دمار اقتصادي وشيك ينتظر العراق

ا. د. محمد طاقة

مطلوب من الاقتصاديين وخبراء المال، دراسة المخاطر الاقتصادية، التي يسببها عدم إقرار الميزانية العامة للعراق للعام 2020، ونحن، الآن، في نهاية الشهر السادس من السنة، ولم تقدم الميزانية العامة للمصادقة عليها من قبل ما يسمى البرلمان العراقي، حتى تقر كوثيقة تشريعية ليبدأ العمل بها، وتحرك عجلة الاقتصاد والنشاط الاقتصادي برمته.
وبخباثة العملاء استقالت حكومة عادل عبد المهدي وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال لا تمتلك صلاحية إرسال مشروع الميزانية العامة العراقية للعام ٢٠٢٠ إلى البرلمان، وتترتب على ذلك، طبعاً، مخاطر اقتصادية جدية قد تفضي إلى انهيار الاقتصاد العراقي، الذي يستمر تدميره، منذ العام ٢٠٠٣ وإلى هذا اليوم.
إن الموارنة، من وجهة نظرنا، هي كشف حساب أو وثيقة تشريعية، تقدر فيها نفقات الدولة وإيراداتها لسنة مقبلة، وبذلك لا يمكن معرفة النفقات، التي ستصرف فعلاً والإيرادات، التي ستجنى، على وجه الدقة، خلال المدة المذكورة.
وطالما هي تقديرية فالاحتمال الأغلب أنها تلعب دوراً كبيراً في تقديرها، ويجدر في هذا الصدد التفرقة بين الموازنة العامة والحساب الختامي للسنة المالية، فالحساب الختامي هو كشف بالأرقام الفعلية المتحققة لتقديرات الموازنة، بعد سنة تنفيذها، أي بمعنى الموازنة كما طبقت فعلاً.
الموازنة العامة تكشف عن السياسة العامة للدولة تجاه المجتمع، ولها دور فعال في تحقيق التوازن الاقتصادي عن طريق استخدام سياسة الإنفاق والإيراد، وتتعلق أهميتها الاجتماعية بمفاهيم العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق بين طبقات المجتمع والرفاه الاجتماعي، كما أنها تبين مدى اهتمام الدولة بالارتقاء بالخدمات التعليمية والصحية وإيصال الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات.
المعروف لدى الجميع أن ميزانية الدولة تعتمد، بالدرجة الأساس، على الإيرادات المتأتية من بيع النفط الخام، بحيث تشكل الإيرادات النفطية بحدود ٩٥ بالمئة من الإيرادات العامة، وعليه فإن الإيرادات لا يمكن ضبطها، وتحديدها، بصفة مناسبة، كون أسعار النفط تتذبذب حسب قانون العرض والطلب، فضلاً عن الموقف السياسي، الذي يلعب دوراً مهماً في تحديد أسعار النفط.
على هذا الأساس يكون التلاعب بالإيرادات ممكناً، كما يشتهي الفاسدون، فإن الميزانية تعد على أساس سعر البرميل من النفط، فإذا كان السعر ٦٠ دولاراً، ففي حالة بيعه بـ٨٠ دولاراً، ففرق السعر يمكن التلاعب به أو سرقته، وبخاصة في بلد يتحكم فيه السراق والمليشيات وأحزاب سياسية فاسدة جدا. وفِي حالة انخفاض سعر البرميل الى أقل من ٦٠ دولاراً، سنقع في مشكلة عجز الميزانية وستكون الإيرادات العامة أقل من النفقات العامة مما سيؤثر على النشاط الاقتصادي برمته، وهذا ما حدث فعلاً في الميزانية التخمينية للعام ٢٠٢٠، والتي لم تعرض، إلى الآن، على البرلمان ولم تقر بسبب الأوضاع السياسية المتردية جداً، وانتشار وباء كورونا، الذي عطّل، هو الآخر، حركة النشاط الاقتصادي، وهذا مما يؤدي إلى دخول العراق مرحلة ركود اقتصادي. إن العراق يعاني من الفساد المالي والإداري غير المعهود عالمياً، والذي عطّل النشاط الاقتصادي، بنحو كبير، فضلاً عن أن العراق لا يملك غطاءً كافياً لتمويل العجز في الميزانية وهو عجز غير مسبوق، ولا يمكن تلافيه، إلا بإيجاد مصادر تمويل غير النفط، وإذا مررت الميزانية بهذا العجز سيكون ذلك بمرتبة انتحار اقتصادي.
بلغت الموازنة العامة التخمينية المقترحة للعام ٢٠٢٠
نحو ١٣٥ مليار دولار، فيما بلغ العجز فيها مبلغا قدره ٤٠ مليار دولار.
إن عدم إقرار الموازنة، إلى الآن، سيؤثر، بنحو مباشر، على إنجاز الكثير من المشاريع الاستثمارية الجديدة، التي شملتها الموازنة لعام ٢٠٢٠ ، وسيتردد كثير من المستثمرين من الشروع باستثماراتهم.
ويؤدي تعطيل إقرار الموازنة إلى زيادة معدلات البطالة والمستشرية، أصلاً، في العراق، وسيؤدي ذلك، بدوره، إلى زيادة نسبة الفقر والجوع والحرمان، وبسبب النمو السكاني أيضاً.
يؤثر تأخر إقرار الميزانية العامة على جميع النشاطات الاقتصادية وفِي مختلف المجالات، التي تعتمد على الإنفاق الاستثماري سواء كان حكوميا أم خاصاً، وسيؤثر على معدلات النمو الاقتصادي للبلد، كما يؤدي إلى الركود الاقتصادي، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه، ستنذر بكارثة اقتصادية تحل بالبلد، وستتوسع الخسائر، بصفة مخيفة، مما يعطل تنمية البلاد، التي هي معطلة أساساً، منذ العام ٢٠٠٣ وحتى يوم الناس هذا.
تتكون الموازنة العراقية من شقين: الأول تشغيلي، والثاني استثماري، وفِي حالة عدم إقرارها، يعني أن الميزانية ستقتصر على دفع رواتب الموظفين فقط، وإيقاف العمل بالميزانية الاستثمارية، وفِي حالة استمرار تدهور الأوضاع السياسية واستمرار تذبذب أسعار النفط وتفشي وباء كورونا ستعجز الحكومة حتى عن دفع رواتب الموظفين.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه سيقودنا إلى ظهور بوادر اجتماعية خطرة تفضي إلى زيادة الفوضى والسرقات والجريمة في البلاد، بالإضافة إلى ما هو موجود، الآن.
ما يجدر ذكره، هنا، أن الحسابات الختامية، التي تبين الأرقام الفعلية المتحققة لتقدير الموازنة بعد سنة من تنفيذها لم تقدم إلى البرلمان لعديد سنوات، حتى لا تنكشف ألاعيب الشياطين وسرقاتهم، وتلاعبهم بالإيرادات والنفقات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت تخصيصات الأجور والرواتب في الموازنة العامة نحو ٦٠ مليار دولار وعديد سكان العراق قرابة ٣٤ مليون نسمة، بينما بلغت في مصر ٢٠ مليار دولار وعديد نفوس مصر بحدود ١٠٠ مليون نسمة، أي أن تكلفة الأجور والرواتب في العراق تمثل ثلاثة أضعاف كلفتها في مصر، في حين أن عديد سكان مصر ثلاثة أضعاف نفوس العراق، وهذا يؤكد حجم الفساد المالي والإداري، الذي تمارسه عصابات السلطة في العراق، وكم حجم البطالة المقنعة، وكم عديد الذين يتقاضون أكثر من راتب، وكم عديد الموظفين الفضائيين، والدرجات الخاصة، ورواتب رفحا، ورواتب الرئاسات الثلاث ومخصصاتها، وغيرها.
ذلك كله يثقل كاهل الميزانية العامة للدولة ويجعلها عاجزة عن أن تكون لخدمة المجتمع، ويقود الاقتصاد العراقي إلى دمار وشيك، وبالنتيجة انهيار العملية السياسية برمتها.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى