العراق أولاً

د. نبيل العتوم - رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

أعلن العميد “حسين سلامى” مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني ، في السابع من مايو / أيار 2018، أن فرض الحزمة الثانية العقوبات الاقتصادية على إيران سيكون له “عواقب وخيمة”، وغير مسبوقة على أميركا وحلفائها ، متوعداً بالرد انطلاقا من الساحات الإقليمية ، بدءاً من العراق ، ومطمئناً في الوقت نفسه جميع الإيرانيين أن أحد أهم إستراتيجيات إيران هو إبقاء الصراع خارج حدودها ، و بعيداً عن المجال الحيوي للأمن القومي الإيراني .
بشر المسئولون الإيرانيون بنذر المرحلة الجديدة القادمة في سياق التصعيد مع واشنطن من خلال تغريدة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في الثاني من سبتمبر / أيلول 2018 “أن أميركا ستدفع الثمن في كل الساحات ” مع قرب دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 ، والتي ستمس قطاع النفط ، بهدف حرمان طهران من شريانها الأساسي من العملات الصعبة وبالتالي الحد من قدرات إيران التسليحية ، ودعمها لتغذية الصراعات الدموية الإقليمية التي أهلكت الحرث والنسل في المنطقة العربية .
وبناءً على ذلك، حددت إيران إستراتيجيتها للمواجهة ، وتعهدت بتفعيل شعار “المقاومة البطولية” ، وإدارة” الأزمة بالأزمة” ، مع الميل للتوسل بدبلوماسية “حافة الهاوية ” ، كلما سنحت الفرصة لتحسين شروط التفاوض مع إدارة ترامب .
تدرك طهران أنها باتت تواجه خيارين لا ثالث لهما : إما الرضوخ ومواجهة العاصفة من خلال تعديل سلوكها ، والتكيف مع المتغيرات ، وإما خيار المواجهة : المحدودة أو الشاملة ، مع الإدراك العميق ، أن الهدف من كل هذه” المماحكات ” هو الوصول إلى صفقة شاملة ، لكن كيف ؟ حتماً بعد تحسين شروط التفاوض ، وتقديم القرابين ، وهذا لن يتحقق إلا من خلال وضع ترتيب للملفات تباعا للمواجهة مع أميركا ، كما عبر عن ذلك الرجل القوي في النظام الإيراني “علي لاريجاني” .
عند الحديث عن الملفات وموازنة أهميتها ، لا ينبغي أن نغفل أهمية الاستمرار بكثافة لتوظيف الورقة العراقية ، ومنع ” قيامة بابل ” من جديد ، لتحصيل مجموعة من الأهداف المرجوة ؛ ولكن لصالح من ؟ …حتماً لصالح إسرائيل التي ما زالت تؤمن أن الاستمرار في مشروع تدمير بابل الزانية ” قاهرة الشعب المختار ” ما زالت أهم الأولويات ، التي تتصدر أولوية ” تل أبيب أولاً ” .
تراهن واشنطن أن استمرار طهران في توظيف وحرق أوراقها الإقليمية تباعاً سيقدم لها أكبر خدمة تاريخية وجيواستراتيجية لها ، وبحسب المسئولين الأمريكيين ، فإن فرصة إيران الوحيدة للمواجهة هو الدفع بأوراقها للنجاة من العقوبات ، وتقديم عروض متناسبة الكلفة لتحسين شروطها للتفاوض ، سيسهم حتماً في رفع سقف مطالبها ، وفي تحسين مكاسبها .
وبالمناسبة تُمارس إدارة ترامب مع طهران” سياسة ابتزاز ” غير مسبوقة ، فهي غير متعجلة لجلوس طهران معها على مائدة التفاوض ، لأنها على يقين أنها ستفعل ذلك في نهاية المطاف ، ومنطقها في ذلك أن الدفع بملفات المنطقة ، لا سيما “العراقي” منه ، سيقدم أكبر خدمة لها بعد إسرائيل ، لأن تشارك بإصرار معتقدات “كهنة اليهود” بأن الملحمة الإلهية الكبرى ، والنبؤات المترتبة عنها ستضمن تحييد الوعد الإلهي ، الذي اعتبر أن النصر النهائي لتحرير فلسطين والنهوض بالعالم العربي ” في نهاية المطاف سيأتي من “بابل المنصورة ، وأن مهمة إيران و التزامها الذي تعهدت به يقضي بالإجهاز على العراق ؛ لأن نهوضه معناه نهاية حلم الولي الفقيه بإقامة إلامبراطورية الفارسية وإعادة مجد الأمة العربية من جديد .
لا شك بأن جذوة الصراع في العراق ستشتد ، وأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران ستحوّل العراق إلى مركز الصراع وبؤرته ، خاصة مع التقديرات التي يتم نشرها تباعاً في الإعلام الإيراني من التخوف من أن الارتفاع المتوقع في أسعار النفط سينعكس سلباً على إيران، وإيجاباً على العراق من خلال توفير مداخيل إضافية ؛ مما يعني احتمالية إعادة مجد وتأثير العراق “العربي” من جديد ، خاصة مع زيادة وتيرة “الحس العروبي ” هناك ، ومع رفع الشعب العراقي لشعارات منددة بإيران ، وتحميلها مسئولية ما حدث ، ولا أدل على ذلك من شعارات شعبية صدحت ضد طهران ، ومطالبة بخروجها من العراق “إيران بره بره “، وهذا ما أدى إلى استشعار الخطر ، و دفع طهران المطالبة باستئناف بغداد لدفع التعويضات نتيجة الحرب العراقية الإيرانية من جديد ، ومحاولة التضييق على العراق مائياً وكهربائياً وأمنياً.
المثير أن الحكومة الإيرانية مهتمة بشكل ممنهج ، ووفق مخطط مدروس لضمان بقاء العراق ضعيفاً ومفككاً ، وجعله رهيناً لويلات النار الطائفية ، والتي قد تدفع بإشعال جذوتها في أية لحظة ، وبالتالي نقل المواجهة بين مختلف الأطياف العراقية ، واستغلال حالة الفرز بين القوى المؤيدة للعقوبات ، والمعارضة لها ، و لم تقف عند هذا الحد ، وهذا ما ظهر جلياً من خلال التضييق على رجال الأعمال العراقيين في إيران ، ففي الوقت الذي قام مسئولوها إلى نقل ودائعهم بالعملة الصعبة إلى خارج إيران ، والتي قدرت بحوالي 59 مليار دولار – بحسب تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد – بموازاة ذلك تم منع رجال الأعمال العراقيين من الحصول على أموالهم المودعة في البنوك الإيرانية ، والتي اعتبروها كغنائم مشروعة ، والتي تُقدر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، على الرغم من تدخل الحكومة العراقية بشكل حثيث ، ولكن دون جدوى ، ما أدى إلى تكبيد رجال الأعمال العراقيين لخسائر فادحة ، بعد خسارتهم المدوية نتيجة انخفاض ودائعهم بشكل ممنهج ومخطط له ، وذلك نتيجة جملة من الأسباب ؛ يأتي في مقدمتها انخفاض قيمة العملة الوطنية “التومان” التي انهارت معها إلى مستويات غير مسبوقة ، هذا عدا عن منع جُلهم سحب ودائعهم بالعملة الصعبة ، وتحويلها للخارج ، إلى جانب محاولة السطو على أموال رجال الأعمال العراقيين بشكل عبثي ، وبشكل يندى له الجبين من خلال إجبارهم اعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار والذي يساوي 4200 تومان مقابل الدولار ، في الوقت الذي يساوي فيه سعر صرف الدولار 18 ألف تومان في السوق الحر ، في حال أراد هؤلاء سحب أموالهم من المصارف الإيرانية بالتومان ، في الوقت الذي وصل فيه سعر الفائدة الحقيقي في إيران إلى السالب ، نتيجة لارتفاع مستويات التضخم، ما أدى إلى إفلاس جل هؤلاء المودعين لأموالهم هناك ، دون أن يُحرك ذلك ساكناً للمسئولين الإيرانيين ، الذين تندروا قائلين ، “لطالما ضحت إيران في سبيل العراق ، ولا ضير في تحمل رجال أعماله لواجبهم الديني تجاه الحفاظ على الثورة الإسلامية التي دافعت عن العراق دوماً”.
ما يجري يعكس فعلياً كيفية نظرة إيران “الدولة والثورة” للعراق وأهله ، ما يجعل الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى للالتفاف للعراق ، واعتباره القضية المركزية لمواجهة رأس حربة الولي الفقيه الموجهة صوب النحر العربي ……. فعز العراق هو عز للعرب جميعاً … العراق أولاً .

حقوق النشر محفوظة لموقع العراق العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى