جدوى العقوبات الأميركية : وجهة نظر إيرانية

د. نبيل العتوم

يتساءل ساسة إيران ورجال دينها  متى ستدرك الولايات المتحدة أن سياسة فرض العقوبات أصبحت  بالية قديمة  ، وغير فاعلة في التعامل معها ؟. وما مدى تأثير هذه  العقوبات وهل يمكن أن تتجاوزها  إيران ؟ وما الذي ستجنيه الولايات المتحدة من التوسل بالعقوبات القاسية مجدداً ؟ .

 

  تقول إيران  والحديث موجه  طبعاً لمواطنيها  ،   أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وتوسلها بهذا  السلاح  لن يكون  أمراً  مجدياً في التعامل معها ، وتضرب مثلاً  حول العقوبات التي فرضتها على  كوريا الشمالية فماذا  كانت النتيجة، هو توصل كوريا الشمالية إلى تصنيع الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الحاملة لها ، وكذلك فرضت عقوبات تجارية على الصين وكانت النتيجة عكس ما أرادت أميركا تماماً ، حيث تمكنت  من بناء قدراتها الذاتية  بكفاءة عالية ،كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا، فكانت النتيجة أن استطاعت روسيا تطوير ترسانتها العسكرية ، وإنتاج أسلحة  نوعية تتفوق على الأسلحة الأمريكية ، وتمكنت من  تطوير اقتصادها  وصناعاتها المختلفة ، وتحقيق فكرة الاكتفاء الذاتي ،  لكن إيران نسيت أن روسيا كان لها علاقة طيبة على المستوى الإقليمي والدولي ، وليس لديها حرس ثوري ، ومرشد  استباحوا  السياسة والاقتصاد  وكل شيء …. ،  صحيح أن  الولايات المتحدة  قد فرضت عقوبات اقتصادية على إيران على مدى أكثر من 35 عاما، فكانت النتيجة، تدهور اقتصادي و صناعي وزراعي ومائي واجتماعي وسياسي وثقافي وحتى إنساني   وفي كل المجالات .   

في موضوع فرض العقوبات الدولية على إيران ، هناك مؤكدان وثابت ؛المؤكد الأول : أن الإدارة  الأميركية  الحالية  قامت باستدارة سياسية كاملة في التعامل مع إيران ؛ فهي  لم تكتفي بالانسحاب من الاتفاق النووي ، بل اتخذت قرارا حاسماً بفرض حزمتين  من العقوبات  القاسية على إيران، كما هددت الدول والشركات التي لا تلتزم بتنفيذ هذه العقوبات، باتخاذ إجراءات عقابية ضدها . أما المؤكد الثاني : فقد  صاحب العقوبات الأميركية  حملة  إعلانات  ودعاية إيران  لتوظيف التصريحات  الأوروبية والروسية والصينية ، التي  أكدت أن العقوبات الأميركية غير قانونية  ، وأن لغة العقوبات لم تعد تجدي نفعاً في التعامل مع الدول على اعتبار أنها  لا تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وتمثل انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن الدولي  رقم  2231 ، وتعهدت هذه الدول  بإيجاد سبل لتجاوزها .

أما الثابت فإن  ردة فعل الدول  الأوروبية  الضامنة للاتفاق النووي  وروسيا والصين على حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران ، فيكاد لا يرقى لمستوى الحدث ، وهذا ما نلمسه  من خلال عدد من المؤشرات ، أولها : كيفية تعامل الدول الأوروبية مع حزمة العقوبات  الأمريكية  ، حيث اعتذرت هذه الدول تباعاً عن استضافة الآلية الخاصة  لتطبيق العقوبات ، ومحاولة اقناع “لوكسبورغ” باستضافتها ، المؤشر الثاني : مسارعة الشركات الأوروبية الكبرى  حزم حقائبها والهروب من إيران خشية من كلف البقاء هناك ،  المؤشر الثالث : مشاطرة هذه الدول لواشنطن بضرورة إيجاد ملحق إضافي للاتفاق النووي يتناول  البرنامج الصاروخي  الإيراني ، ودور إيران الإقليمي ، ومعالجة الثغرات التقنية في الاتفاق النووي .

 تعلم الدول الضامنة للاتفاق النووي  أن العقوبات الأمريكية ستطالها  بالدرجة الأولى، و ربما قبل أن تطال طهران، بموازاة ذلك فهي  غير قادره حتى الآن للخروج عن الخط الأميركي  لاعتبارات كثيرة ، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يطرح فكرة إنشاء جيش أوروبي مستقل .

تدرك طهران في قرارة نفسها أن دبلوماسية التوجه نحو الشرق  ” روسيا والصين”، وأي مراهنة على الأوروبيين هي رهان  خاطئ بامتياز ، وأن لحظة الحقيقة إذا دقت ستتنصل هذه الدول عن مواجهة أميركا ، وستكون عاجزة تماماً أمام السطوة الأميركية  .

لا شك أن الفترة المقبلة ستكون قاسية على إيران في ظل ما تعيشه من أزمات داخلية مركبة ومعقدة ، ومن المستحيل على  الاقتصاد الإيراني الذي يعاني منذ مدة طويلة بفعل متغيرات كثيرة  أن يتكيف مع العقوبات  الجديدة، لأن الاعتماد على  علاقات اقتصادية مع دول الجوار  ، والتي تشترك معها بجبرية جغرافية مع إيران ، مثل العراق وتركيا، والباكستان ودول أسيا الوسطى والقوقاز ، لا يمكن التعويل عليها  بتاتاً.

لا بد من التذكير كذلك ، أن تعويل طهران على دورها من خلال مداخل الأزمات الإقليمية ووكلائها ومخالبها لمساومة إدارة ترامب لن يجدي نفعاً ، لأنه وباختصار فإن توظيف هذه الأدوات لتصفية الحسابات مع واشنطن ، معناه مغامرة غير محمودة العواقب ، سيؤدي إلى دفع إيران لأثمان باهظة .

لا بد كذلك من القول أن إدعاء إيران أمام شعبها وشعوب دول المنطقة بأن هناك تأييد عالمي واسع لها  ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، هو أمر مجافي للحقيقة والصواب ، نتيجة للصورة السوداوية التي تحتفظ بها  هذه الشعوب لإيران وسياساتها الدموية في المنطقة ، وللشعارات الكاذبة التي صدعت بها رؤسنا  حول الممانعة ، ومحاربة إسرائيل ؛  فقوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني  لا  تبعد  سوى سوى فراسخ معدودة  على أصابع اليد عن الحدود الإسرائيلية من خلال جبهة جنوب سوريا ، وشعوب العالم الإسلامي تواقة  لإطلاق  ولو “الألعاب النارية ” تجاه  القوات الإسرائيلية  ، ولو لمجرد ذر الرماد في العيون .

 

لا شك أن واشنطن ماضية في  عملية  ممنهجة لخنق الاقتصاد الإيراني ، ومن المؤكد أن الهدف تحجيم   النفوذ الإيراني  ، وجعلها تنكفئ للداخل ، وترك مهمة الإطاحة بالنظام للشعب الإيراني ، مع  الحرص على خلق حالة من  الشعور  بعدم الأمان بعد معاقبتها  اقتصاديا ، بل ومحاولة  واشنطن محاصرتها عسكريا ؛  بشكل مباشر ، و من خلال بناء تحالف إقليمي مع شركاء أميركا  ، و من المتوقع  أن تقوم إيران باستنفار قواها ، ومحاولة  تسخين المنطقة بكاملها ، لكنها محاولات حتماً ستبوء بالفشل .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى