في اطار تخوف ايراني غير مسبوق من محاولة تأسيس مشروع “الشام الجديد” الذي سيضم العراق والاردن مصر ؛ حذرت طهران من مخاطر ونتائج هذا المشروع وتداعياته عليها ؛وهو ما تبدى من خلال رصد المواقف الايرانية المختلفة، و التي عبرت عنها اراء وتحليلات مختلفة اتضحت و اخذت بعدا سياسيا وعسكريا وامنيا، حيث اجمعت على ان مشروع الشام الجديد يعتبر مؤامرة ممنهجة تم الاعداد والتمهيد لها من جانب البنك الدولي في العام ٢٠١٤ بتخطيط اميركي اسرائيلي ، حيث كان الهدف منه جمع كل العراق ومصر والاردن ولبنان وسوريا وتركيا وفلسطين بعد تصفيتها على يد سلطة الحكم الذاتي، ومن ثم ادماج اسرائيل في هذا المشروع سياسيا واقتصاديا وامنيا لتصبح دولة قائدة ، تمهيدا لمشاريع صاعدة ومترابطة في المنطقة ومن ضمنها مشروع نيوم السعودي .
الرؤية الايرانية تعتقد ان سبب انشاء هذا المشروع يعود لانقاذ دول لها واقع اقتصادي متهالك ، وعليها ديون متراكمة للبنك الدولي، وفي مقدمتها مصر التي تدين للصندوق بـ ٣٣ مليار دولار ، و تشهد انهيارا في بنيتها التحتية بشكل غير مسبوق،إلى جانب تراجع نموها الاقتصادي ،وتفاقم في مشكلات الفقر والبطالة …، أما الدولة الثانية في هذا المشروع فهو الاردن الغارق في الديون التي تزيد عن ٥٠ مليار دولار ،ويعيش مشاكل اقتصادية واجتماعية ، الى جانب سوريا التي تعيش ظروفا سياسية وعسكرية واقتصادية غير مسبوقة ،ويتجاذبها مشاريع هدفها تفكيك محور المقاومة .

هذه العوامل -كلها برأي ايران – دوافع ادت الى محاولة لم شتات “دول الازمة الاقتصادية” ، لاجل النهوض بها وانقاذها من الواقع المرير الذي تعيشه .
من هنا كان الخطوة الاهم عبر محاولة اقحام دولة تتمتع بموارد اقتصادية قوية اقليميا مثل العراق، الذي يتمتع بامكانات كبيرة خاصة في قطاع الطاقة الذي تحتاجه هذه الدول بشده .
ترى ايران عمليا ان الخاسر الاكبر من هذا المشروع هو العراق، والمستفيد بالدرجة الاولى مصر و الاردن واسرائيل مستقبلا؛ لاسباب واعتبارات سياسية واقتصادية وامنية كبيرة .
بالمقابل تتوقع ايران ان اغراء العراق للانخراط بهذا المشروع عبر الربط الكهربائي بين هذه الدول لن يكتب له النجاح فعليا على اعتبار ان الوضع الاقتصادي والسياسي والامني في العراق يتراجع ، وسوف يزداد خاصة بعد نتائج الانتخابات البرلمانية غير العادلة والمزورة ،وبالتالي لن يستطيع تحمل تكلفة وتبعات هذا المشروع ؛ حتى وإن كان هناك دافع غربي خليجي محموم لهذا الربط لاجل حصار ايران ، والتأثير على حجم نفوذها هناك ، هذا عدا على انه لايمكن للعراق ان يدفع نقدا تكاليف الانخراط بهذا المشروع ،حتى ولو بعد حين؛ لانه لم يسدد حتى اليوم ديون ايران المالية والذمم المترتبة عليه ،فضلا على ان عامل الاستقرار الامني واحتمال تفجره في اية لحظة قد يؤثر على هذا المشروع .
سياسيا ترى إيران ان هذا التحالف يتلقى دعما اميركيا وغربيا واضحا لابعاد العراق عن حليفه الاستراتيجي ايران – محذرة الحكومة العراقية بعدم الرهان على مواقف الدول الخليجية الداعمة لهذا المشروع بسبب المتغير الامريكي والاسرائيلي ،اضافة لذلك تعتقد طهران ان رهان بعض النخب العراقية على القاهرة سيبوء بالفشل على اعتبار ان مصر من الدول العربية التي فقدت زعامتها من ناحية التأثير على النظام العربي ، خاصة انه لاحضور لها مطلقا في الازمات الاقليمية كالازمة السورية، وكذلك في العراق ،حيث باتت تتبع وتتاثر بالقرارات السعودية والاماراتية كما هو الحال في موضوع الحرب على اليمن .

من هنا ترى طهران ان مصر وعبر مشروع الشام الجديد تريد ان يكون لها مساحة من الحضور الاقليمي ،الامر الذي قد يمكنها من نسج تحالفات اقتصادية مما يكسبها شيئا من المكانة ، وكذلك الاردن الطامح لحل مشاكله الاقتصادية عبر العراق الذي يبيع له النفط باجور تفضيلية ومخفضة، وهو ما لن يستمر طويلا بسبب الضغط الشعبي والبرلماني العراقي “القادم ” الداعي لوقف ذلك ، لان ذلك يتم على حساب العراق واقتصاده وشعبه .
تتحسب طهران ان احد مخاطر هذا المشروع يتمثل كذلك في ان كلتا الدولتين – مصر والاردن – لديها اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل” كامب ديفيد ووادي عربة” ،مما يطرح كثيرا من التساؤلات المريبة حول امكانية دفع العراق للتطبيع مع تل ابيب كما حدث مؤخرا مع دولة الامارات والبحرين ، وهذا سيمكنها من حشر العراق ضمن قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا سيشكل خطرا كبيرا على ايران وامنها القومي واستقرارها، الامر الذي سيستوجب عليها التحرك لاحباط هذا المشروع مهما كلف الامر .
أمنيا واستخباريا تعتبر طهران ان مشروع الشام الجديد سيشكل خطورة كبيرة في ظل الازمات والبيئه الصراعية غير مسبوقة التي تعيشها المنطقة ،خاصة مع وجود معلومات استخبارية ترجح احتمالية عودة المجموعات الارهابية ،وخصوصا بعد التطورات الاخيرة في افغانستان؛ وبالتالي فإن الشروط الموضوعية لنجاح اي تحالف سياسي اواقتصادي وجود بيئة امنية لانجاحه وهو امر غير متوقع حاليا ؛وهنا ترى ايران ان دول حلف الشام غير مستعده ولا تملك الامكانية العملية لمساعدة العراق امنيا واستخباريا ، باعتبار ان هذه الدول لم تضبط لغاية الان المجموعات التكفيرية التي تنمو بين الحين والاخر على اراضيها كنتيجة طبيعية للرد على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي دمرت النسيج الاجتماعي والاقتصادي في هذه الدول فضلا عن تاثير الازمات الاقليمية المتفجرة على الواقع الامني لهذه الدول .
في هذا الاطار ، تحاول التحليلات الايرانية توجيه رساله للعراق مفادها؛ انه وخلال الفترة الماضية لم يتم ملاحظة اي تعاون امني حقيقي بين الدول الخليجية ومصر والاردن مع العراق منذ 2003 لغاية الان، بل كان موقف هذه الدول سلبيا ازاء ماكان يتعرض له العراق ، وكان التعاون في اطار الحدود المسموح به امريكيا ، وفقط في اطار ابتزاز العراق ومساومته باعتراف مسؤلين عراقيين امنيين لإيران في الغرف المغلقة .
بالمقابل ترى ايران ان العراق بحاجة اتفاقيات مع دول ذات قوة اقتصادية كبيرة مثل الصين من الناحية الدولية، وايران من الناحية الاقليمية، وتطبيقها عمليا كبديل عن مثل هكذا مشاريع ، وهذا لايمنع تطوير العلاقات بين بغداد وجواره الاقليمي ، والدول التي يمكن تحقيق الاستفادة من خلالها للشعب العراقي- وان كانت نسبية- لكن تحويل هذه العلاقات الى اصطفافات سياسية وامنية تحت غطاء اقتصادي مع دول ضعيفة سيشكل خطرا كبيرا على العراق ومصالحه ،ومن هنا فان طهران ستحاول من خلال علاقاتها الاستراتيجية مع بغداد وبكين الدفع باتجاه تحقيق هذا السيناريو خدمة للشعب العراقي .
تصل ايران الى نتيجة استراتيجية مفادها ان اسرائيل ومن ورائها امريكا هي خلف محاولة بناء هذا التحالف ،وترتيبه لتشكيل اصطفافات وتحالفات مناهضة لإيران، ومحاولة قطع الصلة بين دول محور المقاومة والتأثير عليها تمهيدا لتفكيكها واضعافها بعد اخفاق استهدافها عسكريا .
المرجح ان ايران ستحاول بناء استراتيجية لمنع انشاء مشروع الشام الجديد عبر ضربه سياسيا وامنيا واقتصاديا ،ومحاولة استهداف البنية التحتية من شبكات ربط للكهرباء والمشاريع الاخرى من خلال اذرعها وخلاياها الشبحية التي قامت بانشائها سرا …و ربما قد تقوم باغتيال النخب العراقية المؤيدة لهذا المشروع ،مؤكدة في الختام ان القوى الحية في العراق لن تسمح للكاظمي ” الدمية” بيد امريكا ودول التطبيع المضي في مشاريع هدفها الاساس تهديد ايران ومحاصرتها .
تحليل اكثر من رائع …
دمتم بود