ولا تدفع لمستحقي الزكاة المنصوص عليهم في القران الكريم، فهي تذهب في قنوات محددة لتصنع طبقة عليا من حيث الثراء والبذخ لها ولحواشيها “وإن كانت تتظاهر بالزهد وشظف العيش” وهي التي تقوم بالجباية المباشرة أو عن طريق عمال صغار يتبعون لمراجع متعددين وعبر مكاتب فارهة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التشيع اقتبس من المسيحية درجات رجال الدين مما لم يعرفه الإسلام في تاريخه، فالبابا يقابله المرجع الأعلى للشيعة، والكردينال يقابله أية الله العظمى، وآية الله يقابله قسيس، نزولا إلى حجة الإسلام والمسلمين وهكذا، وهذا التدرج في مراتب رجال الدين لا وجود له في الإسلام حتى وقت متأخر من نشوء التشيع كحركة سياسية في الإسلام، فأصبحت جباية الأموال فرضاً على كل شيعي للتعويض عن عدم حصول الشيعة على الحكم لقرون طويلة، فوجدوا أن تحركهم بحاجة إلى المال ويجب أن تأخذ هذه الجباية طابعا دينيا مفروضا بالنصوص الشرعية، غير أن دوافع الجباية لم تكن لأغراض التحرك السياسي وحده بل تحولت إلى اكتناز الأموال التي تكدست لدى فئة صغيرة ممن تطلق عليهم أسماء آيات عظام أو مراجع كبار، وإلا فإن علينا أن نتابع حركة الأموال الهائلة التي يمتلكها رجال دين بدرجات كبرى في سلسلة مراجع الشيعة، فهل حققوا تلك الثروة بكدهم وتعبهم وجهدهم الشخصي؟ وكيف امتلكوا العقارات العالية الأسعار في أرقى الأحياء في مدن مثل لندن وباريس وغيرهما؟ وأنشأوا الاستثمارات المالية والاقتصادية وافتتحوا المكاتب بالعشرات ووظفوا فيها مئات الموظفين من المعممين الذين يتولون الجباية ويستقطعون لأنفسهم جزءً كبيرا منها بفسادٍ جلي، ولنأخذ أمثلة محددة مثل أسر الخوئي الذي افتتح مؤسسة كبيرة في لندن وسيستاني الذي سالت أمواله على المقربين من أفراد أسرته والمقربين منها، كالأصهار والأنسباء والأولاد وكذلك أسرة الحكيم وأرصدة خامنئي، هؤلاء الذين أسسوا إمبراطوريات مالية كبرى وأنشأوا بموازاتها مافيات متخصصة في غسيل الأموال وتهريبها عبر مكاتب صيرفة وبنوك خاضعة لسيطرتها المباشرة، ومسلسل تنصيب المراجع مستمر لكل الطامحين بالثراء السريع من دون عدالة اجتماعية في توزيع الثروة، ويبدو أنه لا يريد التوقف عن نهمه أبدا على الرغم من أنه وصل حد التخمة وما فوقها، فكل من هؤلاء يمتلك امبراطورية أكبر من كبرى الشركات العالمية مع فارق بسيط أنها ليست مسجلة في البورصة ولا تخضع لسؤال “من أين لك هذا؟” وغير مشمولة بالضرائب، واللافت أن كل هذا الفساد يمر بخضوع من جانب الشيعي الذي يكد ويكدح ثم يذهب جزء كبير من مدخوله إلى رجال دين لا هم لهم إلا سلب الناس ثمرة تعبهم.

أليس من حقنا أن نقول بأن الله سبحانه وتعالى عندما حصر النص بالأحبار والرهبان، فإنه تعالى لم يحصر الحكم بهم فقط، وإنما بكل من يركب موجة الدين ليجعل منه سببا للثراء واكتناز الذهب والفضة، فإذا كانت الدولة المدنية في أوربا قد حجّمت دور الكنيسة في الحياة العامة وجعلت من البابا ورجال الدين الأقل منه درجة مجرد وجوه اجتماعية لا دور لها في الحياة السياسية، فإن التشيّع في العراق قد حوَل الإسلام إلى واجهة يقع عليها وزر كل ما يتعرض له العراق من أزمات ونكبات، في حين أنها تحصد المغانم من الجباية المفروضة ومن إقامة المزيد من المزارات التي لا تخلو من سخف وسذاجة وجهل وتخلف، من دون أن تكلف تلك المراجع نفسها عناء تخطئتها واعتبارها من البدع التي لا تمت إلى الواقع بصلة فأفقدت الرموز الدينية كل قيمة اعتبارية لها، المراجع تواصل هذا الصمت طالما أن الجزء الأعظم من إيرادات تلك المزارات تدخل في خزائنها المتخمة بالسحت، ولعل في قصة مزار الجرار “التراكتور” في إحدى محافظات العراق الجنوبية وغيره كثير مما يصح عليه وصف مزارات جاهلية وغبية لا أكثر ولا أقل، ما يبكي مما وصل إليه الحال في العراق من تخلف وبؤس.