حول أزمة إيران الحالية… وتلك القادمة

الجمهورية الإسلامية تعاني بشدة، والأرجح ستزداد معاناتها، فمنذ تفشي الفيروس التاجي (فيروس كورونا) في العالم في الأسابيع الأخيرة، برزت إيران كواحدة من أكثر البلدان تضررا من الوباء.

واليوم، تحتل المرتبة السادسة في العالم من حيث عدد الحالات المبلغ عنها للمرض. ومع ذلك، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن النطاق الحقيقي لأزمة البلاد حتى الآن لم يتم الإبلاغ عنه إلى حد كبير.

يبلغ عدد حالات الإصابة بالفيروس التاجي الرسمي في إيران ما يقرب من 25000 حالة، بحسب قاعدة البيانات الشاملة التابعة لجامعة جونز هوبكنز. ومع ذلك، يقول المتخصصون في مجال الصحة إن هذا الرقم أقل من الواقع بكثير.

وأوضح أحد الخبراء في حديث مع إذاعة أوروبا الحرة/ راديو ليبرتي: “إذا نظرت إلى الأرقام… فإن 80 بالمئة من المصابين بالفيروس التاجي يعانون من أعراض خفيفة، وحوالي 15 في المئة فقط يذهبون إلى المستشفى (…) وبالتالي، فإن الأرقام التي يتم نشرها لا تمثل سوى حوالي 20 في المئة من واقع المجتمع”. وهذا من شأنه أن يجعل العدد الحقيقي لحالات كوفيد ـ 19 في الجمهورية الإسلامية يقترب من 125000 ـ وهو في ازدياد.بثت قنوات التلفزيون الحكومية فكرة أن المرض “سلاح عرقي” مصمم خصيصا ضد الشعب الإيراني

كذلك، يقول مراقبون إن النظام يقلل بشكل كبير من عدد الضحايا. وبحسب السلطات، فإن حصيلة الوفيات في البلاد بسبب المرض تقترب الآن من 1700 وفاة. ومع ذلك، قدرت خدمة راديو فاردا التابعة للحكومة الأميركية في 21 مارس أن الرقم يتجاوز بالفعل 2200.

في غضون ذلك، قدر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية العدد بأعلى بكثير. وبحسب تقديرات المعارضة الإيرانية، بلغت حصيلة الضحايا الفيروس التاجي 10500 حالة وفاة في أكثر من مئتي مدينة في جميع أنحاء الجمهورية الإسلامية.

حتى هذا الرقم المروع، يمكن أن يبدو ضئيلا مقارنة بما يتوقعه البعض. وقد أسفرت المحاكاة التي أجريت مؤخرا في جامعة شريف للتكنولوجيا في طهران، وهي إحدى مؤسسات التعليم العالي الأكثر احتراما في البلاد، عن سلسلة من التوقعات القاتمة بشكل كبير.

في ظل “أفضل سيناريو” يتصوره الباحثون ـ وهو السيناريو الذي يتم فيه وضع السكان الإيرانيين تحت الحجر المنزلي الصارم ـ سيصل عدد الضحايا إلى أكثر من 12000. ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون مثل هذه الحالة هي المسار الأكثر احتمالا، بل إن الأكثر ترجيحا هو المسار الذي تستمر فيه الأزمة حتى أواخر الربيع وتودي بحياة 3.5 مليون شخص.

لكن الوباء في إيران غير محصور داخل حدودها. إذ يزداد الانتشار لدى جيران إيران وشركائها الاستراتيجيين نتيجة الأزمة الصحية للجمهورية الإسلامية. ولدى 16 دولة الآن حالات كوفيد ـ 19 (كورونا) وهي تدعي أنها انتقلت من إيران، من بينها دول أفغانستان والعراق وأذربيجان المجاورة لإيران، ولبنان وقطر المتحالفتان معها.

بالطبع، لا يعترف قادة إيران بأي دور لهم في أي من هذا. ظل مسؤولو النظام صامتين إلى حد كبير حول الطبيعة الحقيقية لاستجابة حكومتهم المعدومة لانتشار الفيروس التاجي، على الرغم من أنهم فشلوا حتى الآن في وضع تدابير ـ مثل القيود الجوهرية على تنقل المواطنين ـ التي من شأنها إبطاء انتشار المرض. وبدلا من ذلك، فضلوا إلقاء اللوم على الأزمة على المصادر الأجنبية.

ولهذه الغاية، شن جيش رجال الدين في إيران، الحرس الثوري الإسلامي، هجوما دعائيا يهدف إلى وصف حالة الطوارئ الصحية بأنها عمل أعداء البلاد الرئيسيين: إسرائيل والولايات المتحدة.اختلس النظام الإيراني حوالي مليار دولار من المساعدات الدولية المخصصة لمواجهة كورونا

وقد بثت قنوات التلفزيون الحكومية فكرة أن المرض “سلاح عرقي” مصمم خصيصا ضد الشعب الإيراني. وسخر المرشد الأعلى للبلاد، علي خامنئي، من عروض المساعدة الإنسانية من الولايات المتحدة، على أساس فكرة أن الجائحة لها جذورها في أميركا. وقد رمى العديد من المسؤولين الإيرانيين مسؤولية هذه الضائقة الشديدة على العقوبات الأميركية.

ولكن لدى الإيرانيين العاديين فهم أفضل بكثير لجذور الأزمة. توضح مشاركاتهم العديدة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وإنستغرام أنهم يرون طبيعة السبب الحقيقي لمأزق بلدهم على أنه محلي: نتاج للضائقة والانحدار الذين طال أمدهما وباتا يحددان الحياة في ظل حكم رجال الدين. علاوة على ذلك، سيزداد غضبهم مع تزايد إدراكهم أن نظامهم قد اختلس حوالي مليار دولار من المساعدات الدولية المخصصة لمواجهة فيروس كورونا وتهدف مساعدة المواطنين العاديين في الأيام الأخيرة.

كل ذلك، يشير إلى أنه إذا تمكنت إيران من تجاوز أزمتها الصحية الحالية، فسوف تواجه أزمة أخرى أكثر جوهرية حول المسار السياسي للبلاد في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى