على الرغم من الكلفة المادية والبشرية لحرب استعادة المدن من “داعش” وما رافقها من تداعيات، ما زالت متواصلة، إلا أن الوجه الآخر لتلك الحرب هو أوضاع المدن وسكانها وما حل بهم، ناهيك عن بنيتها التحتية، وهو واقع يتطلب جهدا وتخصيصات مالية كبيرة عجزت عن توفيره الحكومات المتعاقبة في ظل أزمة مالية تضرب العراق.
وواقع المدن العراقية المستعادة من تنظيم “داعش” يكشف حجم الدمار الذي لم يبقِ على جدار ملتصق بآخر، حيث عم الخراب والدمار مدينتي الموصل وتكريت اللتين دمرت مناطق استراتيجية فيهما، أما بيجي فخسرت معظم بنيتها التحتية، بما فيها أكبر مصافي العراق النفطية وشركات الغاز والأسمدة والطاقة، إضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بأحيائها السكنية، نتيجة المعركة الطاحنة وأعمال التخريب المتعمدة، لتعلن مدينة منكوبة بقرار من البرلمان.
والمشاهد الكارثية في مدينة الرمادي كبرى مدن محافظة الأنبار غرب العراق، تظهر التهام النيران كل شيء، الجسور والمعامل والمصانع وحتى المستشفيات، هذه البنايات كانت مختبرات وقاعات دراسية لطلبة جامعة الأنبار صارت ركاما كباقي مدينة الرمادي، حيث تساوت المنازل بعضها مع بعض في الأرض.
أما مدينة الفلوجة فهي الأخرى عصفت بها الحرب، وقضت على بنيتها التحتية، كسائر المدن الأخرى التي تتطلب الإسراع في إعمار المدن المدمرة، وتوفير مبالغ خاصة لهذه المدن، وتشرف على إعمارها المنظمات الدولية.
وإزاء هذا الواقع المرير، فإن سكان هذه المدن هربوا في أثناء الحرب إلى المناطق الآمنة في العراق، وأنشئت لهم عدة مدن من القماش، سميت بمخيمات النازحين، وهم يعانون فيها ظروفا صعبة من دون أفق قريب لعودتهم، في وقت لم تتضح فيه الصورة بعد بشأن إعادة إعمار المناطق المدمرة في المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية.
ولم يقتصر الأمر على إعادة إعمار المدن المستعادة من “داعش” وإنما يتعداه إلى إبقاء سكانها في الخيام البديلة بسبب عدم أهلية استيعابهم مجددا أو منعهم من العودة.
إن واقع وأوضاع المدن المستعادة من “داعش” رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات هو واقع مغاير لواقعها قبل استعادتها؛ لأنها تحولت إلى ساحة للحرب ولعمليات عسكرية لم تبق فسحة للأمل في إعادة الحياة والروح لتلك المدن التي كانت تزهو بشواخصها الحضارية العمرانية والثقافية التي تحولت إلى أثر بعد عين بعد تغول “داعش” فيها واستعادتها من بعد ذلك.
لقد بات واضحا أن أي عملية لتأهيل وإعمار المدن المستعادة من “داعش” ينبغي أن تتم عبر حملة دولية وبإشراف من الأمم المتحدة؛ لأن عمليات تأهيل المدن المحررة من “داعش” تسير ببطء مع قلة التخصيصات لإدامتها، وهو الأمر الذي يتطلب جهدا أمميا ومساعدة من الدول العربية والأجنبية لتخفيف معاناة سكان المدن المستعادة من “داعش”، وتعويضهم عن سنوات الحرب، وتسريع عودتهم لمنازلهم.
902