ما اجتمع في شهر تموز ـ يوليو مثل هذه الأحداث التي وضعته في صدارة أشهر السنة جرَّاء التحوُّلات الكبيرة التي شهدناها. ويوصف شهر تموز ـ يوليو بالحضارات العراقية، بأنه شهر مرتبط بقدوم الصيف بكل ما يحمله من خصب ونضج للطبيعة، ولاسم هذا الشهر، كما تعرفه دول المشرق العربي، دلالة أسطورية حيث جاء اسمه من إله الزراعة والرعي (النباتات والماشية) تموز، غير أن الأحداث الجسام التي شهدها هذا الشهر جعلته على مرِّ التاريخ شهر تبدلت فيه الأنظمة والحكام بالانقلابات والاغتيالات، يقابلها صحوات ومواقف عبَّرت عن تطلُّعات الشعوب للحرية والاستقلال ورفض الوصاية والهيمنة.
وفي عالمنا العربي فإن لشهر تموز ـ يوليو بصمة في حياتنا من فرط ما شهده من تحوُّلات تاريخية ما زالت في ذاكرة الأجيال. وأبرز الأحداث والتحوُّلات في شهر تموز ـ يوليو كانت ثورة 23 تموز 1952 التي مهَّدت لصحوة قومية هدفها التغيير والوحدة والتحرر، كانت حركة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي في العراق وإعلان الجمهورية ردة فعل واستجابة لنداء التغيير، غير أن هذا الهدف المنشود اصطدم بالخلافات الشخصية والتدخلات الخارجية التي فرَّقت رجال العهد الجديد.
وعندما نتحدث عن النكسات والخيبات التي رافقت بعض التجارب، فإننا نتوقف عند ثورة 17 تموز 1968 التي جاءت كردَّة فعل على هزيمة حزيران 1967 ومحاولة لتصحيح المسار في ميزان القوى بين العرب و”إسرائيل”. غير أن محاولات وأد هذا المشروع مهَّدت لتراجعه، لا سيما فشل وحدة مصر وسوريا، ومن بعدها غزو العراق واحتلاله عام 2003.
ومثلما كانت ثورة 23 تموز ـ يوليو شرارة الصحوة القومية فإن تأميم قناة السويس في 26 تموز 1956 والعدوان الثلاثي على مصر كانت هي الأخرى حافزا لانتفاضات وثورات في ليبيا وسوريا واليمن والسودان والجزائر وتونس ولبنان جسدت عمق الوعي القومي في مواجهة الاستعمار وأدواته، والتطلُّع نحو الحرية والانطلاق في عموم الوطن العربي.
ففي العشرين من تموز ـ يوليو أيضا تم اغتيال الملك المؤسس عبدالله الأول عام 1951م بعد نجاحه في تحقيق وحدة الضفتين، وقبلها نجح في الحفاظ على القدس العربية عتبة المسجد الأقصى المبارك.
وعالميا تحتفل فرنسا في الرابع عشر من تموز ـ يوليو من كل عام بالعيد الوطني الذي اعتبر عيدًا وطنيًّا عام 1880 في ظل الجمهورية الثالثة. ويشير التاريخ إلى حدثين متعاقبين: الأول هو سقوط سجن الباستيل عام 1789 رمز الملكية المطلقة، والثاني عام 1790 تاريخ الاحتفال بالذكرى الأولى لسقوط الباستيل.
كما تحتفل الولايات المتحدة الأميركية في الرابع من تموز ـ يوليو بعيد الاستقلال حين أعلنت 13 مستعمرة بريطانية عام 1776 انفصالها عن العرش البريطاني وتأسيس الولايات المتحدة.
هكذا هو شهر يوليو ـ تموز، شهر تفاقمت فيه الأحداث وسخونة الطقس، في مشهد يعكس أحوالنا السياسية والإنسانية الذي كان هذا الشهر مسرحا شهد تبدل الحكام والأنظمة والأشخاص ليبقى شاهدًا على التحوُّلات الكبيرة التي وقعت في شهر تموز بحُلْوها ومُرِّها.
854