يتساءل ساسة إيران ورجال دينها متى ستدرك الولايات المتحدة أن سياسة فرض العقوبات أصبحت بالية قديمة ، وغير فاعلة في التعامل معها ؟. وما مدى تأثير هذه العقوبات وهل يمكن أن تتجاوزها إيران ؟ وما الذي ستجنيه الولايات المتحدة من التوسل بالعقوبات القاسية مجدداً ؟ .
تقول إيران والحديث موجه طبعاً لمواطنيها ، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وتوسلها بهذا السلاح لن يكون أمراً مجدياً في التعامل معها ، وتضرب مثلاً حول العقوبات التي فرضتها على كوريا الشمالية فماذا كانت النتيجة، هو توصل كوريا الشمالية إلى تصنيع الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الحاملة لها ، وكذلك فرضت عقوبات تجارية على الصين وكانت النتيجة عكس ما أرادت أميركا تماماً ، حيث تمكنت من بناء قدراتها الذاتية بكفاءة عالية ،كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا، فكانت النتيجة أن استطاعت روسيا تطوير ترسانتها العسكرية ، وإنتاج أسلحة نوعية تتفوق على الأسلحة الأمريكية ، وتمكنت من تطوير اقتصادها وصناعاتها المختلفة ، وتحقيق فكرة الاكتفاء الذاتي ، لكن إيران نسيت أن روسيا كان لها علاقة طيبة على المستوى الإقليمي والدولي ، وليس لديها حرس ثوري ، ومرشد استباحوا السياسة والاقتصاد وكل شيء …. ، صحيح أن الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات اقتصادية على إيران على مدى أكثر من 35 عاما، فكانت النتيجة، تدهور اقتصادي و صناعي وزراعي ومائي واجتماعي وسياسي وثقافي وحتى إنساني وفي كل المجالات .
في موضوع فرض العقوبات الدولية على إيران ، هناك مؤكدان وثابت ؛المؤكد الأول : أن الإدارة الأميركية الحالية قامت باستدارة سياسية كاملة في التعامل مع إيران ؛ فهي لم تكتفي بالانسحاب من الاتفاق النووي ، بل اتخذت قرارا حاسماً بفرض حزمتين من العقوبات القاسية على إيران، كما هددت الدول والشركات التي لا تلتزم بتنفيذ هذه العقوبات، باتخاذ إجراءات عقابية ضدها . أما المؤكد الثاني : فقد صاحب العقوبات الأميركية حملة إعلانات ودعاية إيران لتوظيف التصريحات الأوروبية والروسية والصينية ، التي أكدت أن العقوبات الأميركية غير قانونية ، وأن لغة العقوبات لم تعد تجدي نفعاً في التعامل مع الدول على اعتبار أنها لا تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وتمثل انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ، وتعهدت هذه الدول بإيجاد سبل لتجاوزها .
أما الثابت فإن ردة فعل الدول الأوروبية الضامنة للاتفاق النووي وروسيا والصين على حزمة العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران ، فيكاد لا يرقى لمستوى الحدث ، وهذا ما نلمسه من خلال عدد من المؤشرات ، أولها : كيفية تعامل الدول الأوروبية مع حزمة العقوبات الأمريكية ، حيث اعتذرت هذه الدول تباعاً عن استضافة الآلية الخاصة لتطبيق العقوبات ، ومحاولة اقناع “لوكسبورغ” باستضافتها ، المؤشر الثاني : مسارعة الشركات الأوروبية الكبرى حزم حقائبها والهروب من إيران خشية من كلف البقاء هناك ، المؤشر الثالث : مشاطرة هذه الدول لواشنطن بضرورة إيجاد ملحق إضافي للاتفاق النووي يتناول البرنامج الصاروخي الإيراني ، ودور إيران الإقليمي ، ومعالجة الثغرات التقنية في الاتفاق النووي .
تعلم الدول الضامنة للاتفاق النووي أن العقوبات الأمريكية ستطالها بالدرجة الأولى، و ربما قبل أن تطال طهران، بموازاة ذلك فهي غير قادره حتى الآن للخروج عن الخط الأميركي لاعتبارات كثيرة ، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يطرح فكرة إنشاء جيش أوروبي مستقل .
تدرك طهران في قرارة نفسها أن دبلوماسية التوجه نحو الشرق ” روسيا والصين”، وأي مراهنة على الأوروبيين هي رهان خاطئ بامتياز ، وأن لحظة الحقيقة إذا دقت ستتنصل هذه الدول عن مواجهة أميركا ، وستكون عاجزة تماماً أمام السطوة الأميركية .
لا شك أن الفترة المقبلة ستكون قاسية على إيران في ظل ما تعيشه من أزمات داخلية مركبة ومعقدة ، ومن المستحيل على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني منذ مدة طويلة بفعل متغيرات كثيرة أن يتكيف مع العقوبات الجديدة، لأن الاعتماد على علاقات اقتصادية مع دول الجوار ، والتي تشترك معها بجبرية جغرافية مع إيران ، مثل العراق وتركيا، والباكستان ودول أسيا الوسطى والقوقاز ، لا يمكن التعويل عليها بتاتاً.
لا بد من التذكير كذلك ، أن تعويل طهران على دورها من خلال مداخل الأزمات الإقليمية ووكلائها ومخالبها لمساومة إدارة ترامب لن يجدي نفعاً ، لأنه وباختصار فإن توظيف هذه الأدوات لتصفية الحسابات مع واشنطن ، معناه مغامرة غير محمودة العواقب ، سيؤدي إلى دفع إيران لأثمان باهظة .
لا بد كذلك من القول أن إدعاء إيران أمام شعبها وشعوب دول المنطقة بأن هناك تأييد عالمي واسع لها ضد العقوبات الاقتصادية الأمريكية، هو أمر مجافي للحقيقة والصواب ، نتيجة للصورة السوداوية التي تحتفظ بها هذه الشعوب لإيران وسياساتها الدموية في المنطقة ، وللشعارات الكاذبة التي صدعت بها رؤسنا حول الممانعة ، ومحاربة إسرائيل ؛ فقوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني لا تبعد سوى سوى فراسخ معدودة على أصابع اليد عن الحدود الإسرائيلية من خلال جبهة جنوب سوريا ، وشعوب العالم الإسلامي تواقة لإطلاق ولو “الألعاب النارية ” تجاه القوات الإسرائيلية ، ولو لمجرد ذر الرماد في العيون .
لا شك أن واشنطن ماضية في عملية ممنهجة لخنق الاقتصاد الإيراني ، ومن المؤكد أن الهدف تحجيم النفوذ الإيراني ، وجعلها تنكفئ للداخل ، وترك مهمة الإطاحة بالنظام للشعب الإيراني ، مع الحرص على خلق حالة من الشعور بعدم الأمان بعد معاقبتها اقتصاديا ، بل ومحاولة واشنطن محاصرتها عسكريا ؛ بشكل مباشر ، و من خلال بناء تحالف إقليمي مع شركاء أميركا ، و من المتوقع أن تقوم إيران باستنفار قواها ، ومحاولة تسخين المنطقة بكاملها ، لكنها محاولات حتماً ستبوء بالفشل .