العالم الى أين؟ نذر انفجار كبير يخيم على البشرية

أ. د. محمد طاقة

يمر العالم، اليوم، بأخطر مراحله، تلك هي المرحلة التأريخية الراهنة، التي تعيشها البشرية، والتي تتميز بكونها مرحلة اللاتوازن، التي يجب أن تبنى على أنقاضها مرحلة التوازن الكوني. وتكمن خطورتها
في أن جميع التناقضات، التي تعيشها البشرية وصلت إلى نهاياتها ودخلت مرحلة الانفجار الكلي، ولا مجال إلى تأجيل هذا الانفجار أو تأخيره، إلا لسنوات معدودات، وهذا ما يجعلنا نقلق على ما سنشاهده ونعيشه من وضع إنساني خطير قل نظيره في الحياة الإنسانية، وذلك بسبب أن البشرية، اليوم، تستخدم أعلى ما وصلت إليه الإنسانية من تطور علمي – تقني وأسلحة دمار شامل
بإمكانها إبادة نصف البشرية وتحطيم بيئتها.
لكن طبيعة التطورات الكونية وجميع المؤشرات والتناقضات القائمة، اليوم، على الساحة الدولية وعلى مستوى التحليل الجزئي والكلي فإن هذه العملية هي عملية ( process ) تطور تلقائي وقانون جدلي لا يستطيع كائن من كان أن يوقفه، ولكن من الممكن تأجيله، وفِي نهاية الأمر فإن عملية التغيير واقعة حتما.
إن التناقض بين قوة العمل وأرباب المال العالمي والمؤسسات المالية العالمية، والتي تسعى إلى تحقيق أعلى معدلات من الأرباح واستغلال قوة العمل بأبشع صورها داخل المنظومة الرأسمالية، وفِي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وصلت إلى حدها النهائي.
إن التطور التكنولوجي والتقدم الهائل، الذي حصل في شبكة الاتصالات الواسعة هو الآخر أفضى إلى تفاقم أزمة البطالة في الدول الرأسمالية، حيث ان هناك جيشاً من العاطلين عن العمل لا يمتلكون الحد الأدنى من مستوى الدخل، الذي يؤهلهم للعيش، بالنحو الذي يحافظ على إنسانيتهم، وفِي الوقت نفسه تعاني اقتصاديات هذه البلدان من مشكلة الارتفاع المستمر للأسعار، التي يصعب حلها هي الأخرى، فظاهرة التضخم الركودي (stag flation)، التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي، يجعل الإنسان في هذه الدول يعيش ظروفاً إنسانية واجتماعية واقتصادية ونفسية غاية في التعقيد، مما يجعل جميع الظروف الموضوعية والذاتية مهيأة، تماماً، لعملية التغيير الجذرية المطلوبة إنسانياً.
إن عملية التطورات التكنولوجية المتمركزة، بنحو خاص، في البلدان الرأسمالية، والتي أدت إلى تراكم رأسمالي ضخم جداً لدى هذه البلدان، وبالأخص لدى الولايات المتحدة الأمريكية، مما عمق الهوة الحضارية بين دول الشمال ودول الجنوب، كما أن التناقضات التأريخية بينهما بدأت تتعمق أكثر فأكثر ، إذ أن دول الشمال، منذ نشوء الرأسمالية، تُمارس الاضطهاد والظلم وسرقة واستنزاف الطاقات المادية والبشرية لهذه البلدان واستغلالها استغلالاً بشعاً، من أجل تحقيق مكاسب مادية رخيصة بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية والحضارية، مستفيدة من تفوقها الاقتصادي والعسكري والعلمي والإعلامي، وغيرها من الوسائل المتاحة السياسية والقانونية، من خلال هيمنتها على قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ومؤسساتها الأخرى.
بلغت هذه التناقضات بين دول الشمال ودول الجنوب ودول الشمال فيما بينها إلى حد الانفجار الحتمي.
إن هذا النهج، الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفرادها بالعالم كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية يشكل تهديداً خطيراً جداً على مستقبل البشرية جمعاء، وسيعمق حجم التناقضات الموجودة على الساحة الدولية ويؤججها، على منوال ما يفعله الصراع الحاصل بين اليورو والدولار ، وبين دول الشمال ودول الجنوب، والصراع الطبقي داخل المنظومة الرأسمالية وداخل أمريكا نفسها.
إن هذه الصراعات بلغت ذروتها وهي غير قابلة للتأجيل، ولا يمكن وصف الوضع الراهن والمستقبلي إلا بأنه خطير جدا وسيقود إلى انفجار عارم ومخيف.
إن الانسانية بأمس الحاجه، اليوم، أكثر من أي وقت مضى إلى نظام دولي جديد ينسجم مع تطورها ويستوعبها.. نظام يحقق لها العدالة الاجتماعية ومستوى من الرفاه، الذي تحقق فيه إنسانية الإنسان وينعم فيه بديمقراطية
حقيقية غير مزيفة.. نظام يحقق التفاعل الحضاري الإنساني، الذي يخدم الجميع..
وتأسيساً على ما ذهبنا إليه، فإن روسيا صاحبة الإرث الحضاري للاتحاد السوفيتي السابق ، والتي بدأت تعيد عافيتها الاقتصادية والعسكرية، تسعى وبكل ما تملك من قوة إلى أن يكون لها مكان مهم، وأن تلعب دوراً أساساً في النظام الدولي الجديد، الذي سيتشكل حتماً، والذي تريده أمريكا بقطب واحد تهيمن عليه لوحدها، وروسيا مدعومة من الصين تسعى إلى أن يكون لها حصة في هذا النظام.
ولهذه الأسباب فإن التدخل الروسي في سوريا والمنطقة، ليس حباً بالعرب أو إيران وغيرهما من أدوات اللعبة الدولية القذرة ولا من أجل إبقاء بشار الأسد في السلطة، وإنما روسيا تبحث عن مصالحها فقط، وتسعى إلى أن تسهم في تشكيل النظام الدولي الجديد، الذي بدأت بوادره بالظهور، بعد تراجع الدور الأمريكي في العالم.
ويظهر لنا جلياً أن اختيار سوريا والعراق والمنطقة العربية مسرحا لهذا الصراع الدولي، يتطلب من جميع القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوقوف صفاً واحداً وبقوة أمام أي تدخل أجنبي في المنطقة العربية والإسلامية، وبالأخص سوريا والعراق، مهما كان شكله ولونه، وأن نقف جميعاً في وجه الأحلاف العسكرية المزمع تشكيلها، كونها تؤدي، فِي الأحوال كلها، إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وعلينا التحرك ودعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية وجامعة الدول العربية وتحذيرها من السكوت على مثل هذه التصرفات الهوجاء، بصفتها تشكل خطراً على المنطقة الحساسة من العالم، إلى جانب تشكيلها خطراً كارثياً على العالم بأسره لأنها ستفضي إلى حرب عالمية ثالثة لا يحمد عقباها، إن وقعت.
معروف أن الحروب تقع عندما تكون هناك أزمة اجتماعية- اقتصادية مستعصية الحل فتعبر عن نفسها بلغة السلاح.
إن العالم، اليوم، يعيش أزمة اقتصادية – اجتماعية مستعصية الحل ، متمثلة بمؤشرات: البطالة، والتضخم، والجوع، والمرض والحرمان والتهميش والاقصاء، والاضطهاد، والقتل، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان)
مما أوصل الخطر إلى أقصى مدياته، منذراً بحدوث الانفجار الكبير.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى