لم ولن تنفع سلطات الاحتلال وعملائها قدسيتهم وتقديسهم لعمليتهم السياسية القذرة، ليس لأنها عملية ٌ فاشلة بامتياز حسب. بل هي لأنها أصل المشاكل، في حياة العراقيين منذ احتلال العراق نيسان 2003، وفي حياة أجيالهم القادمة كذلك. فهي مصدر جميع المصائب والمآسي والمآتم والحرائق التي ذاق مرارتها كل شارع في كل مدينة وقرية من هذا الوطن السليب.
ومنذ بداية العملية السياسية القذرة شهد العراق عصر المفخخات والاغتيالات وعرف العراقيين لأول مرة نظام المحاصصة سيء الصيت، وهيمنة النهج الطائفي العنصري الثأري التهميشي الانتهازي للمجموعة الرئيسية الحاكمة من أحزاب الدين المسيس وميلشياتها، وكذلك من أحزاب المعارضة العراقية الأخرى المتشاركة معها.
لقد جيشت العملية السياسية القذرة مئات الالاف من العاطلين الذين همشهم دهاقنة حكومات الاحتلال المتعاقبة، المدفوعين بالحقد الطائفي والعنصري والمندفعين، طلبا للانتقام ولإثبات الوجود أو الارتزاق، ناهيك عن شجعيهم بل وحرصهم على استيراد الإرهابيين من الدول الأخرى.
ان حرص المحتلين على خلق هذا الكيان السياسي لنظام ولد ميتا ، الذي يعتاش على خلق بؤرة الانقسام الشعبي الطائفي والقومي والمناطقي دفع دول الجوار لاسيما نظام الملالي في ايران إلى اللعب الحر بالعراق والعراقيين لتعميق الانقسام في صفوفهم، فمدت هذا الفريق، وخصمَه أيضا، بالسلاح والمال والمتطوعين، لحسابات حاقدة، مدعية كذبا انها تعمل على تركيع أمريكا وإغراقها في الوحل العراقي، الا ان حقيقة الامر تكمن في ان نظام الملالي كان يؤدي دورين مزدوجين احدها لخدمة أهدافه الانتقامية من العراق بعد ان تجرع السم على يد العراقيين في حرب الثمان سنوات ناهيك عن تحقيق مطامعه التوسعية إضافة الى تبرعه بتقديم خدماته لدولة الاحتلال الأولى الولايات المتحدة الامريكية في اطار سياسة التخادم بين طرفين احتلال العراق.
ومنذ احتلال بلدهم لم يشهد العراقيون طعم الراحة والاستقرار. ولسان حال واقعهم يؤكد انهم ينتقلون من خراب إلى خراب. ومن اقتتال إلى اقتتال. وحتى حين وضعت حروبهمُ الطائفية اللعينة أوزارها، وانخرط الأعداء الألداء في ما سمي بحكومات الشراكة (اللا وطنية) لم يتوقف القتل بالمفخخات، ولا السرقة ولا الفساد ولا تزوير الشهادات.
أما ما يسميه أصحاب الشراكة اللاوطنية كذبا وبهتانا بـ (الديمقراطية الوليدة في العراق)، فليست سوى حالة فوضى دعائية وحزبية ومليشياوية وتهريبيه وتزويريه، وكذبة كبيرة يدفع العراقيون، كلـُّـهم، ثمنها الباهض، وسيبقون يدفعونه، إلى أن تسقط هذه العملية الفاشلة كلها، بدستورها وقوانينها ورئاساتها وبرلمانها الفاسد الفاشل.
هذه العملية السياسية الفاشلة حرمت العراق من الأمن والأمان، وأشاعت الفساد، ونشرت الجريمة، وأنتجت الإرهاب، وأوجدت وانعشت المليشيات المتطرفة، التي جعلت هدفها الاول المواطنين الرافضين للفساد والفاسدين، المطالبين بتوفير الحد الأدنى من الخدمات، هذه المليشيات وفرت البيئة المناسبة لسرقة المال العام، وتسترت على اللصوص والمرتشين والمختلسين، وفرطت بالسيادة الوطنية حين ارتضت بالتبعية لنظام الملالي، وسمحت للأميين والجهلة ومزوري الشهادات بأن يتقلدوا أعلى مراكز القيادة، فيكونوا وزراء وسفراء، وسخرت الدولة المتهرئة، بأموالها وثرواتها وجيشها وقوى أمنها وإعلامها ونفطها، لخدمة مصالح قادتها، ومحاربة من يخالفهم بالراي أو العقيدة.
ومن ابرز مشاكل العراق المحتل اليوم وغدا ان العملية السياسية الفاشلة باتت محل تساؤلات بسبب حرص القائمين عليها بتأييد ودعم امريكي على استنساخ التجارب السيئة من النظام الايراني الذي يمتلك تجربة سوداء في مثل هذه التجارب الاقصائية وإبعاد ملايين من العراقيين عن قصد في ان يكونوا جزءا من الحياة السياسية الناظمة في العراق.
ومن الملفت للانتباه مثلا ان كل حزب مشارك في العملية السياسية الفاشلة يمتلك ما يعرف بـ “مكتب اقتصادي” وظيفته جمع الأموال لصالح الحزب عبر المناصب الحكومية التي يشغلها أعضاء الحزب أنفسهم. ومن مهامهم التنسيق وعقد الصفقات خلف الكواليس لتقاسم المقاولات والاستثمارات مع الأحزاب الأخرى، وفقا لمسؤول كبير في الحكومة.
ان الأحزاب المنضوية تحت لواء العملية السياسية الفاشلة تتصارع أمام وسائل الدعاية حول ملفات الفساد السياسية والأمنية، ولكنها تبرم الصفقات المالية الفاسدة خلف الكواليس عبر هذه المكاتب. فكل المناصب الوزارية في الحكومة الاتحادية والمحلية في مجالس المحافظات تخضع للمزاد ويتم شراؤها بمبالغ مالية كبيرة.
ان عملية الفساد تتجاوز ذلك بكثير فالمسؤول الذي يتسلم منصبا يتعهد بالعمل لتمويل حزبه من خلال موازنة الدولة، عبر منح عقود الاستثمار الى شركات تابعة لحزبه، وكل الأحزاب تقوم بذلك، ولهذا لا يجرؤ أحد على الشكوى ضد الفساد في وزارات لا تعود له خشية ان تقوم الأحزاب الأخرى بفضح فساد وزارته.
لقد اثبتت تجربة خمسة عشرة سنة من عمر الاحتلال البغيض وتجربته السياسية الفاشلة عقم وفشل اساليبه
بمكافحة الفساد وردع اهله فالفاسد لا يمكن ان يكافح امثاله، ولذلك فأي حكومة تاتي ستكون عاجزة عن القيام بمهامها. وبرغم تورط عشرات المسؤولين في صفقات الفساد على مدى (15) سنة الماضية لم يتم إدانة اي مسؤول إلا بعد هروبه خارج البلاد، ومثلا فان وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني الذي تورط بالفساد لم تستطع الهيئة القبض عليه، وقبله وزير الكهرباء أيهم السامرائي ووزير الدفاع حازم الشعلان.إذ غالبا ما ينجح الوزراء ووكلاؤهم مثلا في السيطرة على مكاتب مكافحة الفساد الموجودة في الأصل داخل مباني تلك الوزارات.
ان الانكى من ذلك، تورط اغلب المفتشين في صفقات فساد حيث منعوا أجهزة قضائية ونيابية من التحقيق في ملفات فساد. الى ان تم تشريع قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، في اعتراف رسمي بفشلها في اداء مهامها.
أن مشكلة الفساد لا تقتصر على الحكومات المتعاقبة والوزارات الاتحادية بل حتى مجالس المحافظات المحلية فهناك مبالغ مالية هائلة صرفت خلال 15 سنة الماضية من قبل المجالس المحلية دون أن تحقق التنمية والتطور وواضح انها ذهبت الى جيوب الفاسدين فيها.
ان حديث بعض المتفائلين عن إمكانية نجاح سفينة عبد المهدي في اجتياز عواصف البحر السياسي في العراق تبدو واهنة وغير آمنة، فالذين يريدون الاشتراك في توجيه مقود هذه السفينة أو قيادتها، كثيرون وهم يتكاثرون منذ احتلال العراق عام ٢٠٠٣ حتى الآن، واتخذوا مواقع مدنية وعسكرية في أجهزة الدولة ومفاصلها المهمة. واغلب الظن ان عادل (زوية) كما يطلق عليه العراقيين نسبة الى ترديد اسمه مع حادثة سرقة البنك المشهورة لن يكتب لمهمته النجاح وانما (ان لم يستقيل) سيستخدم سياسة الترقيع كونه أضعف من ان يلوي أذرع القوى المهيمنة مليشياويا او التي أسهمت بدفعه الى واجهة الحكومة (سائرون) او الأكراد، الذين يدين لهم عبد المهدي كما هو معروف، بعلاقات سياسية قوية نافذة عليه وعلى قراراته، ومن كل ذلك يبقى عادل زوية اسير المحاصصة والفساد والفاسدين ولن تنفعه كثرة تقلباته السياسية فالماء التي يجب ان يجتازها غير صالحة للعوم فيها وحكومة زوية ولدت موؤدة ولن ينفعها وعود نظام الملالي وماكياج الإدارة الامريكية فالكل سينقلب على الكل ويبقى العراق وشعبه اسير العملية السياسية الفاشلة طالما لم تحرك قواه الوطنيه المخلصة ما مطلوب من جهد مدروس ومخطط ومنظم لاقتلاع هذه العملية الفاسدة قبل ان تأتي اكلها ويصبح العراق في خبر كان!!