بين إيران وأمريكا.. اتفاق نووي أم ترتيبات إقليمية

د.ناجي خليفة الدهان

منذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم في الولايات المتحدة، نشاهد شد وجذب متواصل بين طهران وواشنطن بشأن الاتفاق النووي. خبراء وصفوا التصريحات المتبادلة بين البلدين بـ”النزاعات التكتيكية وعلى الرغم من الصرامة التي بدت في حديث بايدن عن الملف الإيراني ورفضه مطالب إيران برفع العقوبات الأمريكية حتى تمتثل طهران مجددا للاتفاق النووي المبرم عام 2015، إلا أن هذا هو مجرد “نزاع تكتيكي”، بحسب ما يقوله مايكل ماكوفسكي، وهو رئيس “المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي”،. فقد تراجعت إدارته (بايدن) بالفعل عن لغته الصارمة”، قال وزير الخارجية الأمريكي، توني بلينكن، مؤخراً لأعضاء مجلس الشيوخ: إن بايدن /ملتزم بمقترح أن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً.

وقال ماكوفسكي في تقرير له نشرته مجلة “ذا ناشونال انتريست” الأمريكية، إن “القصة الحقيقية هي أنه من خلال تقديم تنازلات أحادية الجانب بالفعل، وتجاهل إسرائيل، وتخفيف حدة خطابه، فإن بايدن لن يكون أمامه سوى القليل من النفوذ لإصلاح عيوب الاتفاق، بحسب ما وعد، وتمكين إيران من التسلح النووي، وهو ما كان قد تعهد بمنعه”.  

بين أوباما وترامب.. هل يمكن أن ينتهج بايدن نهجاً مختلفاً بشأن إيران؟

فما فرص دبلوماسية إدارة بايدن مع إيران؟

هل ينجح بايدن في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات لإعادة النظر في الاتفاق؟

سياسة الكيل بمكيالين

مضي على البرنامج النووي أكثر من ثلاث عقود وأمريكا وإسرائيل تعلم في نيات إيران وتفاصيل المشروع النووي ، ولم تتخذ أي اجراء صارم أو عسكري، كما فعلت إسرائيل مع البرنامج النووي السلمي العراقي للأبحاث العلمية وبعلم ومباركة امريكا، وبعد اتفاق العراق مع فرنسا عام 1979 على تزويد العراق مفاعلين واحد لأغراض توليد الطاقة الكهربائية والآخر لأغراض الأبحاث العلمية، قامت الموساد الصهيونية بتفجير المفاعلات التي تم تصنيعها للعراق في مخازن الشركة قبل شحنها للعراق، وعند اكمال بناء المفاعل النووي في عام 1981 وقبل تشغيله تم مهاجمته من قبل الطائرات الصهيونية في 7 يوليو / حزيران 1981 وتدمير المنشأة ، ولم نسمع في حينها سوى تنديد أو استنكار بعض الأنظمة على استحياء، علمنا ان المنشأة النووية تحت الرقابة الدولية للطاقة الذرية، كون العراق من ضمن الدول الموقعة على عدم انتشار الأسلحة النووية .

أما إيران فلديها 5 مفعلات نووية و5 مراكز بحثية نووية و5 مواقع للتخصيب، وعدد كبير من المراكز الصناعية لخدمة المفاعلات النووية (1)، ولم تتعرض إلى أي هجوم أو تدمير منذ أكثر من ثلاث عقود ولحد الآن، هذه هي سياسة أمريكا وإسرائيل الكيل في مكيالين، وهذا يؤكد ما جاء في كتاب التحالف الغادر (التعاملات السرية بين إيران وإسرائيل وأمريكا ) دكتور تريتا بارسي. 

بين إيران وأمريكا.. اتفاق نووي أم ترتيبات إقليمية؟

رغم دبلوماسية أمريكا ردت طهران ببعض الإجراءات الاستفزازية، مُشيرة إلى أن الولايات المُتحدة ستدفع ثمن أي تأخير في العودة إلى اتفاق خمسة +1 بصيغته المُتفق عليها في عام 2015، كما أعلنت إيران عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، وانتاج معدن اليورانيوم الذي يُستخدم في صناعة قلب القنبلة النووية، وهددت طهران أيضا بامتناعها عن استقبال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما لم ترفع الولايات المُتحدة العقوبات بحلول 21 فبراير، كما شنت الميليشيات المدعومة من إيران أكثر من هجوم  ضد القوات الأمريكية في العراق؛ منذ استلام بايدن مقاليد الرئاسة  إلى الآن ، تم استهداف السفارة الأمريكية مرتين بالصواريخ  واستهداف معسكرات القوات الأمريكية في أربيل وفي التاجي وفي قاعدة عين الاسد (القادسية سابقا )، واستهداف الأرتال لقوات التحالف، وهي تعلم من هي الجهة التي استهدفتها (الميليشيات إيران )، ولم تحرك أمريكا ساكن، وتكتفي في التصريحات أنها سترد في الوقت المناسب، لا أدري هل أمريكا أصبحت عاجزة عن الرد أم حقيقة هناك تحالف ثلاثي بين ايران واسرائيل وأمريكا على تقاسم النفوذ في المنطقة، وأن ما يحدث هو اختلاف في الاستراتيجية، أي تقاسم المصالح والمغانم في المنطقة كما قال تريتا بارسي في كتابه التحالف الغادر.

في غضون ذلك، تتطلع إدارة بايدن إلى أن تتجاوز طهران ردود الفعل الغاضب. وقد تفاجأ معارضو الاتفاق النووي مع إيران مُؤخرا، عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تسعى إلى المُضي قُدما في المسار الدبلوماسي مع طهران، واعتبروا أن الإدارة الأمريكية تهرول تجاه إيران. يرى معارضو اتفاق خمسة +1 أن الاتفاق كان معيبا؛ ويعتقدون أن الوصول لاتفاق أكثر شمولاً مع إيران يتطلب جدولاً زمنيا أطول، خاصة أن طهران تتشدد في المطالب رغم ضعف موقفها.

قال وزير الخارجية بلينكن إن الإدارة الأمريكية تتبع “الدبلوماسية المبدئية” يبدو أن واشنطن تريد بالدبلوماسية وبالمسار الدبلوماسي تحقيق نجاحات تراكمية تؤدي في النهاية إلى “إعادة بناء الثقة” مع إيران والاقتراب خطوة خطوة نحو انجاز مسار يحقق العودة الأمريكية للاتفاق، ويقنع إيران هي الأخرى بالتراجع عن خطواتها التصعيدية في المسار النووي»، أي استخدام واشنطن استراتيجية “الأقل مقابل الأقل”،   يوجد العديد من المؤشرات التي تدل على ذلك كما توجد أيضاً مؤشرات تدل على أن هذه الرسالة وصلت بهذا المعنى إلى إيران، ولا يبقى إلا التفاهم الأمريكي مع الحلفاء والشركاء بهذا الخصوص. من أبرز هذه المؤشرات الأمريكية التصريحات التي أدلت بها “جين ساكي” المتحدثة باسم البيت الأبيض وقالت فيها إنه “إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل لالتزاماتها، بموجب الاتفاق النووي، فستفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه”. وهذا يوضح تأكيد جدية النوايا الأمريكية للعودة إلى الاتفاق، ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها تصريح عن إدارة جو بايدن تتم فيه الإشارة إلى “مجموعة 5+1” وهى مجموعة القوى الدولية التي أنجزت الاتفاق النووي عام 2015 وتضم الدول الكبرى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. العودة لها معاني هي:

الاول. إن الولايات المتحدة عادت لتعتبر نفسها طرفاً معنياً بالاتفاق النووي الذي شاركت في صنعه، ما يعنى وجود حرص أمريكي للعودة إلى الاتفاق.

الثاني. مد اليد الأمريكية للشركاء في هذا الاتفاق وخاصة كلاً من روسيا والصين إلى جانب الحلفاء الأوروبيين بالطبع (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لتجديد التباحث في العودة الثنائية الأمريكية والإيرانية للاتفاق.

الثالث. عدم التفريط في إيران التي تحقق عدم الاستقرار في المنطقة وتكون بعبع يخيف دول الجوار وتحقق من خلالها التواجد والهيمنة وحماية الكيان الصهيوني واستثمار الثروات الابتزاز.

ومن جهة أخرى فإن الموقف الإيراني كان واضحاً من خلال اشتراط الرئيس حسن روحاني رفع العقوبات قبل كل شيء. كذلك ما يقوله وزير خارجيته جواد ظريف، من أن الاتفاق قد يتعرض للخطر إن لم تخفف واشنطن العقوبات المفروضة على طهران قبيل الانتخابات الإيرانية في يونيو/ حزيران القادم، والتي قد تسفر عن إدارة جديدة متشددة وأقل تسامحاً مع الأمريكيين.

ومن يتابع تطور الاحداث ويستقرئ المشهد يلاحظ أن السياسة الأمريكية بدأت بعد استلام الرئيس بايدن في إشارات واضحة ، من خلال رفع صفة الإرهاب عن الحوثيين، وإعلان العودة إلى الاتفاق النووي، والسكوت عن كل عمليات استهداف السفارة والقواعد العسكرية الأمريكية في العراق، وإلغاء التنديد في إيران على عدم التعاون في الملف النووي، مما يتضح أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة مد الحبل إلى إيران لتصبح بعبع يخيف دول الخليج والدول العربية، لدفعها للارتماء في حض إسرائيل، وللتمهيد لإيران للقيام بهذا الدور، وعمد الغرب بقيادة أمريكا على اختلاق الذرائع لاحتلال العراق، لتخليص إيران من صقر يخيفها وتخشاه.

وترك الغرب وأمريكا إيران تفعل ما يحول لها في المنطقة، ومتجاهلة ومتوقفة عن دعم الحراك الشعبي الإيراني الحقيقي والقومي، المعارض لنظامها، وعدم مؤازرة القوميات في مطالبها الشرعية في الحصول على حقوقها.

ستمارس إدارة بايدن خلال السنوات الأربع القادمة، لعبة ترك دول الخليج وجها لوجه مع ايران، وانسحابه بهدوء من المشهد، وبذلك تدفع دول الخليج بشكل خاص والدول الأخرى إلى التطبيع (التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل)، والاعتماد عليها في حماية أمنها القومي ضد تهديدات إيران، وهكذا فان دول الخليج ودول عربية أخرى ستهرب من البعبع الإيراني لتسقط في فم الغول الإسرائيلي.

وشعار أبناء العم أحفاد إبراهيم جاهز للتطبيق، وما يدرينا أن نسمع بعض الدول العربية المطبعة ستنطق اسم إبراهيم مثلهم (إبراهام)، وتكون الجامعة العربية جامعة ابراهام، ونرى فعاليات ونشاطات عربية تحمل الاسم؟ وما زيارة البابا الى العراق مؤخراً إلا لتجسيد هذه الفكرة في الديانة الإبراهيمية الجديدة، وابتداع الحج الى أور، وبذلك أصبح المشهد واضح.

إيران ليست أقوى من دول الخليج لو توحدوا بصورة حقيقة، بل هي ضعيفة كضعفهم الآن لأنهم متفرقين، لكن الغرب وأمريكا استخدموا إيران فزاعة وهي كذلك سقطت في الفخ مدفوعة بغطرسة وغرور القوة الموهمة مع أن حشرة الارض ممكن ان تنخر بيتها من الداخل، فالقومية الفارسية تغليبيه تحلم في الحاق بالغرب عبر التحلل والالحاد والرذيلة، والقوميات الاخرى تتحين الفرصة لتعلن استقلالها، وفي أي لحظة تتفكك إيران وتتحول إلى ما لا يقل عن خمسة دول.

وستكون أمريكا في هذه المرحلة موجودة وغير موجودة، موجودة سياسياً وإعلاميا واقتصاديا، وغير موجودة عسكريا إلا في حالات فردية في أوقات متباعدة ذراً للرماد في العيون، والنتيجة الخاسر الأكبر والوحيد هي دول الخليج ودول عربية أخرى وهي فريسة اليوم، أما إيران ستضطر للارتماء في أحضان أمريكا وستكون فريسة اليوم وغدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى