المخدرات تفتك بالعراق

المخدرات مادة نباتية ام كيماوية مصنعة تؤثر على خلايا جسم الانسان وتؤدي الى نقص المناعة عند البشر، وتحتوي على عناصر منومة أو مسكنة والتي إذا استخدمت لأغراض غير طبية المعدة لها، فإنها تصيب الجسم بالفتور والخمول وتشل نشاطه كما تصيب الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي، وان كلمة (مخدر) تعني على كل ما يفتر ويسترخي العقل ويغيبه وان المخدرات تؤدي الى النعاس والنوم وغياب الوعي. وللمخدرات أضرار طويلة الأمد بخاصة بين الشباب ولها اضرار جسيمة على الفرد والعائلة والمجتمع وعلى الدولة.

وأن الاستخدام المتكرر لهذه المواد، سيؤدي بالنتيجة الى حالة من التعود أو ما يسمى بالإدمان.

فالإدمان هو الحالة الناتجة عن استعمال مواد مخدرة بصفة مستمرة، بحيث يصبح – الانسان معتمداً عليها نفسياً وجسدياً، وبهذه الحالة فالإنسان يحتاج الى زيادة الجرعة من وقت الى آخر ليحصل على التأثير نفسه، ويستمر بمضاعفة الجرعات حتى تصل الى درجة تسبب له أشد الاضرار بالجسم والعقل، فيفقد الشخص القدرة على القيام بأعماله وواجباته اليومية.

إن تعاطي المخدرات تعتبر ظاهرة عالمية، ومن أكبر المشكلات التي تعاني منها دول العالم وبنسب متفاوتة وحسب قدرة أي بلد في إمكانية محاربة المخدرات والحد من هذه الظاهرة الخطيرة والتي تكلف البشرية الكثير من الأرواح تفوق ما تفقده جراء الحروب، طالما يستمر التعاطي بها والذي يقود الى الإدمان.

ويصبح سبل علاجه صعبة ومعقدة، وبما لها من اضرار جسيمة على النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهذه المشكلة تشمل جميع شرائح المجتمع.

للمخدرات أنواع عديدة ومختلفة وحسب اللون والشكل والتأثير وحسب طرق انتاجها والمتخصصون بالمخدرات يتمكنون من معرفة كل صنف من هذه الأصناف ولكل صنف منها سعره الخاص به. وتتفاوت أنواع المواد المخدرة في درجة تأثيرها وطريقة عملها على الجهاز العصبي للإنسان ونذكر اهم أنواع المخدرات والمتداولة لدى المجتمعات وكما ذكرنا أنواع المخدرات كثيرة واشكالها متعددة وهي خطيرة سواء ذات مصدر طبيعي (القات، الافيون، المورفين، الحشيش، الكوكايين وغيرها) أو ذات المصدر الاصطناعي (الهيروين، والامفيقانيات وغيرها) وايضاً الحبوب المخدرة ويعتبر الفينتانيل (fentanyl)، وهو مخدر صناعي أقوى نوع مخدرات في العالم وهو شبيه بالأفيون وهو اقوى من الهيروين. ومن المواد المهلوسة مثل (L.S.D) وهنالك المخدرات المهدئة والمنشطة والمخدرات المستنشقة (العطرية) مثل الصمغ وغيرها.

يُعد تعاطي المخدرات من أخطر الآفات التي تعاني منها المجتمعات في عصرنا الحالي، فقد انتشرت بشكل مخيف في الآونة الأخيرة. وأصبح انتشارها يشغل العالم اجمع، مما لها من آثار تدميرية على المجتمعات وتشكل عاملاً رئيسياً في الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والأمنية والسياسية.

مما حدى بالدول إلى بذل الكثير من الجهود لمحاربة انتشارها لما لها من تأثير مباشر على الفرد والمجتمع.

ومن الواضح جداً ان ما يعانيه الانسان من ضغوط الحياة والمشاكل المعقدة التي يعاني منها كمشاكل البطالة والفقر والمرض والعوز والامن تدفعه للهروب من هذه الضغوط وهذا الواقع المزري الذي يعشه الفرد، فيحاول الهروب وتجنب الحياة من تلك المشاكل والضغوط بتغييب العقل، ويكون اعتماده وتوجهه الى المواد المخدرة او الكحول مما يتصوره أنه مخرج لازمته التي يعاني منها.. واحيانا يكون البحث عن السعادة المفقودة سبباً رئيسياً للإدمان.

إن الإدمان على المخدرات يؤدي الى حدوث اضرار بالغة على صحة الانسان وبشكل خاص على قواه العقلية والجسمانية ومن ثم على نشاطه العام حيث يتحول الشخص المدمن على المخدرات الى عبء على نفسه وعلى اسرته وعلى المجتمع ككل.

فمن اهم آثار المخدرات على الانسان هو ما ينتج عنها من غياب للعقل واضطراب الادراك الحي والتي تؤدي الى مضاعفات نفسية مثل تغيير الشخصية والتدني في الأداء الوظيفي والمعرفي وهناك اعراض ذهنية مثل لاشعور باللامبالاة وفقدان الحكم الصحيح على الأشياء، وانخفاض المستوى الذهني والكفاءة العقلية، مما يجعل من هذا الانسان معطلاً تماماً عن أداء واجباته المجتمعية والقيام بما هو مطلوب منه داخل المجتمع لذا سيكون عالة على نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع، وسيكون أنساناً فاشلاً خاملاً لا فائدة منه بكل الأحوال.

أن تفكك العائلة يؤدي بالنتيجة الى تفكك المجتمع كون الاسرة تمثل النواة الأساسية التي تبنى عليها المجتمعات. أن آثار المخدرات السلبية آنفة الذكر على الفرد واسرته إذا تكرر حدوثه في مجتمع ما سيولد مجتمع ضعيف غير مترابط قليل الإنتاج معدوم الامن تشاع فيه الجريمة والافعال الفاحشة ويعم فيه الفساد المالي والإداري كما موجود الان في المجتمع العراقي.

ومن آثار المخدرات مجتمعياً، فأن الإدمان على المخدرات يعتبر من اهم العوامل لانتشار البطالة وانشتار الجرائم، كما بينت دراسة قام بها (المعهد الوطني الأمريكي لدراسة الإدمان). أن (70%) من السجناء في أمريكا كانوا يتعاطون المخدرات وبشكل منتظم قبل سجنهم، وسبب الإدمان على المخدرات كثرة حوادث السرقة والقتل.

وكما ذكرنا ان المخدرات أثرت على صحة الفرد النفسية والبدنية وغيرت من طريقة تفكيره وسلوكياته، ولم تقتصر اضرار المخدرات على الفرد بل امتدت لتشمل الاسرة والمجتمع بأسره، مما يعني خطر شيوع الفساد الأخلاقي والعنف والجريمة.

إن الشخص المدمن على المخدرات لا يفسد حياته فحسب بل يفسد حياة اسرته ايضاً، فهو يستنزف مالية الاسرة، كون المدمن ينفق اموالاً كثيرة للحصول على المواد المخدرة، وقد يفقد وظيفته بسبب الإدمان أي يفقد دخله ويبقى من دون مصدر للعيش فيعتمد على المساعدات من الاسرة، وهذا ما يؤدي الى خلق مشاكل عديدة داخل الاسرة الواحدة، مشكلات عاطفية وإنسانية ومشكلات اقتصادية حتى في كثير من الأحيان تؤدي الى انهيار الاسرة بكاملها.

وحسب تصريح نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، فأن حالات الطلاق ارتفعت خلال الأشهر الثلاث الأولى من العام الحالي (2023)، حيث وصلت الى أكثر من (19) ألف حالة طلاق، ويعزى ذلك إلى البطالة والفقر وكذلك الإدمان على المخدرات. وبنفس الوقت تؤثر المخدرات على الأداء الاجتماعي، وتخلق عبئاً على المجتمع بكامله، وذلك من خلال الحالات النفسية والعقلية وغياب العقل وعدم الاستقرار والتشرد الاسري وزيادة نسبة الطلاق وزيادة الحوادث بمختلف أنواعها، وهذا ما يؤدي الى قلة الإنتاج في المجتمع ويؤثر ايضاً على إنتاجية الفرد داخل المجتمع ويؤدي الى مشكلات مالية وارتفاع معدلات الانتحار ومعدلات الجريمة والقتل وارتفاع نسبة البطالة.

كل ذلك سيربك المجتمع ويؤدي الى إنحلاله وتفككه وسيكون المجتمع عاجزاً عن القيام بما مطلوب منه في تلبية الحاجات الأساسية لرفاه المجتمع وتطوره.

أما بالنسبة للأثار الاقتصادية للمخدرات، فأن أضرارها على الاقتصاد والتنمية تتمثل في ان الاتجار بها والانفاق الدولي المترتب عليها، يهدد الاقتصاد العالمي برمته حيث بلغ حجم الانفاق على تجارة المخدرات نحو (900) مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ ضخم جداً، لو كان قد وجه الى أغراض تنموية لمصلحة الإنسانية وخاصة الدول الفقيرة التي بأمس الحاجة الى ذلك.

أن تأثير المخدرات لا يتوقف على عقل الشخص المتعاطي وجسده بل تأثيرها قد يؤدي الى هدم بيوتٍ واقتصاديات دول بأكملها.

كما نعلم ان الإدمان او تعاطي المخدرات هو من أخطر الآفات التي تؤدي الى انهيار كل شيء داخل المجتمع، والى جانب الاثار والاضرار الاجتماعية والصحية للمخدرات، فأن الاثار المالية للإدمان تؤثر على ملاين الأشخاص حول العالم ومنها زيادة تكلفة نفقات الرعاية الصحية والطبية، وهذا يؤدي الى تردي المدخول المادي للأسرة، فضلاً عن انخفاض كفاءة الأداء في العمل، وتفشي السلوكيات السيئة التي تؤثر سلباً على الثروة الاسرية الى جانب ارتفاع نفقات رعاية الأطفال، وستزيد من النفقات الضرورية لحياة الاسرة بشكل خاص مما يثقل كاهلها، ويجعلها تعاني كثيراً من الفاقة وتوفير الدخل الكافي كي لا تعيش دون حد الكفاف. وكل ذلك يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على اقتصاديات الدول التي تنتشر فيها المخدرات كون تهريب المخدرات يؤدي الى زعزعة في الاستقرار الاقتصادي ويؤدي الى انكماش الاقتصاد، على العكس من التصور ان الدخل المتولد من الاتجار بالمخدرات يساعد على التنمية الاقتصادية.

من المعلوم ان إنتاجية الفرد هي الأساس للنهوض باقتصاد أي مجتمع، وبما ان للمخدرات اضرار بالغة على القدرة العقلية والمهارات الفردية والإمكانات العملية والعلمية، الامر الذي ينتج عنه تداعيات اقتصادية ومسؤوليات مالية كبيرة، فعلى سبيل المثال الانفاق الحكومي على مكافحة المخدرات وانخفاض إنتاجية العمل وانتشار البطالة، سيؤدي الى انخفاض في الدخل العام.

وكذلك انخفاض في مستويات الإنتاج بشكل يضر المجتمع وهذا كله سيؤدي الى انتشار الفساد المالي والإداري وزيادة نسبة الجريمة وانتشار ظاهرة غسيل الأموال بسبب الأرباح غير المشروعة التي تجني من تجارة المخدرات والتهرب الضريبي، مما يؤثر سلباً على التعاملات المالية المشروعة.

من المعروف أيضاً ان أي تنمية اقتصادية تعتمد على العديد من العناصر أهمها الموارد المادية والموارد البشرية فضلاً عن الإدارة الكفؤة وغيرها من العناصر، فالمخدرات تستهدف إذن اهم العناصر الإنتاجية، والعنصر البشري هو الأساس في العملية الإنتاجية، وهو الهدف والوسيلة لأي تنمية اقتصادية، فكيف سيكون الحال عند تغييب عقول قوة العمل وشلها تماماً من أداء واجباتها في عملية التنمية وتطوير المجتمع. كما أن تأثير المخدرات على الموارد البشرية أي قوة العمل كبيرة وخطيرة بحيث تهدد النشاط الاقتصادي، هذا إذا علمنا ان تعاطي المخدرات سيؤثر بنحو مباشر على دخل الفرد مما يؤثر على حالة أسرته المادية كما يؤثر على الصحة العامة في المجتمع وهذا سيؤدي الى انهيار جسم الانسان واختلال تفكير المتعاطي للمخدرات وكثرة شروده وغيابه عن عمله وذلك كله سيؤدي الى انخفاض إنتاجية العمل داخل المجتمع وهو ما يؤدي بدوره الى تعرضه للطرد من العمل. الامر الذي سيقود الى زيادة نسبة البطالة.

أن المخدرات من الوسائل الهدامة داخل المجتمع، وتدمير اقتصاده وجعله مجتمعاً عاجزاً عن الإنتاج وعن تنشيط الدورة الاقتصادية، ووسيلة يستخدمها الأعداء لتفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلد كما فعلت ايران في العراق حين انتشرت بعد الاحتلال ظاهرة المخدرات واقبال الشباب وادمانهم عليها. مما عطل اهم عنصر من عناصر الإنتاج وأكثرها فاعلية وهو قوة العمل.

وبنفس الوقت ان المخدرات والاتجار بها يستنزفان موارد الدولة من العملات الصعبة، وعلى العكس بالنسبة للدول المصدرة لها في السوق السوداء كإيران وأفغانستان، فهي تجني بها منها مبالغ ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، وعلى وجه الخصوص أفغانستان التي تعتمد اكبر منتج للمخدرات في العالم. وحسب وكالة مكافحة المخدرات التابعة للأمم المتحدة فأن زراعة الخشخاش في أفغانستان ارتفعت بنسبة (32%) لتصل الى (233) ألف هكتار وذلك في العام (2022).

وأكدت الوكالة ان الدخل الذي حققه المزارعون من مبيعات الافيون، تضاعف أكثر من ثلاث مرات أي من (425) مليون دولار في عام (2021) الى (1.4) مليار دولار في عام (2022). وتعد ايران ايضاً من أولى الدول المتاجرة بالمخدرات وهي تحصل على موارد جدية من العملات الصعبة وبذلك تتمكن من تمويل اذرعها في المنطقة رغم الحصار المفروض عليها.

مما تقدم يتضح ان المخدرات وسيلة هدامة تستهدف اهم عنصرين من عناصر الإنتاج وتعطل فعليهما في التنمية الاقتصادية، وتؤدي الى انهيار اقتصاد الدولة بسبب ازدياد التهريب وفقدان الكثير من العملات الصعبة وخروجها من البلد دون فائدة تذكر. وكما ذكرنا أن المخدرات تعمل على انخفاض الدخول وهو ما يعني إثقال كاهل الناس وازدياد إثقال تكاليف المعيشة وهو ما يضر بالاقتصاد الوطني برمته.

إن أشاعه المخدرات ونشرها في العراق هو عمل مدبر ومقصود يستهدف التنمية الاقتصادية للبلد وجعله بلداً مستهلكاً غير منتج ويكون الاقتصاد العراقي تبعاً للخارج وعلى وجه الخصوص ايران وهذا ما حدث فعلاً. وعلى هذا الأساس تعمل الكثير من الدول ادراكاً منها لخطورة انتشار المخدرات بكل قوة وتصل عقوبتها في بعض البلدان الى الإعدام كما كان الحال في العراق آبان الحكم الوطني قبل احتلاله، لكي تمنع هذا الوباء الخطير على المجتمع وتمنع الانهيار الاقتصادي.

اما بالنسبة للمخدرات في العراق، فبعد غزو العراق واحتلاله من قبل أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وايران عام (2003)، قامت قوات الغزو بتفكيك الدولة العراقية، وحل الجيش العراقي وقوى الامن، اصبح العراق وحدوده مفتوحة لمن هب ودب، وبسبب فقدان الامن وغياب الدولة، انتشرت ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق بين فئة الشباب خاصة. كما انتشرت عصابات تهريب المخدرات بشكل مقلق في المدن العراقية، وتحول العراق من طريق سالك للمخدرات الى مستهلك لها خلال العشرين سنة الماضية، حيث أصبحت تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق تنهش بجسد المجتمع، حيث تنتشر المخدرات وتباع وتوزع في المناطق الفقيرة في المحافظات وكذلك بغداد العاصمة، إذ تصل نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في المناطق الأكثر فقراً الى (70%) ونسبته (50%) في المناطق الأخرى. ان الاعداد المعلنة رسمياً للعام (2022) تمثلت باعتقال (14) ألف شخص بين متعاط وتاجر، بينهم (500) من النساء والاحداث حيث تقوم عصابات الاتجار باستغلالهم لغرض نقل المخدرات وتوزيعها. كما يتم تسهيل تجارة المخدرات في العراق بواسطة شبكات عشائرية تحظى بحماية مجموعات مسلحة قوية وبدعم من مسؤولين فاسدين في السطلة.

يعد الفقر والبطالة في العراق عاملين رئيسيين لانتشار المواد المخدرة، حيث هناك أكثر من (10) مليون شخص عاطل عن العمل ولا يملكون أي مصدر للدخل، علمناً ان الإدمان على المخدرات سيساعد هو الاخر على زيادة البطالة والفقر.

إن المخدرات الشائعة في العراق هي مادة الكرستال والكبتاجون، وهي مخدرات خطيرة جداً يمكن ان تسبب وفاة لمن يتعاطاها، بالإضافة الى انتشار الحشيش المعروف باسم (الماريجوانا) وكذلك الهيروين ولكن بنسبه اقل. وبنفس الوقت قامت السلطات العراقية بضبط أكثر من (400) ألف كيلو غرام من المخدرات بمختلف أنواعها وأكثر من (9) مليون حبة كبتاغون، وهذه الأرقام تدلل على حجم المخدرات التي يتاجر بها داخل العراق ناهيك عن تلك التي لم يتم ضبطها.

ان ظاهرة انتشار المخدرات في العراق بدأت تتفاقم حيث ان نسب التعاطي بالمخدرات بين شرائح الشباب بلغت مستويات عالية وخاصة فئة الطلاب في الجامعات والمدارس وكذلك العاطلون عن العمل، وفي هذا الشأن يؤكد الخبراء ان العراق على مر الأنظمة السابقة كان خالياً من المخدرات، ولكن بسبب ضعف الدولة وتهاونها بعد عام (2003) أدى الى انتشارها بشكل كبير.

إن الجهات العليا اكدت مراراً أن ما نسبته (50%) من الشباب يتعاطونها، بحيث أصبحت تجارة المخدرات في البلاد شيئاً مألوفاً وأصبح العراق غارقاً في المخدرات.

لم تعد المخدرات في العراق محصورة بما يهرب عبر الحدود من ايران تحديداً، فأنواع منها أصبحت تزرع محلياً ومنها زراعة الحشيشة والخشخاش، وفي مناطق متفرقة من بغداد. وتفيد تقارير أمنية عراقية بان المخدرات تزرع خصوصاً في مناطق ريفية بمحافظة واسط المحاذية للحدود مع ايران، كذلك بعض المناطق التابعة الى محافظة كربلاء بالإضافة الى الحلة وميسان.

علماً أن هناك مصانع كثيرة للكرستال في العرق أهمها في البصرة وميسان وان الخبراء يحذرون من ان مخدر الكرستال المصنع محلياً اشد خطورة من المهرب الى البلاد، إذ ان نسبة المواد الصناعية فيه مرتفعة جداً وهي ذات سمية عالية جداً.

ويؤكد رئيس كتلة نيابية في البرلمان العراقي، عن وجود معامل لصناعة المخدرات تابعة لجهات حكومية متنفذة تعمل على تعزيز مصالح الأحزاب الإسلامية، حيث تقوم هذه الأحزاب بصناعة المخدرات وتهريبها. ويشير رئيس الكتلة ان هذه المعامل معروفة ومشخصة لدى الكثير من الأجهزة الأمنية، لكنها لا تستطيع ان تقترب منا لان هذه الأحزاب تمتلك مليشيات مسلحة وجيوش تسيطر على مجموعة من الوزارات ولا تستطيع الحكومة محاسبتها كونها تمتلك مناصب عليا في مفاصلها.

إن معامل صناعة المخدرات هذه وخاصة مادة الكرستال ليست موجودة في مناطق نائية، بل موجودة داخل معسكراتهم الحزبية في محافظتي البصرة والديوانية وكذلك في جرف الصخر، وتعد هذه المعسكرات جزءاً من مجمعات اقتصادية محصنة لا يمكن لأي شخص الدخول اليها او الخروج منها الا بموافقة خاصة منهم.

ومع تزايد تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق سُجلت زيادة بنسبة الجرائم الجنائية التي تحصل ويكون مرتكبوها متعاطين للمخدرات، بحسب ما تعلنه الأجهزة الأمنية.

كما سُجلت جرائم نوعية غير مسبوقة في العراق الا ما ندر مثل قيام احد الأشخاص بقتل عائلته وحرقهم، وحتى حالات انتحار، سجلت بعضها لاشخاص كانوا يتعاطون المخدرات. وسجل العراق اعلى معدل ارتفاع لجرائم القتل خلال عام (2022) بنسبه سنوية تصل الى اكثر من (12%) لكل (100) الف شخص، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي وايران وتركيا، كما سجلت وزارة الداخلية اكثر من (5300) جريمة قتل خلال شهر تشرين الأول من عام (2022).

فالعراق يواجه آفة المخدرات التي ستدمر البلد سياسياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً، والتي قادت الى زيادة أعداد القتلى والمعتقلين وتفكيك المجتمع، حيث دخلت القوات الأمنية العراقية في مواجهة مسلحة مع احد تجار المخدرات بمحافظة المثنى واستمرت لاكثر من عشر ساعات اسفرت عن مقتل عدد من الطرفين، وتتواصل مثل هذه المواجهات والمصادمات المسلحة بين رجال الشرطة وتجار المخدرات لحد الان.

كما تم تسجيل اكثر من (1000) جريمة قتل في العراق خلال عام 2021) واغلب الجناة مدمنو مخدرات.

وشهد العراق منذ مطلع العام الحالي ولغاية الان (11216) جريمة احتيال، كل ذلك يعطينا انطباعاً عن وجود انفلات أمني بسبب ضعف الأجهزة الأمنية التي لا تمتلك الحرفية المطلوبة لمواجهة آفة المخدرات فضلاً عن أن الذين يقومون بمثل هذه الاعمال اكثرهم مدعومون من قبل الأحزاب الإسلامية المتنفذة وميلشياتها المسلحة ومن بعض المسؤولين في الدولة.

وفي نفس الوقت فإن حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ عام (2003) والى يومنا هذا، هي حكومات تنفذ ما يطبه منها المحتلون وعلى وجه الخصوص أمريكا وايران اللتان تسعيان الى تدمير العراق وارجاعه الى ما قبل العهد الصناعي، ونهب ثرواته وطمس حضارته وتراثه، وتهجير أهله واحلال الغرباء بدلاً عنهم، ضمن خطة مدروسة بأحكام.

إن حكومات الاحتلال وخلال العشرين عاماً لم تمتلك أية رؤية سياسية واقتصادية، بل قامت بتدمير الاقتصاد العراقي وأنهت دور القطاع الصناعي في العراق وبلغت نسبة مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي (عدا قطاع النفط) (7%). وفي الوقت نفسه، فقد اهملت حكومات الاحتلال القطاع الزراعي بحيث ان نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز الـ (5%)، والشيء نفسه ينطبق على قطاع الخدمات. واصبح الاقتصاد العراقي يعتمد بالدرجة الأساس على وارداتنا من بيع النفط، وهذه الواردات توزع في الموازنة العامة للدولة الى نفقات تشغيلية أي تدفع منها الدولة الأجور والرواتب ومستحقات المتقاعدين وغيرها وبقية المبالغ تبدد.

ونتيجة لضعف هذه الحكومات وتبعيتها لإيران وامريكا وفشل سياساتها المتخبطة وتفشي الفساد المالي والإداري وفساد القضاء وعدم نزاهته وتدمير التعليم والصحة العامة للبلد وزيادة الامية والبطالة والفقر، كل ذلك أدى الى الوضع المأساوي الذي يعيشه شعب العراق من ظلم وتعسف وحرمان واهانة لكرامته. ما تقدم جعل شباب العراق يعيش في دوامة لا مخرج منها الا ان يلجأ الى ما ينسبه هذه المأساة، فالمخدرات بالنسبة له هو المخرج الوحيد الذي وجده لنسيان معاناته والابتعاد عنها.

إن تهاون حكومات الاحتلال في مكافحة المخدرات في العراق، وعدم القاء القبض على حيتان تجار المخدرات وهم معروفين لدى الأجهزة الأمنية يؤكد لنا أن هذه الحكومات ضالعة بما لا قبل الشك في انتشار المخدرات بين شباب العراق لأهداف سياسية واقتصادية إذ ان المخدرات وسيلة لإلهاء الشباب عن الواقع الفاسد الذي يعيشونه حتى لا يثوروا على هذا الواقع وبنفس الوقت فأن المخدرات وسيله سهله لكسب المال غير المشروع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى