المبدعون العرب في اغترابهم.. شموع ضاوية!

رنا خالد

رغم انشغالات العالم، بالتصدي لوباء (كوفيد – 19)، وتداعيات انحسار الاقتصاد التي تلف الكرة الارضية، وانكماش الابداع في الفن والثقافة بسبب ذلك، نجد عطاءات المبدعين العرب، مستمر في مختلف اقطار العالم، وحين نطالع ما تنشره الصحف والمجلات الرصينة في المجالات الثقافية لاسيما في القصة والشعر والنقد نجد ان معظمها من مبدعين عرب مغتربين في شتى بقاع العالم.. فهل ان العقل الثقافي العربي، وجد نفسه متحديا لكسر الجمود الثقافي الذي اجتاح العالم، ام، هو انعكاس للجذر الثقافي الممتد عبر الزمن.

لقد توصلت الى قناعة، إن الأديب والإعلامي والمبدع في مناحي الحياة، يبقي ساميا، محلقا متحديا أية ظروف تحاول إعاقته، لان الإبداع أصلا هو مشروع تحدٍ لكل قيد.. والاغتراب اشد أنواع القيود! إن المبدع العربي آيا كانت مشارب إبداعاته، أعطي صورة، مفرحة، للشجاعة الإنسانية، فهو كتاب مفتوح، ليس في قلبه ركن مظلم يخفي فيه شيئا، ولم يحاول إن يخفف من غلوائه في الحب وتحدي المعوقات والوداد والعناد والكبرياء والالتصاق الانساني، فالأمل الذي يملأ قلب المبدع العربي وهو آمل بمثابة نور أقوى من كل الجراح والمصاعب وضربات الزمن.

 والكلمة التي يكتبها الأديب العربي تمر بميلاد صعب دائم لا يصيبها العجز ولا تهزمها الأيام والسنين لان الكتابة المبدعة هي مبكى الأديب، وهي أفق حياته، وتلك لعمري إحدى ميزات الأديب العربي في وطنه وفي غربية. والمتابع لما يسّطره المبدعون من كتاب وشعراء وفنانين في الغربة، يلمس أنهم مرهفو الحس بشكل عجيب، ومتقدو الخيال، مشوبون بالعاطفة، ويتمتعون بخاصية فطرية صلبة، تلتقط حوادث ومصائب العالم، وتسجلها بعيون متنبّهه ونظرة ثاقبة، وملاحظة كاشفة، تبّصر الجميع بمعني الحياة وغاية الوجود، وتنفذ في دقة وعمق إلي جوهر الأشياء.

إذا.. المبدعون العرب يؤكدون في غربتهم، أنهم نوابغ من طراز خاص والنوابغ يمقتون الضعف ويكرهون الدموع وتأسيسا على ذلك كان شعارهم: ليس هناك أعظم شيء في الدنيا من بناة قلاع الامل والمبدعون العرب هم هؤلاء البناة.. المبدع العربي المغترب وجدته أنسانا متفائلا برغم قسوة الاغتراب، تفكيره يسبق ألمه، وخطاه أوسع بكثير من خطي السائرين على رمال الحياة، أحلامه بلا حدود، ولعل ميزة هذا المبدع، انه تنبأ بأن الظلم لا ينتج حرية، وان الحرية والعدل قرينتان، وقد اخذ المبدع بهذا الشأن بشعره ورواياته ومقالاته.. الخ

وبعيدا عن ذلك الشعور الإنساني، الذي نعيش تحت ظلاله حاليا، أجد إن الأدب في الاغتراب شبيه بالأدب في كل مكان، عطاء دائم وإنتاج وإرسال وتأثير وخلق وإبداع.. أنه عملية تصوير وتغيير وتوعية وهدم وبناء وتجديد وتطوير وإثراء. لا عملية احتواء وامتصاص للرؤى المختلفة.. وباختصار شديد أقول: لا شك أن الاغتراب اخذ الشيء الكثير من كينونة ومشاعر ونفسيه المبدع العربي، لكنه أعطى له الشي الكثير أيضا.. أعطاه الصدمة لكي يبحث عن مجالات إبداع ذات مديات عالمية شمولية أوسع.. انه، قدره الذي عليه مواجهته بالصبر والارادة وبعطاء ثر لا يعرف الحدود، ومثلما لا يعرف العافية إلا من فقدها، فأن قيمه الأوطان لا يعرفها إلا من تشّرد.. منها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى