العصرنة

( هذه المقالة هي رسالة موجهة الى اصحاب العقول المتحجرة والمتخلفة والذين اوصلونا الى الحضيض ، وهي مقالة كتبت بتاريخ ٦/٩/٢٠٢٠ ومنشورة بكتابي الموسوم العراق اقتصاد منهار .. وشباب ثائر
ووجدت من المناسب اعادة نشرها )

أنجزت البشرية ، خلال المئة عام ، المنصرمة من تطور علمي وتقني ، ما لم تنجزه خلال عمرها الطويل كله ، منذ نشأتها حتى الان ، ولو تأملنا ما يدور من حولنا من تطورات على مستوى العلوم بأشكالها كلها خصوصا ما وصلت اليه الانسانية ، خلال الثورة الصناعية الرابعة ، من ثورة علمية وتقنية هائلة ، في صناعة الالكترونيات والهندسة الوراثية وفي الفيزياء والكيمياء وغزو الفضاء وفي العلوم البيولوجية وصولا الى الانترنيت ووسائل الاتصال المختلفة وبالاخص ال ( 5G)
لذلك كله مما اثر بنحو مباشر وغير مباشر ، على الحياة بمجملها ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية ، ودخلت بصفة أو بأخرى على سلوك الانسان نفسه ، من حيث دخله واستهلاكه وطريقة حياته وفي جميع النواحي ..وفي الوقت نفسه وسعت من الهوة الحضارية بين الدول المتقدمة والاكثر تقدما وبين الدول المتخلفة ، التي ما عادت تواكب مجمل هذه التطورات الحاصلة في العالم ، وذلك بسبب عوامل داخلية كثيرة ومعقدة تتمثل بتخلف قوى الانتاج وعوامل خارجية لعبت دورا اساسيا في زيادة تخلف هذه البلدان بحيث لاتسمح لها بالتطور
إلا بالحدود التي تحقق مصالحها السياسية والاقتصادية .. وبناء عليه بدأت هذه الدول تعيش صراعا مريرا بين رغبتها بالتطور
واللحاق بالدول المتقدمة وبين التحرر من القيود التي تكبلها وتمنعها هي الاخرى من التطور المطلوب وأهمها الموقف الفكري
الذي يجب أن تتبناه هذه الدول وبالأخص
بإتجاه العصرنة والحداثة …
العصرنة. ، مصطلحا ومفهوما موجودة في مراحل التاريخ ، بسبب تجدد الحياة وتغيرها
جراء تجدد فهم الانسان ، وتغير ادوات فهمه
وانتاجه المعرفي ..
فالعصرنة في زمن ما ، تصبح بالية لتحل محلها عصرنة جديدة ، وهكذا فالحياة في تطور دائم ، وما هو جديد اليوم سيصبح قديما غدا ..
العصرنة تعني الحداثة ، أو تجديد القديم في المجالات الثقافية والفكرية والعلمية وتحديثها ..
لقد احدثت التكنولوجيا ثورة في المجالات
كافة ، وأثرت على مسارات التطور في العالم ، الثقافية والفكرية والمجتمعية ، والمطلوب من الجميع التكيف مع هذه التطورات وإلا سيبقى الجميع في الخلف ، وتكون هذه المجتمعات والدول ضعيفة متخلفة تسوقها الدول المتقدمة . ولذلك اصبح للعصرنة أثر كبير وبارز في حياتنا اليومية واصبحت ضرورة موضوعية لا بد منها ، والوقوف بنحو جدي عند حيثياتها ،
لما لها من دور كبير في حياتنا ..
لقد اختلف المفكرون العرب بين ساع الى العصرنة والتجديد والحداثة ، من اجل النهوض للامة العربية واللحاق بالركب الحضاري والعلمي ، وبين واقف بالضد من ذلك ، منطلقا من انه لا يجوز للعربي ان يتخلى عن تراثه وينسلخ من ثقافته ، لانه اذا فعل ذلك ، ستستأصل جذوره وينفصل عن حقه التاريخي ..
لكن ذلك لا يتناقض ابدا مع اخذ النفيس من تراثنا والحفاض على ثوابتنا واللحاق في الوقت نفسه بعالم العصرنة ..
وهل يمنع أن يواكب التراث والدين الحياة ويتفاعل مع تطوراتها ؟؟
ومن دون ذلك سنجعل التراث والدين خارج الزمن وحركة الانسان .
لماذا نشعر بالخوف من العصرنة والتجديد
كوننا نعدها تتضارب مع عقائدنا وموروثاتنا
التي اصبحت مقدسة مع مرور الزمن ، واذا كانت هذه العقائد والموروثات ما عادت تتماشى وروح العصر ، هل نبقى حبيسي
تلك الموروثات والعقائد ؟؟ هل نبقى نجتر بالماضي السحيق والقريب من دون ان نخطو خطوة واحدة اتجاه المستقبل والتعامل الحضاري مع ما وصلت اليه البشرية والامم الاخرى وسبقتنا في كل شيء ..
هل لدينا الامكانيات لتحقيق ذلك والسعي
الى التجديد والابداع ؟؟
نعم لدى الامة العربية من الامكانات المادية والبشرية ومن طاقات علمية خلاقة بامكانها
فعل المزيد اذا اتيحت لها الحرية والعمل دون قيود تكبلها وتكبل طاقاتها ، هذا يحدث كله ، اذا توفرت للبلدان العربية سلطة سياسية متحضرة تسعى الى التجديد والعصرنة ، وهذا من الممكن ان يحدث اذا ما توفرت قيادات شابة تؤمن بالتجديد والتطور الحضاري ، لقد ابتلت الامة العربية بقيادات واحزاب ومنظمات مجتمع مدني جميعها شاخت ، وتكررت علينا الوجوه نفسها ، دون تغيير ، على سبيل المثال ، لبنان تتكررفيه الوجوه والاحزاب نفسها ،منذ اكثر
من خمسين عاما ..
وكذلك في مصر والعراق وسوريا وهكذا بقية الدول العربية ، وهذا ينطبق حتى على الدول المتقدمة ، وهذه امريكا ليس فيها سوى حزبين ( الديمقراطيون ، والجمهوريون )
وجهان لعملة واحدة يتعاقبون على السلطة
وهنالك الكثير من الدول الاوربية تنحو المنحى نفسه ، لقد ملت شعوب العالم من ذلك وبالاخص الشعب العربي ، فلدى الامة العربية فرصة تاريخية للتخلص من الوضع
السيء الذي تمر به ، من وهن وضعف وانتهاك صارخ لحقوقها المشروعة في الوحدة والتحرر ، وان تعيد النظر ببرامجها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية
وغيرها ( قبل فوات الاوان ) وبما ينسجم وطبيعة التطورات العلمية والفكرية التي حدثت …
وعلى جميع الاحزاب الثورية وغير الثورية
في الوطن العربي والعالم ، ان تجدد وتطور
وتبدع وتبتكر ما هو مناسب وينسجم مع ما افرزته الثورة التكنولوجية وان تعمل على ايجاد قيادات شابة يافعة تؤمن بالتجديد والعصرنة ، وتؤمن بالتطور وصولا الى الحداثة …
ان عملية التغيير المطلوبة هذه اصبحت ضرورة موضوعية للتخلص من واقع الحال الذي يعيشه الشعب العربي وحتى الانسانية
إن اصحاب العقول المتخلفة والمتحجرة
اوصلونا الى الحضيض ، اصحاب تلك العقول الجامدة الذين لايستوعبون ما يجري من حولهم ، ويقفون امام التطور والتجديد
حتى يحافظوا على مواقعهم التي تعطيهم
دعما اجتماعيا وسياسيا ومكاسب لا يستحقونها …
إني في هذه المقالة أدعوا جميع الاحزاب والمنظمات والافراد أن تعيد النظر بقادتها
وممثليها وسياساتها وافكارها ومنطلقاتها
وان تعتمد على الشباب وعلى العلم والعقول النيرة في بناء اوطانهم .. فكما يقول برنارد شو ( ما أجمل النظافة ولكن ما أعظمها عندما تكون في عقولنا ) !!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى