ثورة الكرامة العراقية

د.ناجي خليفة الدهان مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

تختلف سمات الشخصية الإنسانية من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن شعب لآخر. وهذه الاختلافات في السمات الخاصة؛ سمّاها العلماء المعاصرون ب: (الهوية الوطنية) وبالأخص عندما يتعلّق الأمر بسمات شعبٍ بأكمله، لذلك تحرص الدول على تبنيها ورعايتها على اعتبار أنها العلامة التي تمتاز بها عن غيرها.

والعراق مثل غيره من الدول الأخرى؛ يمتاز بسمات خاصة يتفرّد بها عمّا سواه من بلدان المعمورة، فالشخصية العراقية؛ فريدة من نوعها تقريبًا، وهذه الشخصية تشكّلت عبر تراكم تاريخي طويل من أفراح وأتراح، ومآسي ونكبات، وانتصارات…

مقالات ذات صلة

ويمكننا أن نوضّح بعض سمات الشخصية العراقية، وأبرز هذه المميزات:

  1. الأنا العراقية، والاعتزاز بالذات، سمة توجد في التاريخ العراقي القديم والحديث، وليس لها تفسير آخر غير أنها موروثة.
  2. الجدية والبعد عن الهزل، ولعل هذه السمة يشترك فيها المواطن العراقي مع غيره من العرب، وهي أن الاستهزاء أو الهزل أو المِزاح، غالبًا ما يكون على حساب الشخصية والاحترام، لذلك فإنّ العراقي ينظر إلى الشخص الذي يمزح كثيرًا باحتقار، وينظر إلى الإنسان الجادّ على أنه شخص محترم ويجب إجلاله وتوقيره.
  3. العاطفة، هذه السمة واضحة من خلال سهولة التأثير في العقل العراقي، وتغير توجهاته ومزاجه، ولعل هذه السمة هي أم المشاكل، على اعتبار أنها تتيح المجال للآخرين بالتدخل السلبي في المجتمع العراقي، والأمثلة عليها كثيرة.
  4. تعلقه بالأرض، ربما يعتبر العراق من الدول القليلة التي تستمدّ هوياتها الفرعية وجودها وسماتها من وحي الأرض وتاريخها.
  5. الشجاعة، فالتاريخ القديم والحديث يشهد للإنسان العراقي بذلك، وهذه أرض فلسطين، وسوريا، ومصر، والأردن تشهد بذلك، فمقابر الشهداء التي يكثر فيها عراقيون، أكبر شاهد على النخوة والشهامة والشجاعة وآخراها القادسية الثانية.
  6. الكرم، في أحلك الظروف التي يمر بها العراقي يكرم ضيفه.
  7. الحزن، صحيح أن الحزن ليس عضوا في جسم الإنسان، بقدر ما هو حالة في الروح والنفس، لكن عندما يمتزج الحزن مع التاريخ ويورث من جيل لآخر، فهنا يصبح مثل الأنا العليا، فهي جزء لا يتجزأ من الذات والشخصية العراقية.

      فهذه العلاقة ما بين الإنسان والأرض، قد تركت آثارها الواضحة في الذات العراقية التي تضحّي وتموت من أجل العراق، وتبقى تهفو إليه حتى لو هاجرت إلى بلدان العالم الأخرى، وحصلت على الجنسيات المتعددة.

بالتأكيد إن المواطن العراقي مثله مثل أي إنسان آخر يتأثر بما حوله من قيم وثقافات، فضلًا عن تأثير الحروب والأزمات الداخلية المستمرة في أمزجة الناس، لكنه على العموم حتى لو افتقد البعض من خصائصه وسماته بفعل ضغوطات البيئة المحيطة، إلا أنه سرعان ما يستعيدها عندما يمرّ بمرحلة رخاء واستقرار حتى لو كانت نسبية.

أوردّت هذه المقدمة عن مميزات شعب العراق ليس للتفاخر، فالعرق هو جزء من أمة عربية عريقة صاحبة تاريخ عريض ومآثر جمّة، ولكن لتعريف القارئ الكريم عن شعب العراق وما يتعرّض له من ظلم وإجحاف في أكبر هجمة عنصرية خلال العصر الحديث على يد الفرس، تحت أنظار أمريكا وشركاءها، فإيران تعمل جاهدة على تغيير هُوية العراق، وتخريب سماته، وهي تتحكّم بديمغرافيا العراق بما يخدم أجنداتها!! لقد مرّ العراق من بعد الاحتلال الأمريكي الغادر بظروف عصيبة من عام 2003م، حيث سيطرت إيران على السلطة في العراق ضمن “علاقة التخادم الأمريكية الإيرانية”، بظروف صعبة لا توصف، فعملت إيران من خلال المعمّمين والمرجعيات الشيعية إلى تغيير الهُوية العربية العراقية، وإهانة الشعب العراقي من خلال ممارسات تنافي القيم والأخلاق، فتقوم باستخدام الدين وتحت شعار حب آل البيت للتغطية على حِقدهم الدفين، وأهدافهم الخبيثة، ونواياهم الفاسدة ضد هذا الشعب العربي الأصيل صاحب البطولات والشجاعة…

لقد عمل الفُرس على إذلال الإنسان العراقي واحتقاره، لقد صنعوا من أراذل العراق سادة على الشعب يسومونه سوء العذاب؛ يُرملون النساء، وييتمون الأطفال، ويسرقون الأموال، ويقتلون ما يشاؤون في الوقت الذي يشاؤون. فنشروا الفساد والرذيلة والسرقة والأمراض والجهل والخرافة في كل مفاصل الدولة، من خلال الطقوس الكهنوتية التي فرضت على الشعب، من أمثال تدليك قدم الزائر الإيراني، أو تقبيل قدمة وما له الأجر والثواب كما يزعمون وهي في الحقيقة للإهانة والاذلال، وسيطرتهم على العتبات المقدس في النجف، وكربلاء، وسامراء، من خلال عناصر فيلق القدس والاستخبارات الإيرانية (اطلاعات)، وسوء المعاملة للزوار (العاتبات)، وأصبحت كلمة إيران هي الطاغية في كل الدولة، من خلال عملائهم الذين يقودون المشهد العراقي، وكأنهم لا يعرفون بأن العراقي أبيّ وثائر ولا يقبل الضيم بحال من الأحوال!!!

فهذه الثورة ليست كما يسميها بعض المحللين ثورة الجياع، فالعراق كما هو معلوم غني بما حباه الله من ثروات، وأهله أغنياء في المال والنفس، رغم كل الفساد الموجود في سلطة العملاء! فثورة العراق قامت لاسترداد الكرامة العراقية، والرد على تجاوزاتهم ضد الشعب العراقي الأبي، لطاما حاول المحتلون بأساليبهم المذكورة القضاء على ثورته.

فاندلاع شرارة الثورة في العراق ليس بمستغرب! والمستغرب هو تأخر هذه الثورة حتى الآن! كيف وقد عُرك العراق عرك الأديم، وهنا لن نحتاج إلى الاستغراق في تحليل مسببات الثورة وخلفياتها، وبكل صدق لو كانت الأمة بعافيتها لثارت لما يجري في العراق، فما بالك بأهل العراق أنفسهم!!!

يبدو حتى الآن أن حراك الثورة في العراق لايزال عشوائيا، وخارج عباءة أحزاب السلطة وهذا مكمن قوّة وخطر في الوقت نفسه، فقوّته ذاتية فالشعب نفسه هو محرك الثورة، والخطر يكمن في احتمالات خطف مكتسبات الثورة كما في النماذج (الاعتصامات، والتظاهرات) السابقة.

تعمل أحزاب السلطة وما يسمى بالمرجعيات على احتواء الثورة -ثورة الكرامة- وعلى إجهاضها.

أولا: لأنها عفويه وليس لها قيادة راشدة توجهها.

 ثانيا: لأن الزواج الأمريكي الإيراني لايزال كاثوليكيا. 

فيا شباب ثورة، ثورة الكرمة الباسلة لقد أثبتم للعالم بأنكم طلاب حقّ، وأصحاب قضيّة وتأكد العالم من فساد الحكومة الطائفية العملية وتسويفاتها واستهتارها بحقوق العراقيين، فأشاعوا الفساد ونهبوا ثروات العرق، واستعانت بالميلشيات الإرهابية التابعة لإيران، وسوء الخدمات وتردي الأمن وجعلوا العراق حديقة خلفية لحماية إيران، فلتستمر الثورة في جميع أنحاء العراق لإسقاط الحكومة الفاسدة (حكومة المحاصصة) التي وضعها بريمر! وإسقاط العملية السياسية، ولا تلتفتوا إلى نعيق الغراب من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الفاشلة، لأنهم أذرع إيران في العراق، ويعملون بأساليب خبيثة لإجهاض الثورة لا تسمعوا لهم وقد جربتم وعودهم.

المرتكز الرئيس للنفوذ الإيراني ومشرعه في المنطقة العربية يعتمد على السيطرة على العراق وجعلها منطلقا للتوسع الجيوسياسي، وبالتالي فإن بداية انحسار التغول الصفوي ستكون بخروج العراق عن دائرة السيطرة المجوسية الصفوية.

فأخرجوا إيران، ودمروا مشروعهم الصفوي الساعي لإعادة الإمبراطورية الإيرانية، وعلى الحكام العرب أن يعلموا بأن إحباط المشروع الإيراني في العراق هو نهاية لكل أحلام إيران في المنطقة، وعليهم دعم الثورة بكل ما يمكن ماديًا، وإعلاميًا، وسياسيًا حتى يكتب النصر القرب بأذن الله! وسيبقى العراق حارس البوابة الشرقية لصدّ الشر القادم منها. ويعلم الجميع أن الدور الإيراني محوري واستراتيجي بالنسبة للمشروع “الصهيوأمريكي”، لكنه مرحليّ وغير قابل للديمومة، وبالتالي فلا غرابة من استغناء السيد عن كلب الصيد إذا لم يعد قادرا على جلب الطرائد، فإن مجمل الأحداث تبعث على التفاؤل والثقة بموعود الله لهذه الأمة بالنصر والتمكين.

فاعلموا أيها الشباب أن الله معكم لأنكم على حق، وأن حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهواء حيث قال: (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر …).

المجد والخلود لشهداء الثورات العربية بعامة، ولشهداء العراق بخاصة، عاش العراق حرًا أبيا وعاشت ثورته المباركة.

________________

د. ناجي خليفه الدهان: دكتوراه في العلوم السياسية / العلاقات الدولية، باحث في الشؤن السياسية والاستراتيجية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه و لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى