الميليشيات الخطر القائم على الأمن الوطني

صباح نوري العجيلي

الفريق-صباح-نوري-العجيلي

المقدمة

تعيد الأحداث الجارية في السودان والأصطدام المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، الذاكرة والأنتباه الى موضوع الميليشيات و الحذر من مخاطرها على الأمن الوطني والقومي ، كون قوات الدعم السريع هي بالأصل ميليشيات الجنجويد التي قاتلت الى جانب الحكومة السودانية ضد المتمردين في أقليم دارفور في عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير ومن ثم جرى أحتوائها وتحويلها الى قوات شبه عسكرية سميت بقوات الدعم السريع والتي شاركت بالأنقلاب العسكري على البشير وصعود قائدها الميليشياوي محمد حمدان دقلو الملقب ب (حميدتي) الذي يحمل رتبة فريق اول الى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم وقاومت تلك القوات محاولات ضمها ودمجها بالقوات المسلحة السودانية.

أصبح مصطلح الميليشيات شائعاً في المرحلة الراهنة والأكثر تداولاً بالمنطقة العربية بسبب الظروف والصراعات السائدة لاسيما بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، وتمثل الميليشيات المسلحة تهديداً حقيقياً للدول والمجتمعات المستقرة وللأمن والسلم الأهلي والاقليمي، ينبغي الوقوف بجدية لتحديد تهديداتها ومخاطرها ووضع السبل الكفيلة لمعالجتها.

مقالات ذات صلة

 

ماهية الميليشيات

يعود التأصيل اللغوي لمفردة الميليشيا إلى كونها إحدى مفردات اللغة الفرنسية malice أو militia باللاتينية وتعني جندي أو رجل مسلح أو رجل محارب لقاء ثمن. وحسب معجم (Quicherat et Daveluy اللاتيني- الفرنسي ،1932 Paris ) فأنها : خدمة عسكرية، حملة مقاتلة، عملية عسكرية، حرب مرتزقة.

وفي عام 1590 ميلادي أستخدمها الناطقون بالانجليزية على أنها( Militia) ومنها انتقلت للتداول في العالم العربي بالقول ميليشيا. ولا أصل للمصطلح في اللغة العربية.

مصطلح الميليشيات من المصطلحات السياسية الاجتماعية الحديثة شائعة التداول في مجالات عدة، وله حالات متباينة ومعان أكثر دقة، فهو يعني تنظيم مسلّح شبه رسمي أو خاص مدفوع الثمن.

وهناك تعريفات عدة تتناول هذا المصطلح، أما الأختلافات فيتبع المدارس والتخصصات، ففي علم السياسة عرفت بالتنظيم العسكري غير النظامي الذي ينفذ أعماله حسب تكتيك حرب العصابات ضد قوات عدوة تفوقه عدة وعدداً، وضمن هذا التوصيف تصنّف حركات التحرر الوطنية والمقاومة المسلحة جميعها ضمن قائمة المليشيات المسلحة. وهناك مفاهيم آخرى هي اقرب إلى واقع حال المليشيات الطائفية والعنصرية والحزبية السائدة في الوقت الحاضر بالمنطقة العربية ومنها:

-المليشيا عبارة عن مجاميع مسلحة منظمة تمتلك هيكلتها الخاصة خاضعة لسلطة مركزية متدربة ومدعومة وموجهة تعبوياً لتحقيق مصلحة سياسية او طائفية او فئوية معينة.

– أذرع عسكرية لفئة سياسية أو دينية تخوض صراعا أياً كان دافعه أو أهدافه وحسب أجندة معينة.

 

وفقا لهذه المفاهيم فإن الميليشيات تعدُّ عملا عسكرياً غير قانونيا خارج عن إرادة السلطة الشرعية مكونة من مجموعات مسلحة ذات تأثير على المشهد السياسي والأمني للدولة كما هو الحال في حزب الله اللبناني والمليشيات الطائفية التابعة لإيران في العراق وسوريا واليمن.

وفي عالم اليوم أصبح مصطلح الميليشيات مرادفا عسكريا للخطاب أو البرنامج السياسي لأي مكون سياسي أو طائفي أو عرقي، وتعدّ نتيجة حتمية للتعدد الأثني والسياسي والقومي الموجود في مكونات أي مجتمع أنساني، وهذا يؤكد على فكرة مفادها أنّ الميليشيات تنشأ بهدف آيديولوجي عقائدي كما هو في حالة المليشيات في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

بعد هذا الاستعراض يمكن القول أن مصطلح الميليشيات عام يشمل كل من يحمل السلاح خارج منظومة الدفاع الرسمية للدولة سواء كانت لأغراض دفاعية وطنية أو دوافع حزبية وطائفية ، جوهر الخلاف حول مفهوم مصطلح المليشيات، مرتبط بتلك الرؤى المتباينة حد التصادم لما يمكن اعتباره نشاطاً يستوجب الإدانة، ومايمكن اعتباره كفاحاً مسلحاً مشروعاً يستحق الدعم والتأييد، وبالتالي فأن المليشيات كمصطلح عسكري من الممكن أن يتحول إلى مصطلح اجتماعي، ومصطلح عسكري اجتماعي، ينتج عنه سلسلة من الازمات الاجتماعية والسلوكية المتراكمة عبر الزمن.

ومصطلح المليشيات في جوهره سياسي عسكري اجتماعي يُطلق على المجاميع المسلحة ذات الهيكلية التنظيمية المحددة، والتي تتلقى تدريبًا عقائديا وعسكريا موجهاً تعبويا لتحقيق مصالح سياسية وحزبية معينة، وعادة ما تتشكل كأذرع عسكرية لفئات وأحزاب وجماعات سياسية أو دينية أو عرقية تخوض صراعا له أهداف ودوافع.

 

انتشار المليشيات

تنتشر الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان والصومال على مستوى الوطن العربي. ويتصدر العراق هذا المضمار من حيث عدد وحجم فصائل الميليشيات التي بلغت أكثر من 100 فصيل والتي أنتظمت في هيئة حكومية تسمى هيئة الحشد الشعبي والتي تأسست عام 2014 على أثر قيام تنظيم داعش بالسيطرة على مدن عراقية في الشمال والغرب، وتتكفل الدولة العراقية بدفع تكاليف التسليح والتجهيز والمتطلبات الإدارية للميليشيات من ميزانية الدولة وتلعب الميليشيات العراقية دور بالسياسة وتمتلك مقاعد وزارية في الحكومة الحالية.

باتت الميليشيات العابرة للحدود التابعة للنظام الايراني كالميليشيات العراقية واللبنانية والافغانية والباكستانية والحوثية، أحد اللاعبين الرئيسين وأطراف الحرب بالوكالة او النيابة كما يجري في سوريا، و يعدُّ النظام الإيراني المحرك الأساس للميليشيات الطائفية التابعة له والعابرة للحدود في منطقة الشرق الاوسط، كأداة لتنفيذ استراتيجية تصدير الثورة إلى الخارج ولتحقيق أهداف سياسية عبر استغلالها للمذهبية والشحن الطائفي، يقع في مقدمتها التمدد الإيراني والحلم القومي الفارسي في فرض الهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية تحت غطاء الدين والمذهب .

 

خصائص المليشيات

ممارسات الميليشيات تقع خارج اطار القانون العام لأي بلد في العالم، سواء تكونت على أيدي قوة سياسية أو اجتماعية أو دينية، أو أنبثقت عن انظمة رسمية حزبية، ونشاطاتها لاتقع ضمن القواعد النظامية أو ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، وقد تعترف بها الحكومات أحيانا للأستفادة من نشاطها الميليشياوي لصالح النظام والسلطة وليس العكس.

تنمو الميليشيات ويتوسع نطاق عملها في ظل الأوضاع غير المستقرة أوفي بيئة ملائمة ،سيما عندما تكون الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية ضعيفة وغير قادرة على بسط سيطرتها على البلاد، وهناك احزاب سياسية او دينية وطوائف تتصارع فيما بينها وتسعى لفرض هيمنتها على السلطة ومؤسساتها، كما هو الحال في العراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا والسودان.

تتصرف الميليشيات المسلحة فوق السلطة والأجهزة الأمنية وتوصف ممارساتها بالعدوانية ضد الخصوم وتستخدم القوة والعنف لفرض الإرادة السياسية على الاخرين، وعادة ما تنتهك ممارساتها القوانين وحقوق الانسان وترتقي أفعالها إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

تقاوم المليشيات أحتوائها او استيعابها من قبل الحكومات وتتشبث بالبقاء على سياقاتها ونهجها وتتميز بضعف أنضباطها وعدم احترامها للقانون والاوامر النافذة.

بمرور الزمن يتحول زعماء الميليشيات الى أمراء حرب ويمارسون التجارة وتهريب المشتقات النفطية والأثار والأسلحة ويقومون بمهام المرتزقة والقتل من اجل المال.

تعتمد الميليشيات أسلوب حرب العصابات وتسليحها وتجهيزها خفيف وتستخدم عجلات الدفع الرباعي في التنقل وحمل الاسلحة والمناورة بها في حرب المدن والشوارع.

 

مخاطر وتهديدات المليشيات

لقد أضحت الميليشيات في المنطقة العربية بالوقت الراهن تنظيمات وعناصر مسلحة، وواجهات سياسية ودينية ومصادر تمويل وبالتالي أجندات وأهداف، ومشكلة تزداد تعقيداً كلما استمر بقائها، وتتركز خطورتها بسبب قيامها بدور حيوي ومؤثر في الصراعات السياسية التي تلجأ لها اطراف الصراع لتحقيق اهداف واجندات عبر استخدام القوة المسلحة والتهديد بها .

وباتت ممارسات وأنتهاكات المليشيات في المنطقة العربية، ليست مجرد عمليات عشوائية يمكن أن تقوم بها عناصرها المسلحة بشكل فوضوي في زمن ما ومكان معين، إنّما هي نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي المعاصر وفي المستقبل القريب

اما المليشيات العابرة للحدود بخاصة الايرانية فقد أصبحت من الادوات الفاعلة للقتال بالوكالة عن الأنظمة والأحزاب التي صنعتها وتمولها وأصبحت لها القدرة على المناورة والأنتقال الى البلد المراد القتال فيه لصالح اجندة خارجية كما هو حال الميليشيات في سوريا ، فالمليشيات التابعة لايران والتي أصبحت ذراع طويل بيد المشروع الايراني تقاتل بالنيابة عن النظام وسياسته في صراعاته الاقليمية والدولية وتشكل تهديدا للأمن القومي العربي ولوحدة وسيادة وامن الدول والمجتمعات ونشر الفوضى والارهاب وسياسية العنف والقتل الطائفي والتغيير الديموغرافي وبالتالي أستنزاف قدرات الأمة .

تستنزف الميليشيات في الدول العربية التي تتواجد فيها ، طاقات وقدرات الشباب اليافعين بدلا من أستغلالها بالتنمية والعلوم والبناء وتحويلها إلى قدرات معطلة بعد الانتفاء منها ولايستبعد ان تكون مدخلاً للجريمة والارتزاق والانحراف.

ممارسات المليشيات وتصرفاتها في الوقت الراهن بالدول التي تعمل فيها بحرية ، فوق القانون والدولة وتشكل تهديدا جديا وحقيقيا للامن الوطني والقومي العربي والسلم الاهلي. وتساهم في حالة التشظي والتردي والضعف وأنتشار الفساد تدفع إلى مزيد من التفكك وبروز نظم شمولية مستبدة تستأثر بالسلطة والثروة والقوة كما هو الحال في الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003

وجود المليشيات الطائفية في المنطقة مدعاة لأندلاع الحرب الطائفية بين طوائف المجتمع ليس على مستوى دولة واحدة بل على نطاق العالم العربي والاسلامي، والتي ستماثل الحرب الأهلية بل ستكون أبشع بكثير من ناحية القتل والتدمير والتشريد، وذلك لأن حرب العقائد أصعب واخطر من انواع الحروب الاخرى.

وختاماً فالمليشيات الطائفية والعنصرية هي أحد ادوات القتل والتهجير الطائفي والتغيير الديموغرافي كما يحصل في العراق بعد 2003مستغلة الظروف الأمنية غير المستقرة والتي نشأت عن الاحتلال الامريكي ، وكانت ممارساتها الأجرامية تجري تحت أنظار قوات الأحتلال.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى