تمدد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط بداية اللعب بين الكبار (أميركا وروسيا والصين)

1• مثل التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 تصاعداً للأنخراط الروسي في منطقة الشرق الأوسط ودفع هذا التدخل العديد من الخبراء لتسليط الضوء على السياسة الروسية تجاة المنطقة وقد ركزت الدراسات المعنية بهذا الدور على الأنخراط العسكري الروسي في سوريا واتسع الأهتمام لاحقاً ليشمل السياسة الروسية تجاه المنطقة ككل.
وقد كان السؤال المحوري حول هذه السياسية مفاده: هل لروسيا استراتيجية واضحة المعالم في الشرق الأوسط ؟ وعكست الأجابة على ذلك التساؤل وجود ثلاثة اتجاهات رئيسية الأول يرى أن روسيا لديها استراتيجية ناجحة تجاه المنطقة فيما يعتقد الثاني أن لموسكو استراتيجية إقليمية لكنها ليست ناجحة ويعتقد الثالث بعدم وجود استراتيجية لروسيا في المنطقة ويعلل أصحاب المدرستين الثانية والثالثة عدم نجاح الأستراتيجية الروسية أو عدم وجودها بالأساس بأن روسيا لا تتحرك في المنطقة ضمن رؤية شاملة بل وفق متطلبات قصيرة المدى لتحقيق أهداف استراتيجية مدروسة.
وتشير تطورات الواقع إلى ان وجهة نظر المدرسة الأولى هي الأقرب للصواب في تقدير السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط فروسيا لديها استراتيجية واضحة تجاه المنطقة تعد جزءاً من استراتيجيتها تجاه شرق البحر الأبيض المتوسط والتي هي بدورها جزء من استراتيجيتها الجنوبية الأوسع والتي تشمل البحر الأسود خاصة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وتركز على حماية المصالح الروسية من خلال أداء دور القوة المؤثرة في مناطق المياه الدافئة وتتم ممارسة هذا الدور من خلال أدوات القوة الصلبة .
وبداية من عام 2005 عملت روسيا على تكثيف انخراطها في الشرق الأوسط ومع اندلاع الثورات العربية (الربيع العربي ) في المنطقة عام 2011 عملت موسكو على إعادة هيكلة هذا الأنخراط كي يتلاءم مع التغيرات الأستراتيجية في البيئة الإقليمية وكانت لحظة التدخل الروسي في سوريا عام 2015 تكريساً لبداية جديدة من التفاعل والأنخراط بقوة في المنطقة فالسنوات من عام 2015 حتى الان شهدت كثافة في التفاعلات السياسية والأقتصادية والعسكرية بين روسيا ودول المنطقة لدرجة أثارت قلق الدوائر الأستراتيجية الأمريكية مما تعتبره عودة النفوذ الروسي للشرق الأوسط.
مع العرض لم تكن العلاقات بين روسيا ودول الشرق الأوسط وليدة هذه الفترة ولكنها محصلة لما جرى على مدار السنوات الماضية في التفاعلات بين الطرفين إذ تصاعدت كثافة العلاقات السياسية والعسكرية والأقتصادية بشكل يعكس حجم الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط .
2• فيما يلي أبرز المؤشرات حول العلاقات الروسية مع دول الشرق الأوسط:-
أ• العلاقات السياسية : كشفت التفاعلات السياسية بين روسيا ودول المنطقة تركيز موسكو على بعدين رئيسيين الأول يتعلق بالقضية السورية بأعتبارها أحد المحاور الأستراتيجية في السياسة الروسية والثاني يتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا ودول المنطقة الرئيسية .
وفي هذا الإطار كثفت روسيا انخراطها في دبلوماسية الأزمات المرتبطة بالملف السوري وبالتوازي مع الأهتمام بالقضية السورية عملت روسيا ودول المنطقة على تعزيز علاقاتها بشكل واضح في الفترة الأخيرة الذي شهد كثافة في زيارات قادة المنطقة الى موسكو والتي شملت زيارات الرئيس السوري ورئيس الوزراء الإسرائيلي والملك الأردني وأمير قطر وولي العهد السعودي وولي عهد ابو ظبي الذي تم خلالها توقيع اتفاقية الشراكة الأستراتيجية بين الأمارات وروسيا وثم زيارة الرئيس المصري والرئيس التركي التي شهدت اجتماعات مجلس التنسيق الروسي التركي .
ب• العلاقات العسكرية : سعت روسيا ودول المنطقة خلال السنوات الأخيرة الى تعزيز العلاقات العسكرية سواء في مجال التعاون العسكري او التدريب او استيراد الأسلحة من روسيا وزيادة مبيعات الأسلحة الى دول المنطقة خلال الأعوام الأخيرة واستهدفت موسكو تقوية العلاقات مع الدول الرئيسية في الشرق الأوسط عبر ( دبلوماسية السلاح).
وشملت مصر وتبعها مناورات بحرية عسكرية بين مصر وروسيا لمرتين عامي 2015 و2017 وتعاقدت روسيا والجزائر على معدات عسكرية مختلفة طائرات سمتية ودبابات وفي عام 2017 وقعت قطر وروسيا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري والفني وتوازى ذلك مع إبرام تركيا تعاقداً مع موسكو لشراء صفقة صواريخ إس 400 الروسية ووفقاً لبعض التقارير صدرت روسيا في السنوات الأخيرة أسلحة الى ثمان دول في المنطقة هي الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن وقطر والأمارات وتركيا.
ج• العلاقات الأقتصادية : فرضت الضغوط الأقتصادية التي واجهتها روسيا خلال السنوات الأخيرة والتي نتجت عن انخفاض أسعار النفط والعقوبات المفروضة عليها من بعض الدول الغربية قيام موسكو بتوسيع خياراتها عبر تعزيز العلاقات الأقتصادية مع دول الشرق الأوسط .
وعلى الرغم من انخفاض حجم التبادل والأستثمارات بين دول المنطقة وروسيا فإن هذا البعد في العلاقات يحظى بأهتمام خاص من الجانب الروسي ففي عام 2017 وقع صندوق الأستثمار الروسي اتفاقيات ومذكرات تعاون مع عدد من الصناديق السيادية في السعودية والبحرين والأمارات وقطر .
وفي ضوء ما سبق من المرجح أن تواصل روسيا في الفترة القادمة انخراطها بقوة في منطقة الشرق الأوسط خاصة في ظل المؤشرات التي تدلل على تقليل الولايات المتحدة الأمريكية من انخراطها في الشرق الأوسط والتوترات والخلافات المكتومة والمعقدة في العلاقات بين واشنطن وبعض دول المنطقة بسبب بعض القضايا الشائكة في اليمن وايران والعراق وسوريا وليبيا ولبنان واحتمالات المستقبل المخيف في المنطقة .
في المقال القادم أن شاء الله سنتناول ملامح تمدد النفوذ العسكري الصيني في الشرق الأوسط .

اللواء الركن فيصل الدليمي

رئيس منظمة عين للتوثيق والعدالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى