النفوس الضعيفة

إذا أردت أن تختار شخصا لتكليفه بمهمة قيادية ، في الدولة أم في أي حزب سياسي ، عليك أن تسأل عن شخصيته ، لان أهم شيء في الانسان شخصيته ، كونها دليل واضح له ، وتمثل هويته الخاصة به والتي تعبر عنه .. هل هو شخصية قوية أم شخصية ضعيفة ..؟
فالشخصية تعتبر مسألة أساسية عند أختيار قياداتنا ، وخاصة عندما تمر البلدان في ظروف صعبة ومعقدة ، كالغزو ، والحروب ،والكوارث ، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية ، وغيرها ، فإن أختيار قيادات كفوءة تمتلك قوة الشخصية وصاحبة القرارات التأريخية ، هي التي تكون قادرة على مواجهة التحديات ، وعلى العكس الشخصيات الضعيفة التي لا تمتلك تلك القدرات على مواجهة الظروف الصعبة التي تمر بها تلك البلدان.
تتشكل الشخصية عند الانسان ، منذ بداية نشأته ، ومعرفة المحيط الذي ترعرع فيه ، فإذا كان الفرد منذ طفولته ترعرع في بيئة متخلفة ، ولم يتعود على التعليم ،
سيؤدي ذلك الى ضعف ادراكه وشحة دائرة علومه ، وظيق مساحة ادراكه وخبرته ، ومساحة تفكيره ، وهذا سيؤثر بنحو مباشر على بناء شخصية غير متزنة وغير سليمة ، وإذا لم يتم تعليمه منذ الطفولة على مفهوم تحمل المسؤولية ، ولم يتم تشجيعه على الاختلاط بالآخرين والتعامل معهم ، ولم يتم صقل مواهبه ومهاراته ، ولم يتم تربيته تربية سليمة وصحيحة كي يتمكن من التصرف بعقلانية وموضوعية والتعامل مع الآخرين بأيجابية وتغلب العقل على العاطفة والتروي في أتخاذ القرارات .. كل ذلك سيؤدي الى تشكيل الشخصية السلبية ، مما يجعله يفقد الثقة بنفسه … كذلك شكل الانسان يؤدي الى نفس النتيجة السلبية للشخصية ، وخاصة إذا لم يتوافق الشكل والمضمون ، كوّن الحالة المثالية هي تطابق الشكل والمضمون ..
وعلى هذا الأساس تبدأ ملامح شخصية الفرد بالتشكل والظهور والتبلور ، منذ الشهور الاولى في هذه الحياة ، حيث تتشكل خصائصه وعلامات شخصيته ، لدى أهله والمحيطين به ،وتبدأ المؤثرات الخارجية والاجتماعية والوراثية بالتدخل منذ البداية في بناء شخصيته وتكوينها ..إضافة الى عوامل كثيرة هي الاخرى تؤثر على تكوين الشخصية ، اجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية ، ووراثية ..الخ ، كل هذه العوامل تلعب دورا هاما في تشكيل شخصية الانسان ، منها ما يجعلها شخصية قوية لتمنح الانسان ثقة بنفسه ، ومنها يجعل منه شخصا ذو شخصية ضعيفة .. وهناك العديد من الشخصيات التي تميز بها الانسان عن غيره ، هذه الشخصيات إما تولد مع الانسان عن طريق العوامل الوراثية أو يكتسبها من المحيط الذي نشأ به.
فهناك شخصيات إيجابية وشخصيات سلبية ، فالشخصية الإيجابية ، هي الشخصية صاحبة العزيمة القوية لمواجهة معترك الحياة ، وتمتلك الإرادة لمواجهة الصعاب ، أما الشخصية السلبية أي الضعيفة ، التي تخاف ان تخوض معترك الحياة ومواجهة شدائدها ، وهي شخصية تستسلم
بسهولة ، وتتكل على الآخرين ولا تعتمد على نفسها.
فالشخصية ، تمثل جميع الأفكار والميول والاتجاهات ، والصفات ، والرغبات والممارسات والطباع ، التي ترعرع فيها الانسان. والتي تتواجد داخل الفرد وبشكل مستمر ، بحيث تميزه عن غيره.
ونحن هنا بصدد الشخصية الضعيفة أو الشخصيات الضعيفة أو النفوس الضعيفة ، والتي تتميز ، كونها شخصية سلبية وغير قادرة على الاندماج في المجتمع بسهولة ، كما يفعل الآخرين .. والضعف صفة مكتسبة في الشخصية ، ومن الممكن تقويتها وتطويرها ، فوجود الفرد ضمن بيئة سلبية ، سواء كان في البيت ام في العمل ام في المدرسة .. وغيرها سيخضع الفرد للأفكار السلبية التي تعايش معها ويقوم بترديدها في داخله .. مثلا يردد ، انا فاشل .. انا لا أستطيع .. انا لا أتمكن .. وهكذا ، كذلك حساسية الفرد وتأثره السريع بكلام الآخرين وانتقاداتهم ، ونظرة الفرد السلبية لنفسه وعدم احترامها والوثوق بقدراتها .. وعدم امتلاكه لرؤية واضحة يسير عليها ، وانعدام ايمان الفرد بنفسه وافكاره.
والشخصية الضعيفة تتميز بصفات عديدة تجعل من هذه الشخصية ، ضعيفة ومرفوضة وغير مقبولة من قبل الكثير من الأفراد … ومن هذه الصفات ، التردد في اتخاذ القرارات ، والتراجع عن قرارات قد اتخذها ، وتعد هذه الصفة من اكثر الصفات الدالة على ضعف الشخصية ، وهي ناتجة عن عدم الثقة بالنفس، علما ان الشخصية الضعيفة اي النفس الضعيفة تنبع بالأصل من نقص كبير في الثقة بالنفس .. والثقة بالنفس هي عبارة عن مشاعر تجعل من الانسان يعرف قيمته ، ويتصرف بشكل إيجابي حتى باتخاذ قراراته،
وبمعنى آخر ان الثقة بالنفس هي احترام للذات ، فكلما زاد احترام الانسان لنفسه كلما كانت ثقته بنفسه اكبر.
اما الشخصية الضعيفة على العكس من ذلك كونها لاتمتلك هذا الإحساس وبهذا الشعور وتميل الى انتقاص قدر نفسها في الكثير من الأحيان ، وقد تعاني هذه الشخصية صعوبة في اتخاذ
اي قرار في حياتها ، فضلا عن انطوائهم عن الناس والعزلة الكبيرة لتجنب اي موقف محرج يمكن ان يتعرض له ضمن المجتمع.
فالشخصية الضعيفة ، هي شخصية مترددة لا تستطيع اتخاذ القرارات ، وتنتظر من الآخرين ان يقرروا عنها كل شيء. ولا تمتلك زمام المبادرة أبدا ، وليس لديها القدرة الكافية للتعبير عن مكنوناتها النفسية. وهذه الشخصية إنتاجيتها تكاد تكون معدومة وهي شخصية تعاني من الإحباط، ولا تمتلك النشاط والحيوية وهي شخصية اتكالية وتتهرب من تحمل المسؤولية ، ولا تؤدي الالتزامات المطلوبة منها ، وثقتها بنفسها قليلة ، وهي شخصية مهزوزة وتفتقد للصفات القيادية ، فهي مشتتة فكريا وخاوية من المعرفة الثقافية والعلمية ، ولديها عقد متعددة اجتماعية ونفسية ، وهي متخلفة بصفة عامة ، وتهتم بالامور الشكلية وتبتعد عن الأمور الجوهرية بسبب خوائها المعرفي والفكري ، وهي شخصية انطوائية وانهزامية وانعزالية.
وعلى العكس من ذلك كله ، نجد الشخصية القوية ، التي تمتلك الثقة بالنفس ، والثقة بالنفس عبارة عن شعور داخلي يجعل الانسان يشعر بأنه ذا شأن وقيمة مرتفعة لدى الآخرين ، مما يجعل هذا الشعور ينعكس إيجابيا على تصرفات الفرد وحركاته وطريقته في اتخاذ القرارات ، وتحمل مسؤولية قراراته ، ايمانا منه ان الثقة بالنفس ما هي إلا احتراما للذات ، أي كلما زاد الفرد من احترامه لنفسه كانت ثقته بنفسه اكبر. إن اتخاذ القرارات الصحيحة دليل على قوة الشخصية ، ان يقوم الانسان باتخاذ قرارات دون ان يسمح لأحد بمحاولة تغيير هذه القرارات ، فهو إنسان يمتلك شخصية قوية ولديه ثقة بنفسه ، على العكس من النفوس الضعيفة والتي لاتمتلك تلك المواصفات .. الشخصية الضعيفة ينتابها الشعور بالهزيمة والانكسار والهوان ، خاصة عند خروجه واختلاطه مع الناس ، مما يقوده للانسحاب ومحاولة التهرب من المواقف الاجتماعية والسياسية المختلفة ، وانعدام القدرة على الحديث بجرأة والتعبير عن رأيه أمام عدد قليل من الناس وليس لديه القدرة على الحديث لفترة زمنية قصيرة امام جمع من الناس وليس لديه القدرة على إيصال أفكاره مهما كانت بسيطة للآخرين.
على الآخرين ان يدركوا أهمية الاختيار ، بين الشخصية القوية القيادية والتي تتمتع بمستوى ثقافي واجتماعي وعلمي وتجربة متراكمة ، وتمتلك عقلا راجحا يتمكن من اكتشاف الحقيقة الموضوعية المعاشة ، ويتصرف على ضوئها ، وبين الشخصية الضعيفة والمهزوزة والمترددة ، والتي لا تمتلك الحد الأدنى من مواصفات القيادة.
إن هذه الشخصية لا تصلح من الناحية القيادية ، سواء في الدولة أم في الأحزاب السياسية ، لان مثل هذه الشخصية ، تكون سلبية لا فائدة منها ، بل هي معرقلة لعملية التطور ، وانتاجيتها متدنية ، إن كان لديها إنتاجية ..؟ ،

إن الأفكار السلبية هي الطاغية على تفكيرها وعقليتها ، مما سيترك آثارا خطيرة على عملها السياسي والاداري.
وما اكثر النفوس الضعيفة في بلداننا ، والبعض منهم تبوأوا مناصب قيادية ، وتم أختيارهم لأسباب عشائرية وطائفية وإثنية وغيرها ، ولعبوا ادوارا مخربة أحيانا ومعرقلة لعملية التطور ، وهؤلاء كانوا من الأسباب التي آلت عليه الأمور في وطننا العربي الكبير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى