الغلو .. آفة فتك وتدمير

الغلو ، ظاهرة مستمرة في تاريخ الامة ، فلم يخلو عصر من العصور من وجود فرق الغلو .. ولم نكن نحن اليوم بمنأى عن هذه الظاهرة ، فقد سادت مظاهر عدة من مظاهر الغلو ، وإن ما نشهده اليوم من ممارسات خطيرة ، أدمت قلوب الامة و إكتوت من أحداثها ، من تفجيرات وعنف وتكفير وقتل على الهوية والفقر والجوع والحرمان، كل ذلك يمثل مظهرا من مظاهر الغلو ، والتي حذرنا منها الدين الاسلامي
كما في قوله صلى الله عليه وسلم .. ( أياكم والغُلو في الدين ، فإنه اهلك من كان قبلكم ) ..
ويقصد بالغلو ، المصطلح الشرعي ، ويقصد به تجاوز الحد والحق في الشريعة ، ويعني ايضا التشددوالتطرف والافراط ، والغُلو ظاهرة موجودة في كل الأديان السماوية و في الايديولوجيات العلمانية وليس محددا بفئة دون اخرى .. والغُلو بمعنى مجاوزة الحد ، فكل من تجاوز الحد فهو غال ، ومن وجهة نظرنا أن الغلاة هم نوع من البشر الذين فقدوا كل ما يمت بالعقل والمنطق ، وقفلوا على عقولهم بما يؤمنون به من أفكار ومعتقدات ، مما اعمى بصيرتهم ، وتجاوزوا حدود المعقول …
كما ان عكس مفهوم الغلو هو الجفاء ، والجفاء هو التفريط بالشيء والغُلو هو الإفراط به ، .. والغُلو أسلوب خطر ومؤذي جدا للفرد و للجماعة ، وهو بمثابة إنحراف خطير وتشويه كبير في الفطرة الانسانية ، كونه يقوم على التزمت في فهم النصوص الشرعية دون الاستفسار من أهل العلم والمعرفة ..
إن التزمت والتعصب والتطرف في فهم النصوص الشرعية ، السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، وما يترتب على ذلك من التمسك لرأيه وفهمه .. سيقود المتعصبين والمتزمتين والمتطرفين القيام بأعمال إفسادية ، من قتل وترويع وارهاب الناس ، نصرة لرأيهم الذي نتج عن مغالاة في فهم تلك النصوص .. لذلك يعتبر الغلو هو تجاوز الحد والافراط في أمر ما ( دينيي ، مذهبي ، اجتماعي .. الخ ) الى الحد الذي يخرج فيه الشخص عن الحق ويدخل في دائرة الباطل والخطأ… وعلينا بنفس الوقت ان نميز بين الغلو والتطرف رغم التقارب الكبير بين المفهومين ، لذا يمكننا القول ان كل غلو هو تطرف وليس كل تطرف غلو
والتطرف يؤدي الى إغلاق كل منافذ العقل
ويقود الى جموده بحيث يكون تفكيره ونظرته للامور محصورة باتجاه واحد ، وهذا يدفعه الى حالة نفسية تضطره الى ممارسة العنف واستخدام الاٍرهاب الفكري وغير الفكري ضد كل من يخالف
معتقده .. والتطرف يمثل الفعل المتعمد
في تجاوز حدود ما هو متعارف عليه في مجتمع ما. .. ومن المعروف هنالك نوعان من الغلو ، الغلو الاعتقادي ويعني الغلو في الأنبياء والأولياء الصالحين ، وفِي الأحزاب والجماعات العقائدية ، والغُلو العملي هو الزيادة والافراط في العبادة
وفِي كلا الحالتين يعني التطرّف في فعل متعمد وتجاوز حدود المعقول ..
ومن الأسباب التي تؤدي الى الغلو والتطرف ، الجهل والتخلف ، والعلاقات المضطربة بالوالدين ومع المجتمع ، والتفسير الخاطيء للاحكام الشرعية والنصوص القرآنية ، وكذلك سوء مناهج التعليم ، والاضطرابات النفسية والذهنية ، والجانب المادي ، وضعف الخطاب الديني التنويري المعتدل ، وهنالك أسباب نفسية كالأحباط والفشل وخيبة الأمل من الواقع ، والكراهية المطلقة وضعف النفس ، وانعدام الأحاسيس والمشاعر ، مما يجعل صاحبها منفصلا فكريا وجسديا ، وتكون جميع تصرفاته وممارساته بعيدة عن التفكير المنطقي والعقلاني ، وتكون حبيسة الفكر الذي اقتنع به وآمن به ، ولا يتفهم حقيقة ما يرى وما يسمع وما يقرأ أي عدم ادراك الحقيقة التي هو بعيد عنها كل البعد ..
وهذا ما يجر الى التعصب للرأي وعدم الاعتراف برأي الآخرين …
هذا ما يسهل تلاعب الجهات المخابراتية الدولية بحركات الغلو ، كوّن سمة الجهل وقلة الخبرة والتعصب لفرقة دون غيرها ، جعلت من السهولة أن يتم التلاعب بهذه الحركات لتمرير مصالحها
كما حدث تماما في العراق ، وسوريا ولبنان واليمن وليبياوغيرها من الدول العربية .. حيث تمكنت ايران من التغلغل بسهولة والسيطرة على مقدرات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية ، واصبح وجودها بمثابة احتلال ، مستغلة المسألة الطائفية استغلالا كبيرا لتهشيم النسيج الاجتماعي
ونشر الغلو وتعميقه من خلال ممارسات طائفية ظلامية متخلفة ، كاللطم بأشكاله المختلفة ، ومسح احذية الزوار ، اخذ المراد من الصينية المقدسة والتركتور الخردة .. الخ. والغُلو في الاولياء الصالحين ، والتطرف والغُلو في حب آلِ البيت ، والغُلو في إطاعة المراجع الدينية
( الإطاعة العمياء ) ، دون ادراك الأهداف الحقيقية لهؤلاء ، ولمصلحة من يعملون ،
إن ما يجري في العراق من غلو ، فاق تصور البشر ، بحيث أصبحت الخرافات والكذب والدجل والنفاق والفساد بكل أنواعه ، والتصفيات الجسدية والتهجير القسري ، واحتجاز الرهائن ، والاغتيالات السياسية والتمثيل بجثث القتلى ، وغيرها من الاعمال المشينة والتي تندى لها جبين الانسانية ، وهي الحالة السائدة والشائعة في حياة العراقيين ، وجميع هذه الأفعال تعمد على تشويه الدين الاسلامي ، وكل ذلك يحدث بأوامر من ايران وتنفيذ المليشيات الموالية لها ..
إن الغلو هو اخطر آفة ، واداة فتك وتدمير ، ووسيلة هدم وتخريب ، وتترتب عليها نتائج خطيرة على المجتمع ، كونها تقتل التنوع في المجتمع ، وتقضي على الإبداع الفردي والجماعي ، وتقف عائقا امام التنمية وتطوير المجتمع وتقدمه ،
وهنالك تاثيرات خطيرة ، منها استغلال الدول الكبرى هذه العوامل ( الغلو والتطرف والارهاب) في التغيير القسرحي لانظمة الحكم ، كما حدث مع العراق !!؟
لقد وصل الغلو في العراق الى اقصاه وتجاوز الحدود كافة ، وعليه وكما يقال ( كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده)
وان الشعب العراقي سئم هذه الأوضاع الكارثية الجاثمة على صدره طيلة هذه السنوات العجاف ، سينقلب عليها عاجلا ام آجلا ، وان الغلو في نهاية المطاف
نار لا تأكل إلا أصحابها ..!!

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى