عندما نتحدث عن وسائل الإعلام واتجاهاتها في ظل عالم رقمي اختصر العديد من محركاته في سعيه للوصول إلى المتلقي ووضعه في قلب الحدث، فإننا نتوقف عند الإعلام الطائفي من دون أن يتعاطى مع العالم الرقمي ودوره في الحياة مختبئا خلف ما تبقى من حواجز لمواجهة استحقاقات التطور المذهل في وسائل الإعلام التي أسقطت حراس البوابات التي كانت تحول دون فتح نوافذ العالم أمام جمهور وحاجاته وتطلعاته، ولكن ليس فوضى إعلامية كما جرى في العراق بعد احتلاله.
وتحول التوجه الطائفي والعرقي والديني لأغلب وسائل الإعلام العراقية بعد احتلال العراق إلى ظاهرة خطيرة في المجتمع، إذ أصبح لكل طائفة وهوية عرقية، صحيفة، وإذاعة، وتلفزيون، وموقع إخباري الذي حول الإعلام العراقي إلى منابر دعائية تخدم مخططات خارجية دون اهتمام في التصدي للتحديات والمخاطر الداخلية الحقيقية التي تواجه العراق، لا سيما إخفاق الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق والتنبيه إلى استشراء الفساد وضياع ثروات العراقيين.
وانتقلت الفعالية الإعلامية بعد الاحتلال من مرحلة الإعلام المُحتكَر من قبل السلطة المركزية متمثلا بعدة صحف وثلاث قنوات محلية وفضائية واحدة، إلى إعلام غير منضبط على صعيدي الكم والنوع،.
كما أن التركيز على طائفية الأمكنة التي كانت مسرحا للتفجيرات والأعمال العسكرية تندرج في إطار السعي لتكريس الطائفية في المجتمع العراقي.
لقد أفرزت الأوضاع التي شهدها العراق عددا من الظواهر تجسدت في البداية بحالة من الفوضى والانفلات الإعلامي عددا هائلا من الصحف والمنشورات أول الأمر، كإحدى صفحات المشهد الإعلامي العراقي الجديد ـ لسهولة إنتاجها وتوزيعها.
لم تقف السلطات موقف المتفرج إزاء هذا الانفلات وواجهته في التضييق، وحملات تكميم الأفواه، واستهداف الصحفيين بالاغتيالات والخطف، كما يجري في ساحات التظاهر الأمر الذي انعكس سلبا على حرية الرأي والتعبير، وعلى انسيابية حركة الإعلام والصحافة، وبما جعل من حرية الصحافة في العراق تمضي صوب منحدر خطير.
واستخدمت الحكومة هيئة الإعلام والاتصالات كرقيب مباشر على وسائل الإعلام، ووصل الأمر إلى حد تدخل الهيئة بالسياسة التحريرية لوسائل الإعلام، وتحديد نوع التغطية، وتهديد وسائل الإعلام بالإغلاق وسحب الإجازة إذا تجاوزت الخطوط الحمراء بما مسموح به من النقد.
وبعد مرور نحو 17 عاما على تجربة الإعلام الطائفي نستطيع القول إنها كانت قاصرة، ولم تلبِّ مشاغل العراقيين وتطلعاتهم، وتحولت من صوت للشعب إلى منبر للطائفة والعرق، والحزب والترويج لمشاريعها، وأصبحت أسيرة لهذا النهج الذي أبعدها عن رسالتها النبيلة، كمنبر حقيقي لكشف اللصوص ومبددي المال العام وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه العراق، لا سيما تغول الفساد والسلاح في المجتمع، وتكريس سياسة الإقصاء والتهميش التي طاولت ملايين العراقيين.
وعلى الرغم من محددات الإعلام الطائفي والمسيس فإن ثورة الاتصالات وما أحدثته من نقلة نوعية في التواصل بين الأفراد والأمم فإنها أسقطت الجدران الطائفية، وحولتها إلى بضاعة كاسدة لا تقوى على مواجهة اشتراطات التغيير في العالم الرقمي

800
تعليق واحد