حروب الجيل الرابع

الجزء الثالث

1• تمتلك حروب الجيل الرابع العديد من القواسم المشتركة مع ما سبقها من أجيال باعتبار أن المسألة في مجملها تنطوي على تطور تاريخي وتداخل لا يمكن الفكاك منه فهي تنطوي أيضاً على أنماط قائمة على التمرد وحروب العصابات والحروب المحدودة بل شهدت حروب الجيل الرابع أنماطاً جديدة من القتال حيث بات من الوارد ظهور تنظيمات قتالية تخوض حروباً كاملة ضد دول خارجية مثلما حدث بين حزب الله وإسرائيل وما حدث مؤخراً مع تنظيم القاعدة الإرهابي وتنظيم داعش الإرهابي الذي شكل (دولة إسلامية) على جزء من أرض العراق وسوريا ما إضطر الدول العظمى ومعها العديد من الدول الأخرى إلى قتالها تحت قيادة دول التحالف . هذا القتال جرى بين قوات الدول نفسها سواء كانت قوات نظامية أو مليشيات مسلحة وطنية أو طائفية مرتزقة مع دعمها بالجهد الجوي والمستشارين فقط كما قد تعمل تلك التنظيمات القتالية لصالح دولة معينة تعمل ظاهرياً تحت شعار وطني أو ديني ولكنها في حقيقتها تعمل لصالح قوى خارجية تعمل على هدم وتدمير الدولة المعنية وهناك العديد من الحالات التي تم فيها تجنيد تنظيمات إرهابية لصالح قوى خارجية .
2• إن هذه الحروب تمتلك سمات مميزة مثل عدم ممارسة التسلسل الهرمي للمنظومة العسكرية والافتقار إلى هيكل رسمي بما يوفر قدراً هائلاً من المرونة العملياتية والمناورة القتالية لهذه التنظيمات في مواجهة جيوش قائمة على التنظيم وهرمية اتخاذ القرار كما تمتلك هذه التنظيمات تشكيلات قتالية صغيرة ومدربة قادرة على إنهاك العدو والمناورة والأختباء وتحجيم خسائرها واستنزاف العدو مادياً ومعنوياً فضلاً عن سرعة التحرك والمراوغة وإمكانية استهداف عمق العدو بضرب البنى التحتية من خلال عناصر نشطة متحركة أو خلايا نائمة موالية أو غير ذلك بحيث يمكن لهذه التنظيمات البسيطة خوض حروب شرسة على المستويات الإعلامية والعسكرية والأقتصادية والشعبية ضد دول وربما كسبها ولو إعلامياً في ضوء تباين معايير وقواعد الربح والخسارة واختلاف هذه القواعد بين طرفي الصراع .
3• لا تتوقف أدوات الجيل الرابع من الحروب على الجانب العسكري بطبيعة الحال بل هي كما ذكرنا آنفاً ترتكز في الأساس على خوض الصراع بمفهومه الشامل في عمق العدو ومن ثم فمن الممكن أن تستخدم هذه الحروب وسائل غير عسكرية تماماً مثل الاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني لشل مؤسسات الدول وبنيتها التحتية وهي وسائل قديمة استخدمت ضد الدول الاستعمارية في قرون سابقة إذ استخدم البعض منها الزعيم الهندي التاريخي (غاندي) ضد الاحتلال البريطاني لبلاده ولكن الأمر بات أكثر احترافية وتعقيداً وهناك مؤسسات غربية متخصصة في تدريب الشباب من دول مختلفة على مثل هذه الوسائل المدنية في الاحتجاج والتظاهر وربما قلب أنظمة الحكم في مراحل معينة عن طريق هذه الوسائل الاحتجاجية القائمة على استهداف الخصم على المستويات الأخلاقية والفكرية والأيديولوجية بدلاً من المستوى المادي بحيث تظهر الدولة في مظهر الظالم ومن ثم تفقد أي غطاء شرعي داخلي أو خارجي بما يصعب معه استمرار النظام في الحكم في ظل صورته المشوهة التي تستوجب بالتبعية عزلة دوليةوانحساراً لمستويات التعاون مع المؤسسات الدولية في شتى المجالات كما تجلب أيضاً الانتقادات عبر التقارير الدولية المتخصصة وإحجام الشركات العابرة للقارات والمستثمرين عن التعاون مع هذا النظام . والمؤكد أن العالم لم يبلغ بعد ذروة الجيل الرابع من الحروب أو بمعنى آخر من السابق لأوانه القول إن العالم على وشك الدخول في جيل خامس من الحروب علماً بأن التطور التاريخي كما أشرنا آنفاً يعني استمرارية الحروب في التطور وفقاً لعوامل ومتغيرات عديدة فالجيل الرابع كسابقيه سيتطور ويستمر في ذلك بالتواصل مع الجيل الثالث والارتباط بالجيل الخامس من الحروب .
وإلى الله ترجع الأمور

مقالات ذات صلة

اللواء الركن فيصل الدليمي

رئيس منظمة عين للتوثيق والعدالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى