![](https://arabianiraq.com/wp-content/uploads/2021/08/الفريق-صباح-نوري-العجيلي.jpg)
حرب الاستنزاف ، غايتها أنهاك العدو وكسر إرادته على القتال ودفعه الى مرحلة الانهيار • صراع طويل الأمد ، يتطلب تحشيد الاسلحة المادية والمعنوية والنفسية والاقتصادية • دور وايمان الشعوب بعدالة القضية ، ركن أساس في الصمود والمطاولة في الحرب • الحرب اللامتماثلة وحرب العصابات نماذج من حرب الاستنزاف • حرب الاستنزاف المصرية بعد نكسة حزيران 67 ، رفضت الهزيمة ومهدت للعبور وتحرير سيناء • في حرب أوكرانيا ، اربع جهات تتعرض للاستنزاف هي: روسيا واوكرانيا واوروبا والولايات المتحدة.
تمهيد: ظهر مفهوم حرب الاستنزاف لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، حين شنت فرنسا وبريطانيا عملية واسعة ضدَّ التحصينات الألمانية على مستوى منطقة فردين وبلدة لاسوم الواقعة شمالي فرنسا. والامثلة على هذا النوع من الحروب زاخرة في التاريخ العسكري ، كحرب فيتنام وحرب الاستنزاف المصرية بعد نكسة حزيران67 والحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988) ، وحروب أفغانستان واستنزاف أمريكا والناتو، واستنزاف قوات الاحتلال الأمريكي في العراق (2003- 2011) والتي بلغت خسائره 4487 قتيل والالاف من الجرحى والمعاقين وبكلفة حرب بلغت ثلاثة تريليونات دولار. وأخيرا وليس أخر، الحرب الدائرة في أوكرانيا والتي تتعرض فيها أربع جهات للاستنزاف، وهي روسيا وأوكرانيا ودول أوروبا والولايات المتحدة.
مفهوم حرب الاستنزاف
الحرب صراع ارادات قبل ان تكون حرب تدمير للقدرات المادية المعادية، هدفها الحقيقي كسر إرادة قتال قوات العدو وكذلك شعوبها . وحرب الاستنزاف نوع من الحروب التي يسعى من خلاله أحد أطراف المواجهة إلى تقويض القوة العسكرية للخصم عبرَ استنزافِ قدراته وتحميله خسائر مادية كبيرة وتدميرِ معنويات الجنود بجرهم إلى دائرةٍ مفرغة من المواجهات المتقطعة.
وحرب الاستنزاف نوع من الحروب طويلة الاجل التي تقع بين دولتين او أكثر، وتستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المادية والمعنوية والفكرية بهدف إنهاك العدو وتحميله أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية وتحطيم إرادته على الاستمرار في القتال
وحرب الاستنزاف ، إستراتيجية عسكرية لصراع طويل الأمد، وهي مرحلة ضرورية في حالة عدم القدرة على الحرب الشاملة غير انها لا تحقق نصراً حاسماً ، وتتوخى هدف ايقاع اكبر قدر من الخسائر بأفراد العدو ومؤسساته الادارية والاقتصادية
الحروب اللامتماثلة وحرب العصابات والحرب الشعبية والمقاومة الوطنية من النماذج التي تلبي أهداف حرب الاستنزاف والتي تتعرض فيها القوة الغاشمة والغازية الى الاستنزاف المستمر والإنهاك وتكبد الخسائر البشرية والمادية وبالتالي الإخلال بتوازنه .
مميزات حرب الاستنزاف :
تمتاز حروب الاستنزاف بالمميزات الأتية:
-حرب طويلة الأمد تستنزف القدرات البشرية والمعنوية والمادية للطرف المقابل وتتطلب المطاولة والصبر.
- هدف الحرب اضعاف معنويات الخصم وإرادة القتال عبر استنزافه في سلسلة من المعارك
- تتطلب قدرات عسكرية واقتصادية مناسبة لضمان الاستمرارية بالمواجهة واستنزاف الخصم.
- تتسم خطط وتكتيكات حرب الاستنزاف بالمرونة والدقة
- توظيف الاسلحة المادية والنفسية والفكرية لخدمة الحرب
- تأييد الشعوب والايمان بعدالة القضية اساسي ، لديمومة اسناد القوات المسلحة في الميدان والمحافظة على الجبهة الداخلية.
- الحاجة للحصول على دعم سياسي ومادي خارجي لاستمرار المواجهة وتحقيق هدف الاستنزاف.
- لن تحقق حرب الاستنزاف الحسم النهائي . حيث تحسم المعارك بالنهاية عبر العمليات التعرضية. حرب الاستنزاف.. الإنهاك ولا حسم
تُعتبر حرب الاستنزاف مقياسا لرصدِ قدرةِ طرفي الصراع على تحملِ مواجهة غير محسومة تمتد فترة طويلة، من دون آفاق واضحة للنصر أو الهزيمةْ. وفي بعض الأحيان يكون هدفها المحافظة على قدرٍ من الحيوية وعدم الاستقرار على الجبهة بما يسمح برص الصفوف استعدادا لجولة جديدة من الحرب، أو لحرمان العدو من تحقيق نصر عسكري من خلال مدَّ أجل المواجهة .
مراحل حرب الاستنزاف:
– مرحلة صد الغزو والعدوان وايقافه ومنعه من التوسع.
– التهيؤ لحرب الاستنزاف وبناء القدرات وتامين متطلبات الحرب البشرية والمادية، وتشمل تلك المرحلة، عملية التخطيط التي تتضمن تقدير موقف بالمستويات العليا لوضع الخطط اللازمة للمواجهة والشروع بحرب استنزاف لإنهاك العدو في سلسلة من المواجهات.
– الدفاع التعرضي أو الفعال الذي يحافظ على تماسك الجبهة وبذات الوقت القيام بعمليات تعرضية محدودة كالغارات والكمائن والعمليات الخاصة والمخطط لها بدقة .
– العمل التعرضي ، وتنفيذ عمليات تعرضية نوعية واسعة تستهدف تدمير قوات العدو والاخلال بتوازنه واضعاف ارادته على القتال.
النموذج المصري .. رفض النكسة
أول من اطلق تسمية حرب الاستنزاف على الحرب المصرية بعد نكسة حزيران 67 ، هو الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر رافضا الاستسلام لإرادة العدو الذي حقق نصراً مباغتاً في حرب حزيران، حيث بدأت مصر صراعها المسلح ضد إسرائيل بمرحلة أطلق عليها مرحلة الصمود وعدم الاستسلام والتي تضمنت إعادة التنظيم وبناء المنظومة الدفاعية وتامين احتياجات القوات المسلحة ، ثم انتقلت بعدها القوات المسلحة المصرية إلى مرحلة الدفاع التعرضي او الفعال حيث بدأت بقصف مواقع ومدفعية العدو في سيناء، ثم تطور القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها الاستنزاف لتصل الحرب إلى ذروتها أوصلت العدو الى عدم الجدوى بالبقاء في سيناء. وساهمت الدول العربية في تقديم الأسلحة والاموال والدعم السياسي وارسال القوات لغرض تعزيز عملية بناء القدرات ومرحلة الصمود.
و مرحلة الصمود وبناء القدرات ، كان الهدف منها هو سرعة إعادة البناء، ووضع الهيكل الدفاعي عن الضفة الغربية لقناة السويس. وكان ذلك يتطلب هدوء الجبهة حتى توضع خطة الدفاع موضع التنفيذ بما تتطلبه من أعمال كثيرة وبصفة خاصة أعمال التجهيز الهندسي المطلوبة. واستغرقت هذه المرحلة المدة من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968.
أما مرحلة الدفاع التعرضي او الفعال فقد كان الغرض منها تنشيط الجبهة والاشتباك بالنيران مع القوات الإسرائيلية بغرض تقييد حركة قواتها في الخطوط الأمامية على الضفة الشرقية للقناة، و إيقاع بها خسائر بالأفراد والمعدات. واستغرقت هذه المرحلة المدة من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969.
و تصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها الاستنزاف أو مرحلة التحدي والردع، وذلك من خلال أنشاء خط للصواريخ واستحداث قيادة للدفاع الجوي والقيام بأعمال هجومية وعبور بعض القوات للاغارة على القوات الإسرائيلية، وكان الهدف منها تكبيد إسرائيل أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات لأقناعها بأنه لابد من دفع الثمن غاليا للبقاء في سيناء، وفي نفس الوقت تطعيم الجيش المصري عمليا ومعنويا للمعركة. واستغرقت هذه المرحلة من مارس 1969 إلى أغسطس 1970 من النكسة إلى الاستنزاف
كان جهد فصائل المقاومة الفلسطينية جوهريا في تلك الحرب حيث شتَّتت تركيز جيش الاحتلال وكبَّدته خسائر خصوصا على الجبهة الأردنية التي شهدت معركة الكرامة التي كانت أولَ نصرٍ استعاد به العرب بعض كرامتهم بعد النكسة.
حرب الاستنزاف في أوكرانيا
نموذج جديد وحي لحرب استنزاف دولية تتعرض فيها اربع جهات دولية للاستنزاف بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في 24 شباط/فبراير2022 ومازالت مستمرة ، وهي روسيا وأوكرانيا ودول أوربا وبالأخص دول الناتو ومن ثم الولايات المتحدة التي القت بثقلها في دعم أوكرانيا واستنزاف روسيا كدولة وقوات مسلحة .
لقد كان مخطط إيقاع روسيا وقواتها في مستنقع الاستنزاف، هدفا أمريكيا واوربيا لإضعاف قوة روسيا العسكرية والاقتصادية وردعها من تكرار الحرب على الدول الأخرى والتقليل من مكانتها الدولية ، لذلك فرضت على روسيا عقوبات شديدة وفي مختلف المجالات العسكرية والمدنية، وزودت الولايات المتحدة ودول الناتو، أوكرانيا بمنظومات السلاح الغربي لاسيما الصواريخ واسلحة مقاومة الطائرات والدبابات والمدفعية لإدامة صمود قواتها امام الغزو الروسي واستنزاف قواته و كذلك تقديم الاموال والدعم اللوجيستي والاستخباري واستقبال ملايين اللاجئين.
تتعرض جميع الأطراف المشاركة بالحرب الى وقوع المزيد من الضحايا والدمار وتشريد الملايين من المدنيين وأثار العقوبات و ارتفاع مستويات التضخم التي يصعب تحملها على المدى المتوسط والبعيد ، فضلا عن ارتفاع أسعار مواد الطاقة بخاصة الغاز وكذلك الحبوب .
باتت حسابات الحرب تفوق حسابات الخسائر الروسية او الغربية التي تتحمل أعباء هذه الازمة وتراهن الأطراف كافة على استنزاف الطرف الاخر في المجال العسكري وفرض أعباء اقتصادية مكلفة.
وعلى طول ساحة الحرب في الأراضي الأوكرانية تتعرض قوات الطرفين الروسي والأوكراني الى الخسائر البشرية والمادية نتيجة استمرار المعارك وتبادل قصف الأهداف والمنشئات الحيوية بالصواريخ والمدفعية والطائرات المسيّرة . وفقد كلا الطرفين المتحاربين الاف الضحايا والأسلحة والمعدات المدمرة، كما تتعرض البنى التحتية في عموم أوكرانيا الى التدمير او التعطيل، كما توقفت عمليات التصدير البحري بسبب الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية. ولا يمكن التكهن في وقف الحرب بالمستقبل المنظور.
فرضت مشكلة اللاجئين الاوكرانيين وضعا طارئاً في الدول الاوربية تستنزف الأموال والموارد، حيث غادر اكثر من 3.7 مليون لاجئ اوكراني بلادهم نتيجة الحرب ، في حين نزح ما يقدر بنحو 6.48 مليون شخص داخل البلاد. وهي اكبر ازمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وواحدة من اكبر أزمات اللاجئين في العالم في القرن الواحد والعشرين
وبعد مرور اكثر من ستة اشهر على بداية الحرب، الاشتباكات المسلحة مستمرة في الجنوب والشرق وانتقل حديثا الى شبه جزيرة القرم. والثمن الذي تدفعه كل الأطراف باهضاً على الرغم من ان روسيا تعتبرها عملية خاصة وليست حرباً لأسباب سياسية ودولية وقانونية.
وفي الختام هل تتوقف الحرب بعد أدراك هذه الجهات وقوعها في دائرة الاستنزاف وحجم الثمن والخسارة التي تدفعها من دون تحقيق أهدافها ؟