تطهير معسكر الدج

حضرت بعد دقائق من إنجاز النصر العسكري اللامع لكتيبة دبابات الحسن عندما كنت معاونا للمدير العام لدائرة الإعلام الخارجي في وزارة الثقافة والإعلام ومشرفا عاما على نشاطات الصحفيين العرب والأجانب الذين وصل عددهم إلى أكثر من ألف صحفي ضاقت بهم فنادق بغداد والبصرة، وتم تشكيل لجنة برئاستي وعضوية ممثلين عن المخابرات العامة هم الرائد جعفر والاستخبارات العسكرية التي مثلها المقدم الركن سعد وممثل التوجيه السياسي هو النقيب فاروق السامرائي وضمت اللجنة دوائر أخرى وعددا من المترجمين وكان السيد رائد عمر العيدروسي أكثرهم حضورا أما من مديرية المراسم في دائرة الإعلام الخارجي فقد كانت خلية نحل لا تكل ولا تمل وكان أكثرهم حضورا في الواجب مديرها السيد شاكر محمود الفلاحي وكذلك السيد صلاح الحافظ مهدي والسيد محمود عبد الرزاق العزاوي والسيد صباح بليبش.
على العموم كنت يوم تطهير معسكر الدج قد نقلت مكتبي إلى فندق حمدان في مدينة البصرة، وكنت في جولة ميدانية مع عدد من الصحفيين من بينهم الجنرال فريدسون المراسل الحربي لجريدة الديلي تلغراف البريطانية والذي عمل قبل إحالته على التقاعد معلما في كلية سانت هيرست الملكية البريطانية وهي كلية مرموقة تقبل المتفوقين من خريجي الكليات العسكرية في كثير من بلدان العالم.
دعي الرائد الركن صباح القيسي آمر كتيبة دبابات الحسن إلى مؤتمر في مقر قيادة الفرقة الثالثة المدرعة التي كان يقودها العميد الركن قدوري جابر الدوري.
وتم إبلاغ الرائد الركن صباح القيسي بخطة محكمة لتطهير معسكر الدج لأنه كان عائقا أمام تقدم القوات العراقية في القاطع.
عاد الرائد الركن صباح القيسي إلى مقر كتيبته وقد صمم على تنفيذ خطة مباغتة لهذا الواجب، فجر اليوم التالي كانت الكتيبة قد أنجزت واجبها وعندما اتصل أمر اللواء بالرائد الركن صباح ليبلغه بساعة الصفر فاجأه بالقول إن الواجب قد أنجز بوقت قياسي وأنه الآن في معسكر الدج.
كانت القيادة الميدانية قد قدرت أن الواجب يحتاج إلى ما بين ست الى ثمان ساعات ولكن الرائد الركن صباح القيسي أنجزه في أقل من ساعة.
المهم عندما وصلت طلائع كتيبة الحسن إلى المعسكر بوغتت القوة المدافعة عنه ولم تشعر إلا والدبابات العراقية تجتاحه، حاول البعض يهرب وحاول أطقم بعض الدبابات بتشغيلها والهرب بها ولم يفكر أحد منهم بالقتال.
وقع كثير منهم أسرى وفر الباقون أما الدبابات فلم تتمكن واحدة من الإفلات من هذا الطوق المحكم.
وجدنا أكثر من دبابة وهي تشتغل واستسلمت طوائفها للعراقيين.
عندما نظر الجنرال فريدسون دبابات تشيفتن البريطانية الصنع كاد ان يتحول الى شاعر عربي ينظم قصيدة يبكي فيها على أطلال حبيبته، وقال لي وللرائد صباح القيسي (هذه الدبابة لا تستحق هذه الاهانة التي يتحمل الإيرانيون وزرها، أتمنى أن تكون بيد العراقيين ليحسنوا استخدامها).
بيني وبين نفسي اكبرت فيه هذه الروح الوطنية الإنكليزية وحرصه على صناعات بلاده من الإهانة وخاصة السلاح رمز القوة.
قلت له.
السلاح ليست بكفائته فقط وإنما باليد ألتي تمسك به والعقول التي تحركه.
كانت تلك أيام مجيدة في تاريخ العراق المشرق، وهي امتداد لتاريخ الأجداد وبناء لمستقبل أكثر إشراقا.

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

تعليق واحد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى