تاريخ الحركة السياسية في البصرة

الجزء الاول

هناك حقيقة تؤكد ان اغلب الحركات والاحزاب السياسية في الوطن العربي ولدت بعد نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ خصوصاً بعد فضيحةالاسلحة الفاسدة التي بلورت شعور وطني للتخلص من الاستعمار وأعوانه وقد أثمرت تلك المشاعر الغاضبة ولادة حركات سياسية تجسد نضالها في اطار الصراع العربي الاسرائيلي والقت بظلالها على عموم الوطن العربي منها حركة القوميين العرب التي ظهرت في بيروت والشام وكان من ابرز قادتها هاني الهندي وباسل الكبيسي وجورج حبش وكلوفيس مقصود ونايف حواتمه وايضاً قبل النكبة تأسس حزب البعث في سوريا من قبل ميشيل عفلق وصلاح البيطار وانعكست تلك التنظيمات على المشهد العراقي بالرغم من وجود احزاب راديكالية تتكون من نخب سياسية تفتقر الى الجماهير لكنها لعبت دور في الحياة السياسية العراقية وكانت تعمل من اجل استقلال العراق ضدالاستعمار البريطاني مثل الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان من اشهر قادته كامل الجادرجي وحسين الجميل وفي البصرة جعفر البدر وهاشم بركات وايضاً حزب الاستقلال الذي كان من اشهر شخصياته فائق السامرائي وعبد الرزاق شبيب وصديق شنشل وكان ممثلين الحزب في البصرة الحاج امين الرحماني وعبد القادر السياب وعبد العزيز بركات الذي كان سكرتيراً للحزب في البصرة، بالاضافة الى الحزب الشيوعي الذي كان محظوراً واغلب كوادره في السجون ومن قياداتهم في البصرة احمد العلوان الذي قتل في نقرة السلمان وعبدالمجيد السياب ويوسف جمال التميمي وعبد الدائم ناصر العيادة وفاروق المعراج ورجاء عبد الرزاق، وكذلك حركة الاخوان المسلمين في البصرة المتمثلة بقيس القرطاس وخليل العقرب وعبد الحميد الفريح .. مما يعني ان تلك الاحزاب والحركات السياسية التي امتدت الى اغلب مدن العراق ومنها البصرة وقد مارس من خلالها العديد من الشخصيات البصرية العمل السياسي من اجل استقلال العراق ومقارعة الاستعمار البريطاني في اطار العمل القومي والتقدمي لحين انبثاق ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨. وقبل الحديث عن الثورة لابد من بيان ابرز العوامل الاساسية التي ادت الى قيامها ومنها :
اولاً : الرفض الشعبي لحلف بغداد الذي تأسس في عام ١٩٥٥ وكان يضم العراق وتركيا وبريطانيا وايران وباكستان الذي كان يمثل انحياز كامل للمعسكر الغربي بما يتعارض مع المواثيق العربية ..
ثانياً : الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن وكان الغرض منه محاربة الوحده بين مصر وسوريا ( والمفارقة بعد الثورة، العراق اول من ايد الانفصال بين مصر وسوريا حيث اعلن عبد الكريم قاسم في يوم ٩ تشرين الاول عام ١٩٦١ اعترافه بحكومة الانفصال وتولى القنصل العام العراقي في دمشق نقل اعتراف العراق الى مأمون الكزبري رئيس حكومة الانفصال في سوريا ونقلت وكالة الانباء العراقية قول الكزبري .. ( انها ليست رسالة اعتراف فحسب بل انها تحتوي على عواطف اخوية ومشاعر سامية ) لذلك العراق كان اول بلد عربي يستقبل دبلوماسي سوري يمثل النظام الجديد في سوريا ..
ثالثاً : العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ بعد تأميم قناة السويس وموقف الحكومة العراقية المشبوه من العدوان وكان رد الفعل على هذا العدوان تأليف جبهة وطنية سميت بجبة الاتحاد الوطني مؤلفة من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي واصدروا بيان في التاسع من اذار ١٩٥٧ للعمل من اجل اسقاط الحكم الذي يمثله نوري السعيد وعبد الاله وقداستطاعت الجبهة من تعزيز صلاتها بالعسكريين العراقيين ذوي النزعة الوطنية بهدف تنسيق الجهود لاسقاط الحكم الملكي .. مما يعني ان هذة الاوضاع التاريخية التي مرت على العراق ادت الى انبثاق ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ وسرعان ما تم تشكيل مجلس سيادة في اليوم الاول للثورة بدلاً من مجلس قيادة الثورة خلافاً لما كان متفق علية من قبل الضباط الاحرار، كما تم الاعلان عن تشكيل الوزارة الاولى في العهد الجمهوري برئاسةالزعيم عبد الكريم قاسم اضافة الى وزارة الدفاع وكالة وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وعبد السلام عارف نائب لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية وكالةً، وضمت وزراء من بين احزاب جبهة الاتحاد الوطني .. وفي ١٥ تموز اعلن العراق انسحابه من الاتحاد الهاشمي، وفي نفس اليوم كانت الجمهورية العربية المتحدة اول المعترفين بالثورة وكان الاتحاد السوفيتي الدولة الثانية التي اعلنت اعترافها بالثورة وذلك في ١٦ تموز ١٩٥٨ على اثر زيارة الرئيس جمال عبد الناصر الى الاتحاد السوفيتي واجتماعه مع نيكيتا خروشوف من اجل الحصول على ضمانات من السوفييت لاجهاض اي تحرك غربي مضاد للثورة العراقية .
ومن اجل الوقوف على توجهات النظام الجديد في العراق قابل السفير البريطاني الزعيم عبد الكريم قاسم في صباح يوم ١٥ تموز بحضور نائبه عبد السلام عارف، وايضاً في مساء نفس اليوم قابل الزعيم السفير الامريكي بحضور ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية، وكلا السفيران ابلغا حكومتهما ان الارضاع في العراق تسير نحو الاستقرار .. وفي الاول من آب عام ١٩٥٨ طلب السفير البريطاني مرة اخرى مقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم وسلمه مذكرة اعتراف بريطانيا بالحكم الجديد في العراق، وايضا في اليوم التالي في ٢ آب قابل السفير الامريكي وزير الخارجية عبد الجبار الجومرد وابلغه اعتراف امريكا بالنظام الجديد، وفي اليوم نفسه اوفدت امريكا روبرت مورفي الى العراق كمبعوث للرئيس ايزنهاور لاجراء مباحثات مع المسؤولين العراقيين حيث اجرى حوار مطول مع عبد الكريم قاسم حول الرؤيا المستقبلية للعلاقات الثنائية والاقليمية والذي تم تطمين امريكا على مصالحها في العراق وايضاً تم اقناع الادارة الامريكية بأن عبد الكريم قاسم لا يفكر في الوحدة الفورية مع مصر. وكان لهذا الموقف أثر في ظهور بوادر الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ذو الميول القومية والوحدوية الذي لاقى دعم من القوميين مما اثار حفيظة عبد الكريم قاسم والشيوعيين الذين تقربوا من قاسم واعتبروا عبد السلام يشكل خطراً على خططهم وافكارهم خصوصاً دعواته المتكررة للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وقد تعمق الخلاف بين القطبين الرئيسيين نتيجة اخطاء ارتكبها عارف وخطاباته الارتجالية في المحافظات العراقية وانتقل الخلاف الى الشارع العراقي بعد التصدع الذي اصاب قادة الثورة مما ادى ذلك الى انقسام القوى السياسية في العراق التي كانت مؤتلفة ضمن الجبهة الوطنية قبل الثورة واستقالة العديد من وزرائها بعد الثورة .. وبعدها توالت الاحداث بشكل سريع حيث تحولت الخلافات الى صراعات دموية انعكست على مختلف المحافظات العراقية ومنها الموصل وكركوك وما تلاها من هرج ومرج وسحل واعدامات شملت البعض من الضباط الاحرار المشاركين في الثورة، وايضاً لم تكن البصرة بعيدة عن ذلك التشظي حيث انقسم المجتمع البصري الى طرف متمسك بقوميته وعروبته وطرف آخر مناهض للفكر القومي وهم الشيوعيين وغالباً ما كان يحصل بين الطرفين اتهامات متبادلة هدفها التسقيط السياسي وتؤدي في كثير من الاحيان الى معارك عنيفة حيث كان يوجه الاتهام الى القوميين بأنهم قوى رجعية شيفونيه عنصرية .. وايضا القوميين يتهمون الشيوعيين بحركة شعوبية تمتد جذور اغلب كوادرها الى قوميات غير عربية ومارسوا العمل السياسي وفق النهج الاممي للحزب الشيوعي بسبب إنكارهم للأفكار القومية حتى اعتقد الكثير ان تلك الصراعات تعود بالأساس الى الأصول العرقية اكثر من ما هي خلافات سياسية، ومع ذلك لا احد ينكر بروز نشاط الحزب الشيوعي جماهيرياً بعد ثورة الرابع عشر من تموز خصوصاً في أوساط الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين وقد تمكنت القيادة المحلية للحزب في البصرة التي كانت تتمثل بجاسم المطير وكامل سالم الروضان ومحمد رضا الجزائري وسعدي يوسف وعبد الحسن جبار عودة واخرين منهم عبد الوهاب طاهر وسليم إسماعيل وأنور طه ومحمد جواد البطاط من تجييش الجماهير الكادحة واستثمار قرارت الثورة الفتية ضد النظام الملكي في إقامة الاحتفالات والمهرجانات الجماهيرية وكان صوت بشرى الدّول يصدح بالأهازيج والاغاني الشعبية مثل “هلا بيها الجمهورية – الى الامام ديمقراطية وسلام “مع هتافات التمجيد بحياة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اعتبر بطلاً وقائداً للثورة خصوصا هتاف ” ماكو زعيم الا كريم ” لإغاظة الطرف الاخر ..
يتبع

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى