تقرير أميركي يتحدث عن “الكثير من المليارات” في تفاهمات المالكي و”آفاق” مع “هيلمك”

كشف موقع “ديلي بيست”، الأميركي، الخميس، النقاب عما قال إنها “عقود فساد تحققت بين الجيش الأميركي والحكومة العراقية وعلى أعلى المستويات، والمراتب في حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي”.

وتبرز في التحقيق الاستقصائي لموقع “ديلي بيست” شخصية بارزة في الجيش الأميركي، تتمثل بـ “اللفتنانت جنرال فرانك هيلميك” المتقاعد، والمعروف بلقب “الضابط الاستثنائي”، الذي منحه إياه ديفيد بترايوس، وهو بحسب التقرير، جنرال بارز عمل في العراق وغادر مع انسحاب القوات الاميركية عام 2011، ليعود إلى العراق بعد نحو عام لكن بمهام “سمسرة” هذه المرة. ويركز التحقيق على “الصلات المشبوهة” للجنرال الأميركي مع قادة بارزين في الحكومة العراقية مثل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ومحيط دائرته الضيق، حيث يضع التحقيق تلك التعاملات المشبوهة في مرآة الصفقات الكبرى والعقود التي أبرمت “في الباطن”، حول موجودات القواعد العسكرية في العراق، حيث ترد أسماء معروفة لأشخاص وشركات ولقاءات غامضة وأماكن كان من جملة أحداثها وأبطالها كل من “عصام الأسدي، وأبو مهدي المهندس” إلى جانب شركات: سوسي، وآفاق، وساليبورت، وشهد الشرق، وأماكن مثل: معسكر التاجي، وقاعدة بلد الجوية، وغيرها…

مقالات ذات صلة

نص التقرير:

“كيف بدأت القصة”؟

ووفقا للموقع فإنه بعد الانسحاب الأمريكي، كانت العقود الضخمة متوفرة في الوقت الذي كانت البلاد تكافح فيه لإعادة البناء، وفي هذه الأثناء شغّل “هيلميك” جهات الاتصال الخاصة به للاستفادة من هذا الأمر، فقرّب إليه عسكرياً مُتقاعداً، كان معروفا بأنه أبرم صفقات مع المتنفذين في العراق الغارقين في الفساد كما إن له علاقات سطحية على الأقل مع بعض العملاء الإيرانيين المعروفين”.

في أواخر عام 2012، أصبح “هيلميك” نائب رئيس شركة “سوسي”. وفي ذلك الوقت، كانت الشركة صغيرة تركز على الترجمة والتدريب. وبحسب موظف سابق في الشركة المذكورة الذي كشف سر تعيين “هيلميك” في هذا المنصب، أنه كان بسبب مؤهلاته الواضحة، وتحديدا شبكة اتصالاته في العراق، وقبل انضمامه إلى سوسي، فإن الشركة لم تتلقّ أبدًا عقدًا كبيرًا للأمن أو الخدمات اللوجستية، وفقًا لقواعد بيانات العقود الحكومية. ومنذ دخول “هيلميك”، فازت شركة سوسي بحوالي 2 مليار دولار في عقود الحماية الأساسية في العراق وتوسعت لتشمل الأعمال التجارية، وأدت الصفقات الواسعة للشركة إلى وقوعها في إشكالات قانونية. “أصدقاء هيلميك القدامى”.

كان “هيلميك” يعرف شخصياً رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، ففي ديسمبر 2012 ، التقى المالكي نيابة عن شركة سوسي. ووفقا لمقابلة أجراها مع موقع “Human Events”، قال هيلميك: “عندما كنت في العراق، أتيحت لي الفرصة للتحدث مع رئيس الوزراء المالكي، الذي تربطني به علاقة كبيرة”، مضيفا “لقد كان جوليان سيتيان، الرئيس التنفيذي لشركة سوسي وأنا، وجلسنا مع المالكي لمدة 45 دقيقة”.

كما قابل هيلميك مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى، وقال هيلميك: “ذهبت لرؤية أصدقائي القدامى”، وأضاف أن المالكي أخبره بأن العراق مفتوح للعمل”. وذكرت “ديلي بيست” أن هناك “شخصاً رئيسياً في محيط المالكي يدعى عصام الأسدي، حيث تحدث العديد من المسؤولين الدبلوماسيين والمخابرات بشأن صلات الأسدي بالمالكي، ولخصها أحد المصادر بأنها “واسعة وعميقة”. ويمتلك الأسدي أيضًا معرفة دقيقة مع بعض شخصيات الظلال المقربة من المالكي، بما في ذلك أبو مهدي المهندس الذي تمت معاقبته من قبل وزارة الخزانة الأميركية كإرهابي. وحصلت صحيفة “ديلي بيست” على صور لاجتماع عُقد عام 2015 بين كل من الأسدي، والمالكي، والمهندس. وقد لا تربط الأسدي والمهندس علاقات مالية أو علاقة عمل، لكن كما تشير الصورة، فإنهم يدورون في دوائر المالكي نفسها.


“مافيا بلا حدود”

منح مكتب رئيس الوزراء العراقي شركة “سوسي” اتفاقية حصرية لاستخدام أراضي أربع قواعد عسكرية عراقية، هي: معسكر التاجي، شمال بغداد، وقاعدة العمليات الأمامية المطرقة في بسمايا، وميناء أم قصر البحري، وقاعدة بلد الجوية. ويعني هذا الاتفاق أن شركة سوسي فقط، وليس هناك مقاولون آخرون، يمكنها القيام بأعمال تجارية على تلك القواعد. وتم توقيع اتفاقية استخدام الأراضي من قبل مسؤول حكومي عراقي كان يعمل عن كثب مع شبكة فساد مبنية حول شركة معروفة أصلاً باسم شركة “آفاق أم قصر للخدمات البحرية”، ولكن يشار إليها في النهاية باسم آفاق، تشمل قيادة الشبكة الأوسع عصام الأسدي والمالكي.

وأكملت “ديلي بيست ” أن شركة “آفاق” طورت علاقات مع شركات شل ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين عراقيين حاليين وسابقين مرتبطين بالمالكي، أسسوا شبكة فساد منظم، حيث تتعاون شركات آفاق مع الشركات الأجنبية التي تمارس أعمالها في العراق وتحصل على حصة من الأرباح، مقابل الدفع للسياسيين العراقيين. كما أنها تحصل على عقود حصرية “من الباطن” لتوصيل الإمدادات، مثل الوقود والماء، من الشركات التي تتعاون معها من أجل تحقيق أرباح إضافية”.

أدار المالكي شركة “آفاق” التي تخدم عمليات رئيس الوزراء، كما قال مسؤول حكومي أمريكي سابق. فيما قال آخرون إن العمل في العراق كان يتطلب “نوعًا من الاتفاق مع آفاق”، لكي يمر، حيث كانت سوسي مدرجة كشريك مع “آفاق”، وتم الكشف عن وجود علاقة بين “آفاق” ومقاول عسكري آخر هو شركة “ساليبورت”، وتبين أن وجود “ساليبورت” كان بسبب المدفوعات المزعومة لمسؤولي الحكومة العراقية عبر شراكة مع آفاق، وبعدها ألغت الشركة الأم للمقاولة، كاليبورن الدولية ، الاكتتاب العام وكان بقيمة 100 مليون دولار، وحينها أرجعت الشركة سبب إلغاء الاكتتاب العام إلى “التغيّر في أسواق الأسهم”.

asn

“عقود في الباطن”

في أيار 2013، تلقت شركة “سوسي” عقدًا للأمن واللوجستيات في قاعدة بلد الجوية من الجيش الأميركي، لكن الشركة فقدته لاحقاً. وعلى الرغم من خسارتها في بلد، ومعسكر التاجي، فإنها مازالت تكسب المال؛ وفي ديسمبر 2018 ، فازت “سوسي” بتجديد العقد لمدة خمس سنوات بقيمة تتجاوز 1.1 مليار دولار في القاعدة. نظرًا لأن المالكي وآفاق منحا سوسي اتفاقية استخدام الأراضي الحصرية، ولم يُسمح لأي شركات أخرى بالتنافس مع سوسي على هذا العقد الضخم. وفي الوقت نفسه، ونظرًا لطبيعة الاتفاقية ، فإن أرباح سوسي في “التاجي” لا تقتصر على عقدها العسكري، على عكس المقاولين الذين يعملون في قواعد عراقية دون اتفاق مع الحكومة العراقية، حيث يُسمح لشركة سوسي بتقييد وصول الشركات الأخرى إلى التاجي وشحن الإيجار.

في المقابل فإن وزارة الدفاع الأميركية منزعجة من السيطرة الحصرية لشركة سوسي في التاجي، ووفقًا لرسالة 2019 كتبتها وزارة الخارجية وحصلت عليها “ديلي بيست”، فقد أوضحت أن “وزارة الدفاع حاولت إقناع الحكومة العراقية بالسماح بالتنافس على العقود في معسكر التاجي. وجاء في الرسالة “أعلنت السفارة في بغداد بشكل مستمر وفي جميع المناسبات دعمها لطلب وزارة الدفاع بإلغاء اتفاقية الترخيص الحصرية التي عقدتها سوسي حاليًا في معسكر التاجي”. والصفقة في التاجي كانت مجرد واحدة من عدة صفقات.

ويبدو أن علاقة سوسي مع آفاق وعصام الأسدي قد بدأت بصفقة توزيع الوقود على السفارة الأميركية في بغداد التي تفاوض عليها الجنرال هيلميك قبل شهر واحد من انضمامه رسمياً للشركة. وأوردت “ديلي بيست” أن شركة (Iraq oil technology) هي شركة تابعة لـ “مجموعة العاصم المتحدة”، ووفقا لنسخة مؤرشفة من موقع العاصم الإلكتروني من عام 2011م، فإن عصام الأسدي يمتلك مجموعة العاصم المتحدة. وقال مسؤول في شركة سوسي إن “عصام الأسدي وفر العلاقات السياسية التي تحتاجها الشركة لنقل النفط داخل العراق”. وحصلت ديلي بيست على سجلات الشركات العراقية التي أظهرت أن شركة “شهد الشرق” مملوكة لشخصية في شبكة آفاق، وهو أيضًا عضو مجلس إدارة لبنك آفاق، البنك الإسلامي العالمي، يملكه سامي شنان زويد الأسدي، أحد قادة شركة آفاق.

في عام 2013 ، كانت سوسي تتعامل مع فندق بابل، وهو فندق في بغداد حيث يرأس عصام الأسدي ، على حد قول ثلاثة موظفين سابقين من سوسي. وحينها كتب هيلمك على تويتر في عام 2013 “سيكون فندق بابل الخيار الأمثل لسكن المقاول، سيكون متاحًا من خلال الترتيبات التي تجريها شركة سوسي”. ورداً على أسئلة حول فندق بابل، قال متحدث باسم سوسي إن “الشركة لم تحتفظ أبدًا بأي “ملكية” مباشرة أو غير مباشرة في الفندق، ولم يُذكر ما إذا كانت الشركة لها علاقة تجارية مع فندق بابل. في المقابل لم يتم توجيه أي اتهامات محددة بالفساد فيما يتعلق بصفقات بابل – سوسي.


“الضابط الاستثنائي”

وجاء في سيرة هذا الجنرال الأميركي – بحسب “ديلي بيست” – أنه أصبح بطل حرب ورجل أعمال داهية. كان اللفتنانت جنرال فرانك هيلميك ضابطا في الجيش الأمريكي. وفي عام 2004 ، قاد الغارة التي قتلت أبناء الرئيس السابق صدام حسين:عدي، وقصي. وفي وقت لاحق ، قاد هيلميك مهمة الناتو التدريبية في العراق، ثم أمضى عامًا كنائب لقائد جميع القوات الأميركية في البلاد؛ لكن في ديسمبر 2011، انسحب الجيش الأميركي من العراق بعد بضعة أشهر. وبعد 36 عامًا في الجيش، تقاعد هيلميك، ووصفه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية آنذاك ديفيد بترايوس بأنه” ضابط استثنائي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى