العالم الى أين ؟

يمر العالم اليوم بمرحلة تاريخية في غاية الخطورة, تتمثل في مرحلة نهاية اللاتوازن، التي اصبح ضرورياً وموضوعياً بناء حالة التوازن على أنقاض مرحلة اللاتوازن التي تعيشها البشرية. إن البشرية مرت عبر تطورها التاريخي في حالات توازن ولا توزن. كان دائماً وعلى اساس نظرية التطور وعلاقة التأثير المتبادل بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تبنى حالة توازن أكثر تطوراً من المرحلة التي تسبقها وعلى أنقاض حالة اللاتوازن التي تتشكل بسبب الشروط الموضوعية والذاتية لحالة التطور التي تحدث ضمن مرحلتين تأريخيتين ينبني على أساسها علاقات إنتاجية جديدة أكثر تطوراً مما سبقها، وذلك بسبب تطور قوى الإنتاج الذي يحدث خلال مرحلة تاريخية محددة. وتكمن خطورة هذه المرحلة بسبب أن جميع التناقضات التي تعيشها البشرية وصلت الى ذروتها ودخلت الى مرحلة الانفجار الكلي، ولا مجال الى تأجيله او تأخيره (كما فعلت المنظومة الرأسمالية سابقاً) إلا لسنوات قليلة معدودات لا تتجاوز عدد أصابع اليد أو أكثر قليلاً. وهذا ما يجعلنا نتألم كثيراً على ما سنشاهده ونعيشه من وضع إنساني خطير قل نظيره في الحياة الإنسانية.

حيث قدمت الإنسانية التضحيات الجسام من خلال تطورها التاريخي عبر جميع مراحله كون الانتقال من مرحلة تاريخية الى اخرى اكثر تطوراً منها تكلف الانسانية كثير من التضحيات البشرية والمادية ولم يحدث ان انتقلت الانسانية من حالة اللاتوازن الى حالة التوازن بشكل سلمي بل كان يحدث ذلك وباستمرار عبر سيل من الدماء، ويكون حجم هذه التضحيات يتناسب طردياً مع تطور وسائل الإنتاج المستخدمة في تلك الفترة الزمنية. فكيف سيكون الحال والبشرية تستخدم اليوم أعلى ما وصلت اليه الإنسانية من تطور علمي، تقني واسلحة دمار شامل بإمكانها إبادة نصف البشرية وتحطيم بيئتها.. فكيف سيكون الحال إذا ما حدث ذلك والذي لا نتمناه أن يحدث جميعاً؟

ولكن طبيعة التطورات الكونية وجميع المؤشرات والتناقضات القائمة اليوم على الساحة الدولية وعلى مستوى التحليل الكلي والجزئي فأن هذه العملية هي عملية (prossess) تطور تلقائي وقانون جدلي لا يستطيع كائن من كان أن يوقفه ولكن من الممكن تأجيله، وفي نهاية الامر سيقع وحتماً. إن التناقض بين قوة العمل وأرباب المال العالمي والمؤسسات المالية العالمية التي تسعى الى تحقيق أعلى معدلات من الارباح واستغلال قوة العمل بأبشع صورها وداخل المنظومة الرأسمالية نفسها وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وصلت الى ذروتها.

فبعد انهيار جدار برلين عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت في الأفق معالم جديدة من الأفكار التي تبنتها المنظومة الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، حددت من خلالها معالم الطريق الجديد الذي تتبناه المنظومة الرأسمالية وبقيادتها للدخول إلى القرن الواحد والعشرين، معتبرة أن هذه المتغيرات كانت بمثابة أن الرأسمالية قد انتصرت وتربعت على المسرح العالمي من غير منازع وهو الاتجاه الذي تطور فيما بعد على يد فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهري ( نهاية التاريخ ) كي يقنع العالم اجمع من أن الرأسمالية ستكون هي ديانة الإنسانية إلى الأبد.

وعلى هذا الأساس وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام طريق معبد للوصول الى تحقيق أحلامها القدمية والمتمثلة بالسيطرة على المقدرات الاقتصادية والسياسية للكرة الأرضية، وذلك من أجل توظيف جميع مقدرات الأرض من موارد مادية وبشرية وتسخيرها لمصلحتها الأنانية الخاصة ومن أجل تحيق أعلى معدلات من الرفاه للفرد الأمريكي على حساب رفاه وتقدم جميع شعوب العالم.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان لا بد لها من أن تمنع ظهور قوة اقتصادية وسياسية كانت على وشك التشكيل كأوروبا موحدة واليابان والصين وروسيا خليفة الإرث الكبير للاتحاد السوفييتي. لأن ظهور مثل هذه القوى سوف يؤثر بشكل مباشر على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، هذا إذا علمنا أن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية كانت تتبوء المكانة الأولى وتلعب الدور القيادي لمنظومة الاقتصاد الرأسمالي حيث كانت تجسد كل الاقتصاد الرأسمالي وقلبه النابض، كون أن مستوى المعيشة فيها والتطور التقني الذي استندت عليه جميع منتوجاتها كان من أعلى المستويات في العالم وارتفعت استثماراتها الخارجية في القارة الأوروبية ودول العالم الثالث، ولكن ضعف المكانة التي احتلتها الولايات المحتدة الامريكية في منظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي  في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بسبب استعادة دول السوق الاوروبية المشتركة واليابان والصين عافيتها الاقتصادية بحيث تسارعت فيها معدلات النمو الاقتصادي بسبب ارتفاع الإنتاجية وتحسين نوعية منتجاتها وكذلك تطورها العلمي – التقني، بحيث أصبحت منتجات هذه الدول وبالأخص ألمانيا واليابان منافسة للمنتجات الامريكية، وتطورت مستويات المعيشة في هذه الدول بحيث أصبحت مقاربة لما هو عليه في السوق العالمية بسبب ارتفاع اجور العمل فيها مقارنة ببقية الدول فضلا عن تدهور متوسط انتاجية العامل الامريكي في الساعة مقارنة مع العامل في الدول الصناعية الاخرى وحدوث التقلبات في سعر صرف الدولار وظهور عملات قوية أخرى تنافسية ومقبولة للإبقاء على المستوى الدولي، لهذا لم يعد الدولار هو العملة الوحيدة التي تؤثر في هيكل الاحتياطات الدولية من النقد الاجنبي وانما وجود عملات اخرى الى جانبه، فضلا عن تحول امريكا إلى دولة مدينة أصبحت ديونها الخارجية والداخلية تهدد الاقتصاد الأمريكي برمته؟. واصبح الاقتصاد الامريكي ينفق اكثر مما ينتج في الداخل بحيث أصبح اقتصاداً يستهلك ويستثمر ويستورد بشكل يفوق حجم ما يدخر وينتج وصدر، وهذا يعني أن الامريكيون يعيشون مستويات معيشية تفوق بكثير حدود امكانات الاقتصاد الامريكي.

مما تقدم يتضح لنا أن القلق الأمريكي من بروز قوى اقتصادية وسياسية كأوروبا موحدة واليابان والصين وروسيا، هو قلق مبرر بالنسبة لمصالح أمريكا العليا وأمنها الاقتصادي، فبرأينا أن العوامل الاقتصادية الآنفة الذكر هي التي دفعت امريكا وبفلسفتها البراغماتيكيية من وضع آليات مختلفة اقتصادية، سياسية عسكرية وغيرها للولوج إلى أهدافها في الهيمنة وتصدير أزمتها الاقتصادية إلى خارج حدودها. وذلك نتيجة لمجمل التطورات البنوية التي حدثت في العالم خلال القرن العشرين وعلى كافة الاصعدة المادية منها والروحية فإن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية والمنظومة الرأسمالية أن تبحث عن تكييف فكري يستوعب علمية التطور الذي حصل في المنظومة الرأسمالية، كي تحافظ هذه المنظومة على كيانها المادي وتدافع عنه فضلاً عن الاستمرار في تحقيق اهدافها المعروفة فكانت فكرة العولمة هي وليدة لهذا التطور التاريخي. وتأسيسا على ذلك فأن الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الإمبرياليين سوف لا يفرطون ابداً بالمستوى الذي حققوه من هيمنة على رأس المال وسيطرتهم على وسائل الإنتاج المختلفة المتطورة وعلى وسائل الاتصالات المذهلة التي يعتقدون أنها ستمكنهم من تحقيق أهدافهم في السيطرة على العالم وهم مستعدون للدفاع عن هذه المكاسب حتى لو كلفهم ذلك تدمير ملاين من البشر كما فعلوا تماماً في الحربين العالميتين الأولى والثانية. إن نظرة موضوعية لطبيعة الصراع القائم اليوم بين دول الشمال ودول الجنوب ودول الشمال فيما بينها تنذر باحتمالات خطيرة لتفجير هذا الصراع بالمستوى الذي يجعل من وقوع حرب عالمية ثالثة أمراً وارداً في الحسابات بعد تفهم عميق لطبيعة النظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية. خاصة إذا شعرت أمريكا بأن خطر انهيارها أصبح وشيكاً وأن حل أزماتها لا يمكن أن يتم إلا من خلال تصدير الأزمات الى خارج حدودها.

وبناءاً على ذلك، فأن مواجهة العولمة أصبحت أمراً ضرورياً خاصة بعد أن انكشف زيف الشعارات التي رفعتها من تبنيها لخدمة الإنسان ورفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل وتطوير الصحة والتعليم ومشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفقر والجوع والحرمان والبؤس الذي يعاني منه الكثير من شعوب العالم وبعد أن تبين أن أمريكا لا تهدف إلا الى الحفاظ على مستوى رفاه الفرد الامريكي على حساب رفاه شعوب العالم وما الشعارات التي رفعتها الا بمثابة تمويه وتزييف وإخفاء لأهدافها الشريرة الممتلئة بالهيمنة على القدرات المادية والبشرية لشعوب العالم.

إن هذا المنهج الجديد الذي تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية يشكل تهديداً خطيراً جداً على مستقبل البشرية جمعاء، وسيعمق ويؤجج من حجم التناقضات الموجودة على الساحة الكونية كالصراع بين اليورو والدولار بين دول الشمال ودول الجنوب، والصراع الطبقي داخل المنظومة الرأسمالية وداخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها… صراعات وصلت الى ذروتها وغير قابلة للتأجيل. أنه وضع خطير جداً يقودنا الى انفجار عارم ومخيف.

إن المنهج الأمريكي المنفرد أوصلنا الى الاحادية القطبية وهي الأخطر في تاريخ البشرية كونها تفرض الوصاية على الجميع، والذي لم يكن مع أمريكا فهو ضدها اوعدوها، فهذه هي شريعة الغاب بعينها.

وعلى هذا الأساس، فان الوصف الدقيق لهذه المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم (منذ انهيار النظام الدولي الذي افرزته الحرب العالمية الثانية والمتمثل بوجود قطبين) هو انفراد قطب واحد بالعالم يحاول الهيمنة على قدراته الاقتصادية والسياسية والثقافية بكل الوسائل وهو ليس نظاماً دولياً كما يدعي البعض، وإنما هو مرحلة انتقالية لتشكيل النظام الدولي الجديد الذي تسعى امريكا ان يكون أمريكياً بكل معانيه ويسعى العالم جميعه ان يكون نظاماً متعدد الأقطاب تتفق عليه دول العالم بما يخدم مصالحها الانسانية المشتركة بعيداً عن سياسة الهيمنة والاستغلال والاضطهاد.

ومن الملاحظ ان البناء الفوقي الكوني الحالي والمتمثل بالأمم المتحدة ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الثقافية والقانونية وغيرها هي من مخلفات النظام الدولي الذي افرزته الحرب العالمية الثانية ولم يطرأ عليه سوى تغييرات محدودة، مما جعله متخلفاً وغير منسجم مع ما حصل من تطور كبير وهائل على قوى الإنتاج الكونية، وهو نفسه الذي تستخدمه الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق هيمنتها على العالم ومن خلاله تحقيق نظامها الدولي الجديد.

واستناداً الى ما تقدم من هذا التحليل نجد أن في خلال هذه السنوات العشرة وقعت أحداثاً كثيرة وخطيرة جداً جلها يؤكد على ما ذهبنا اليه من تحليلات وتصورات.. وبالأخص الصراع القائم بين أتجاهين رئيسيين من اجل تشكيل نظاماً دولياً جديداً يبنى على أنقاض النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، أن المرحلة التي نعيشها هي مرحلة انتقالية لتشكيل وبلورة النظام الدولي الجديد، مع الاسف أن المرحلة الانتقالية هذه تميزت بأنفراد الولايات المتحدة الامريكية بالعالم وبالأخص بعد أنهيار الاتحاد السوفييتي، وأخذت من خلال تحكمها بمجلس الامن وقراراته وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية (WTO)، وشكل ذلك خللاً في التوازن الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، وبدأ الاتجاه الرئيسي الاول الذي تبنته الولايات المتحدة الامريكية بان يكون النظام الدولي الجديد ذا قطب واحد تقوده الولايات المتحدة الامريكية من أجل الهيمنة على العالم ومقدراته في الحياة والاتجاه الثاني الذي تتزعمه الصين والمتمثل بمجموعة البريكس والتي تسعى ان يكون النظام الدولي الجديد متعدد الاقطاب من أجل اعادة التوازن الدولي والحيلولة دون انفراد قطب واحد بالعالم مما سيؤدي الى قانون شريعة الغاب، ويعمق ظاهرة الاستغلال والظلم والاستبداد ونهب الثروات وهذا ما تسعى اليه المنظومة الرأسمالية…

فأنت ترى أن جميع الاحداث التي وقعت في العالم خلال الفترة المنصرمة وبالاخص في منطقة الشرق الاوسط والذي تمخض عنه أحتلال العراق واحداث سوريا ولبنان واليمن وليبيا والتصعيد العسكري في بحر الصين واحداث أوكرانيا جزيرة القرم مع روسيا والتصعيد الخطير مع كوريا الشمالية وغيرها من الاحداث الخطيرة، جميعها تقرن للصراع الكوني القائم بين الدول العظمى من أجل تشكيل نظاماً دولياً جديداً.

وبناء على ما تقدم، بدأ يظهر بالافق تشكيل محورين متضادين ومختلفين بالرؤى، الصين تقود محور ومعها روسيا وكوريا الشمالية وايران ومن معها من أدواتها كالعراق والنظام السوري ولبنان من خلال هيمنة حزب الله عليه واليمن من خلال الحوثيين.. وجميعها أدوات تنفذ ما تمليه عليها مصالحها الخاصة ومصالح قيادات المحور الاساسي..

أما المحور الثاني هو الولايات المتحدة الامريكية وادواتها في المنطقة الكيان الصهيوني والدول السائرة في فلك الولايات المتحدة الامريكية..

أما بالنسبة لأوروبا فقد شاخت تماماً وهي تعاني من مشاكل أقتصادية كبيرة وبالأخص بعد انسحاب أنكلترا من الاتحاد الاوروبي والسوق الاوروبية المشتركة فموقفها ضعيف عدا المانيا وفرنسا فكلاهما يتمتعان بنفوذ كبير ويمتلكان قوة اقتصادية تؤهلهما للعب دور مهم في اعادة التوازن الدولي ولكن الولايات المتحدة الامريكية ستعمل جاهدة لاضعاف الدور الاوروبي حتى لا يصبح منافساً للمخطط الامريكي الهادف للهيمنة على العالم.

وهنا يبرز أمامنا أهمية الجانب الاقتصادي في هذا الصراع فالجانب الاقتصادي يشكل الاساس في اتخاذ أي قرار سياسي، وعليه فأن جميع القرارات السياسية التي تتخذها أمريكا تكون أهدافها وبواعثها أقتصادية وكذلك الصين ومن معها وبالاخص روسيا فلكل دوله لديها مصالحها وتسعى للحفاظ عليها حتى لو كلف ذلك دخول حروب عديدة من أجل تحقيق هذه المصالح.. فالصين تعمل على خلق تنمية أقتصادية من خلال أنفتاحها على الغرب الرأسمالي وأمريكا من أجل الحصول على التكنولوجيا المتطورة, وقد حققت الصين أعلى معدلات نمو أقتصادي في العالم والأن الصين تغزو العالم بأنتاجها وبمختلف أنواعه… مستغلة بذلك انخفاض تكاليف العمل لديها مما جذبت استثمارات هائلة الى الصين وبالأخص الاستثمارات الامريكية والاوروبية.. والصين تمتلك نصف الدين العام الخارجي الامريكي اي بحدود 4 ترليون دولار اي ان امريكا مدينة للصين بهذا المبلغ.. فضلاً أن الصين تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة جداً لتحمي انجازاتها الاقتصادية والتي تمثل هذه الانجازات خلال السنوات القادمة القوة التي ستنافس بها أمريكا بحيث تتمكن الصين من خلق حالة التوازن الدولي، وحتى روسيا تعمل جاهدة كي يكون لها دور أساسي في خلق حالة التوازن لديها من إمكانات مادية واقتصادية تؤهلها للعب هذا الدور وبدعم من الصين، وهكذا ما حدث بشكل مباشر من خلال استخدام الروس حق النقض الفيتو لأكثر من عشر مرات… وهذا يعني الكثير وإشارة واضحة لضعف الدور الامريكي ومحوره.

حيث تمكن الرئيس بوتين وبفترة قياسية من خلق وضعاً اقتصادياً جيداً وقضى على الكثير من المشاكل الاقتصادية التي أفرزها تفكك الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن اهتمامه الكبير في تعزيز صناعته العسكرية وطورها بشكل اصبح يمتلك اكثر من 6400 راس نووي والعديد من الصواريخ البالستية، بحيث تمكن من خلال سنوات حكمه من التهيئة لتكون روسيا بلداً يتمكن من مواجهة أمريكا وحلفائها ومن الممكن ان يخلق حالة التوازن الدولي وبدعم من الصين ومجموعة البريكس.

أن الصراع الاقتصادي بين المحورين المذكورين بالضرورة سيؤدي الى صدامات مختلفة ولا نستبعد العسكرية منها كلما تطلب الامر ذلك.. أن موضوع الطاقة والهيمنة على منابع النفط والغاز والسيطرة على منافذ تسويقها وكما هو معروف لدى الجميع أن مصادر الطاقة (النفط بالدرجة الاولى) تأخذ مكانة الصدارة في الصراع القائم بين القوى المتنافسة لذا نرى أن المنطقة العربية بالذات (العراق والخليج العربي) تحملوا وزر هذا الصراع كونهم يمتلكون اعلى احتياطي نفطي بالعالم.. والصراع الدائر في المنطقة في العراق وسوريا والخليج واليمن وليبيا اساسه الصراع على مصادر الطاقة ومنافذ التسويق لها فضلاً عن أسباب اخرى (حضارية وقومية وعقائدية ودينية)..

فهذا الصراع في المنطقة العربية وعملية احتلال العراق والوضع الكارثي في سوريا واليمن وليبيا ما هو الا انعكاس للصراع الدائر بين القوى الكبرى التي تلهث وراء مصالحها دون الاكتراث لما يجري بشعوب المنطقة والضحايا التي تقدمها هذه الشعوب التي اصبحت بلدانها ساحات معارك لهذه الدول.

كما ان التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تحقق خلال الخمسين سنة المنصرمة.. هذا التقدم الهائل بحيث اصبح يشكل اداة قوة بيد هذه الدول لحسم هذا الصراع فيما بينها وبالأخص التقدم الذي حدث بوسائل الاتصال وبكل أنواعه مما سهل على الجميع اختراق الجميع والتأثير عليه..

وحدث نفس الشيء من تطور على صناعة الاسلحة وبكل انواعها وبدأ التنافس فيما بين هذه الدول حيث تعمل على كل دولة على تطوير اسلحتها وبالأخص اسلحة الدمار الشامل وكل يعزز من ترسانته.. وكل ذلك بالنتيجة سيجعلنا نعيش في حالة ترقب ورعب وخوف من أن حسم هذا الصراع ريما سيكون بحدوث حرب عالمية ثالثة تكون نتيجتها أنهاء الحياة والقضاء على كل ما حققته البشرية من انجازات تخدم الانسانية.. وبخاصة ان الاسلحة التي ستستخدم هي اسلحة فناء شامل للإنسانية والبيئة.. ومع الاسف الشديد ان الولايات المتحدة الامريكية تستخدم هذا التطور العلمي والتقني أستخداماً منحرفاً، كونها تستخدمه ضد البشرية وليس لصالح الانسانية جمعاء وانما تقوم باستخدام ذلك خدمة لمصالحها الانانية علماً ان التطور الذي حصل هو نتيجة تراكم المعرفة العلمية للبشرية، وكل العالم قدم ما قدمه لخدمة الانسانية جمعاء وشاءت الاقدار أن يتجمع كل هذا التطور وحصيلته لدى المنظومة الرأسمالية وقائدة المنظومة الولايات المتحدة الامريكية.. والتي تتربع على عرش هذه المنظومة وتقودها لمصلحة النظام الرأسمالي الجشع.

أن الصراع الدولي وفي السنوات الاخيرة بدأ يحتدم ووصل الى حد الانفجار بين اطراف الصراع، والحروب التي تشن في منطقة الشرق الاوسط وبالذات في بلاد العرب “العراق وسوريا ولبنان واليمن ومنطقة الخليج الملتهبة وليبيا” فهي حروب بالنيابة فهي صراع الاضداد.. واذا لم يتم أطفائها فستنتشر هذه الحروب الى المنطقة والعالم ككل وبالتالي سيكون من الصعب جداً تلافي حرب عالمية ثالثة وفي اعتقادنا هي حرب لا بد منها، فهي ضرورة موضوعية لحسم المعركة النهائية من اجل تشكيل نظام دولي جديد..

وأن ما يحدث اليوم في أوكرانيا ما هو الا نتاج الصراع القائم بين محوري الصراع واكرانيا هي ساحة الصراع المختارة لأسباب عديد ومختلفة سياسية وامنية وتاريخية وكون أوكرانيا منطقة جيوبولوتيكية مهمة جداً وخاصة بالنسبة لأوروبا، واي متتبع للأحداث الأخيرة يجد بسهولة أن الولايات المتحدة الامريكية تشجع على الحرب بين أوروبا (حلف الناتو) وروسيا من اجل اضعاف الاثنين واستنزاف طاقتهم العسكرية والاقتصادية كي تحقق أهدافها في الهيمنة على العام.. وان يكون النظام الدولي الجديد أحادي القطبية. وبالمقابل ان الصين وروسيا سوف لن يتراجعوا عن تحقيق أهدافهم في تحقيق نظاماً دولياً يعتمد على مبدأ التعددية.

لذا نرى ان الولايات المتحدة الامريكية تسعى وبشكل محموم للهيمنة على المؤسسات الدولية وبخاصة مجلس الامن الدولي، وتعمل جاهدة لمنع ظهور اي قوى اقتصادية وسياسية تنافسها على موقعها القيادي الحالي، فهي تسعى لمنع دول اوروبا والامة العربية والصين وشرق آسيا وروسيا من ان تأخذ دورها الحقيقي كي لا تؤثر في عملية إعادة التوازن الدولي وخلق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب على عكس ما تسعى اليه امريكا نفسها.

وعلى هذه الأسس قامت روسيا بغزو أوكرانيا وقامت أمريكا وحلف الناتو بغزو العراق وسوريا وليبيا وبقية الدول العربية وجميعها على حساب الشعوب.

إن الإنسانية بحاجة أكثر من اي وقت مضى الى نظام دولي جديد ينسجم مع تطورها ويستوعبها الى نظام يحقق لها العدالة الاجتماعية ومستوى من الرفاه الذي تتحقق فيه إنسانية الإنسان وينعم فيه بديمقراطية حقيقة غير مزيفة ونظام يتحقق فيه التفاعل الحضاري الإنساني الذي يخدم الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى