يقول ابن خلدون إن الأمم المغلوبة تقلد الأمم الغالبة في سلوكها وتقتبس منها عاداتها وتتشبه بها، ولكن هذه المقولة على ما يبدو ليست معادلة رياضية غير قابلة للدحض في كل الأوقات والأحوال.
الفرس أمة مغلوبة على أيدي العرب، وتمت إزالة إمبراطورتيهم من الخارطة السياسية والتاريخية للمنطقة في معركة القادسية التي وقعت في 13 شعبان سنة 15 هـ بقيادة سعد بن أبي وقاص، ولا أحد يعرف أمة مغلوبة استطاعت أن تجمع نفسها وقوتها بصمت ودهاء مثل بلاد فارس، ولعلها الأمة الوحيدة التي تمكنت من تدمير الأمة الغالبة أي العرب في غضون عدة قرون وأدخلوا في الإسلام من البدع والخرافات مما جعل منه دينا غير قابل للتصديق العقلي، فبدلا من أن يحسن إسلام فارس وتندمج مع العرب في ثقافة واحدة نتيجة انتصار العرب المسلمين في معركة القادسية ودخول الدين إليها وإلى ما جاورها من أقاليم أخرى، نراها وقد بدأت بهجوم منسق ومضاد من دون أن تُعرف بداياتُه الحقيقية وكيف تمكن الفرس من صياغة خطتهم لخلق دين جديد فيه من الخرافات والأساطير المثيرة للسخرية، ما يفوق ما لدى أكثر الديانات الوضعية من ضلالات وبدع، فهل تم عقد مؤتمر لكهنة معبد النار المجوسية في بلاد فارس كما يقال؟ ومتى عقد المؤتمر وأين تم عقده؟ هناك أدلة عقلية على أن رجال الدين المجوس الذين حافظوا على ديانتهم على الرغم من أنهم أظهروا الإسلام، ظلوا يكيدون للإسلام بكل ما أوتوا من قوة وخبث ودهاء، فعلوا ذلك بنزعة باطنية ربما كانت الخطوة الأولى التي أدخلت التقية على النحو السائد اليوم لدى الشيعة إلى هذا الدين الذي كان ينشأ وفي كل حقبة تضاف إليه طقوس وممارسات وعقائد جديدة.
بلاد فارس لم يبرز منها قائد إسلامي واحد يشار إليه بالبنان وترك بصماته في الفتوحات الإسلامية، على الرغم من أن فارس دخلت الإسلام في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن رقعة الدولة الإسلامية في خلافة الوليد بن عبد الملك وصلت إلى أوسع مساحة لها أي من الصين شرقا عندما فتحها القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي في منتصف العقد التاسع من القرن الهجري الأول إلى الأندلس غربا عندما فتحها القائد العربي موسى بن نصير ومعه القائد البربري طارق بن زياد سنة 92 هـ، في حين أن أقواما أخرى دخلت الإسلام بعد فارس بسنوات طويلة وحسن إسلامها وكان لها شرف المساهمة بالفتوحات العربية الإسلامية، وهناك أعلام في سماء التاريخ العربي الإسلامي ما تزال تشد النظر والسمع، ولو قمنا بجرد لهؤلاء ربما كنا سنخرج عن طبيعة هذا الموضوع، فالفرس لم يكتفوا بهذا الموقف الباطني المعادي للإسلام فقط، بل تحولت فارس إلى الأرض التي نشأت فيها الحركات الباطنية الغالية التي كانت تدخل إلى مختلف موضوعات الجدل السائد على الصعيد الفقهي والتشريعي بل ونشأت أكثر الحركات التي لبست رداء فكريا الهدف منه التشكيك بالإسلام، وليس لإغناء الحوار الفكري وإنما لإثارة الشكوك حول سلامة العقيدة الإسلامية لدى حملتها أي العرب، لهذا فلا غرابة أبدا أن تكون فارس موطن نشوء الحركات والفرق الضالة وما أكثرها وهي الفرق التي أشغلت المسلمين في حروب داخلية بدلا من الالتفات إلى أعدائهم الذين يتربصون بهم من خارج حدود الدولة العربية الإسلامية وشغلتهم عن إدامة الفتوحات، ويلاحظ المؤرخون أن المغول والتتار دخلوا إلى بغداد وفعلوا فيها ما فعلوه بتواطؤ من فرس تسللوا إلى أعلى المواقع في مقر الخلافة في بغداد، وليس غريبا أن جميع الأمم التي دخلت الإسلام كانت تنظر إلى العرب على أنهم حملة الرسالة وأنهم جديرون بالمحبة والتقدير الذي يصل حد التقديس، ما عدا بلاد فارس التي كانت تغرس الحقد على العرب جيلا بعد جيل، وظلت تتحين الفرص للطعن بهم والنيل منهم حيثما أتيحت لها الفرصة لذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان لا بد لها من كسب بعض العرب إلى صفوفها باسم حب آل البيت والولاء لهم واستدرار دموعهم على نكبة الزهراء والحسين وقبل ذلك حرمان علي بن أبي طالب من حقه في الخلافة، ثم الحديث المتواصل عن قتل الأئمة الأحد عشر بالسم أو بوسائل أخرى.
فهل عقد كهنة معبد النار في يزد مؤتمرا للكيد للإسلام وضربه من الداخل؟ حقيقة الأمر لا توجد وثائق عن انعقاد هذا المؤتمر وإن كانت الدلائل العقلية تؤكد ذلك، ولكن السؤال المهم والذي يبقى ماثلا هو هل سار التشيع على لغة العقل طريقا للوصول إلى استكمال هذا الارث الديني الذي ظل ينخر بالدين الإسلامي منذ انهيار دولة فارس؟ أم أن التشيع لم يبدأ إلا بعد قيام الدولة الصفوية عام 1501 على أيدي صفي الدين أردبيلي وأولاده وأحفاده؟
كان صفي الدين يرأس طريقة صوفية في إيران الحالية مما أتاح له فرصة لتجميع الأتباع حوله أي أنه كان سني المذهب، حتى آلت قيادة الطريقة إلى أحد أحفاد صفي الدين وهو صدر الدين خواجة علي سباهبوش وهو أول من اعتنق التشيع من هذه العائلة الصوفية وسار على نهجه من جاء من بعده من أولاده، ثم بدأت سياسة فرض التشيع بالقوة على فارس حتى وصل عدد القتلى إلى ما يزيد من مليون سني من الأقاليم التي أخضعوها لسلطانهم، فوجد هذا المجتمع فرصة للتحرر من الدين الإسلامي أولا ومن تشابك العلاقات الملتبسة بالدولة العثمانية التي نشبت بينهما حروب طويلة الأمد، التي لم تشهد استقرارا لعدة عقود إلى أن استقر الحكم إلى إسماعيل الصفوي الأول، وهو أبو المظفر شاه إسماعيل الهادي الوالي، أو إسماعيل بن حيدر بن الجنيد الصفوي وهو مؤسس الدولة الصفوية في إيران وحكم بين عامي (1501 – 1524) وهو القائد الديني الذي أسس الحكم على أسس جديدة وعقائد مختلفة، ومن هنا نلاحظ أن هناك من ينظر إلى الحركات الصوفية أنها المدرسة الأولى التي تعد الأرضية المناسبة للتشيع.
ومن أجل إدخال عقائد الشيعة المستحدثة وإلباسها ثوبا عقائديا إسلاميا قابلا للتصديق تم التركيز على الفروع وترجيحها على الأصول، وإعطائها قدسية كبيرة ونسبها إلى أئمة المذهب الاثني عشر وتقويلهم ما لم يقولوا سواء في الطعن في الرموز الإسلامية عبر التاريخ وخاصة صحابة النبي وأزواجه صلى الله عليه وسلم، ومن أجل نشر التشيع على أوسع نطاق فقد وضع ما يسمى بالمراجع والحوزات الدينية في قم ومشهد الإيرانيتين والنجف في العراق، خططا بعيدة المدى ومقسمة على مراحل، وتم تخصيص الأموال اللازمة لها كما تم تكليف عدد من المخططين والمنفذين بعد تقسيم الساحات في العالم الإسلامي لتحرك منسق من أجل نشر التشيع عن طريق ترويج أكاذيب لا يمكن أن يقبلها عقل عن قدرات خارقة للأئمة الاثني عشر، ومعجزات لم ينل مثلها حتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يحمل إساءات لا تليق بصحابة الرسول الكريم، ولا حتى بمن يراد تلميع صورهم عن الأتباع، بدأت بالحديث عن سقيفة بني ساعدة واغتصاب حق علي بن أبي طالب، أو الترويج لحادثة كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء من قبل عمر بن الخطاب وبحضور علي بن أبي طالب، وبقدر ما تشحن هذه الأحاديث المزعومة أجواء الكراهية ضد عمر بن الخطاب، فإنها تعني من حيث المقاصد الخفية للفرس الحاقدين على الإسلام تجريد علي بن أبي طالب من الغيرة على زوجته ابنة الرسول الكريم، وهو المعروف بشجاعته النادرة، وبذلك يضرب الفرس عصفورين بحجر واحد كما يقال.
إن استنهاض أحقاد الماضي البعيد، يهدف إلى تأجيج الحقد الطائفي وإشغال العرب بأزمات مفتعلة فيما بينهم، ويقع ضمن هذا المخطط الحديث المتلاحق عن مقتل الحسين بن علي في واقعة ألطف، وتقديم قصص خرافية وأساطير يعافها العقل الراجح، ووضع روايات منسوبة للأئمة الاثني عشر عن فضل زيارة كربلاء يوم وقفة عرفة وإعطائها أجر مليوني حجة مع الرسول الأكرم مما يؤكد أن الهدف الأساس لمثل هذه الروايات هو تحويل السذج من الناس عن الدين الذي نزل على صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عرض مسرحيات مضحكة عن كسر ضلع الزهراء على يد الفاروق، أو التكرار من دون ملل لروايات لا تصلح حتى لأفلام الصور المتحركة، كل هذا ينسب إلى جعفر الصادق أو موسى بن جعفر أو علي موسى الرضا، وهذا يحصل بإصرار لإثبات أن التشيع مذهب عربي الأصل والمنشأ، في حين أن المؤرخين يجمعون على أن هذا المذهب نشأ وأخذ أبعاده الراهنة في بلاد فارس على أيدي المؤسسين الأوائل، وهناك أسماء لكتب كثيرة تم تأليفها لوضع الحجر الأساس للفتنة التي ما تزال مستمرة حتى اليوم ومقدر لها أن تستمر لزمن طويل، خاصة وأن الفرس يشتغلون على نشر التشيع بقوة وإصرار مستندين على فكرة واحدة وهي إثبات أن المذاهب الأربعة لا تمت إلى الإسلام بصلة، فالتشيع يحمل نزعة عدوانية لإثبات صوابيته، كل ذلك يحصل بدعم دولة لها موارد كبيرة وإمكانات غير محدودة هي إيران وتحاول تأكيد دورها ومكانتها في العالم الإسلامي مستعينة بدعم صامت من القوى الدولية في كل العصور التي انصرمت لأن الغرب والشرق على حد سواء يسعون بكل قوتهم إلى شق وحدة المسلمين وإيجاد المضاد النوعي للإسلام، بالمقابل وعلى الرغم من أن الشيعة هم أقلية ضئيلة على مستوى المسلمين في العالم، فإننا نلاحظ أن النزاعات البينية بين الدول الإسلامية لتباين مصالحها، أعطى إيران الحالية فرصة للتمدد والتغلغل في أوساط إسلامية كالحركات الصوفية والمراكز الإسلامية بل حتى داخل برامج الحكومات نفسها، وخاصة بعد وصول الخميني إلى السلطة في شباط 1979، على حساب المسلمين وذلك عن طريق إغداق الأموال والسطو على المراكز الإسلامية التي أنشأتها المملكة العربية السعودية أو مصر مستعينة في ذلك على فكرة أن تلك المراكز كانت تروج للإرهاب في حين أن التشيع دين مسالم، وتسهيل ممارسات أتباعها لطقوسهم التي تحض على الكراهية، وتوظيف الشعارات السياسية التي تداعب مشاعر العرب والمسلمين مثل شعار الممانعة وتحرير فلسطين، وفي مرحلة لا حقة تم توظيف دور الحركات التابعة لها وتستخدمها (كفتاة الكسب السياسي) ولعل حزب الله اللبناني أكثر من أنجز هذه المهمة وخاصة بعد حرب لبنان عام 2006.
إن الخطاب الخجول في التعاطي مع إيران ومع التشيع، كان سمة تطبع سلوك المؤسسات الدينية والرسمية العربية خاصة، تحت لافتة الحرص على وحدة المسلمين، فهل هناك حب من طرف واحد كُتب له النجاح؟ في الوقت الذي تشتم فيه إيران رموز المسلمين عبر التاريخ وهل هناك فرصة حقيقية لنجاح ما يسمى بحوار المذاهب؟
أن الوقت حان لمباشرة خطة جديدة لمحاصرة إيران داخل حدودها وإسقاط تجربتها السياسية العدوانية المستندة على مبدأ تخطئة الكل لإثبات الصحة الذاتية، كما أن الوقت قد حان لتوجيه خطاب إسلامي نقي متجرد عن التحالفات الدولية المشبوهة والتي تسيء إلى الإسلام وتمنح إيران فرصة للتشكيك بصحة خيار الآخرين وتأكيد صواب تجربتها.
إن ما يتوفر لدى الدول العربية من أموال يجب أن يرصد في مشروع تصدٍ متكامل لإيران ومشروعها التوسعي العدواني، وعدم إنفاقها في ممارسات مخزية ومخلة بأبسط القيم الإسلامية مثل موائد القمار والنوادي الليلية والليالي الحمراء التي تسيء إلى الدول التي يحمل جنسيتها هؤلاء الفاسدون.
بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003 وتسليم العراق هدية مجانية لإيران، تأكد لكل ذي بصيرة وصاحب عقل راجح، أن أتباع التشيع جميعا هم من نمط حكام العراق الفاسدين والذين تاجروا بدماء العراقيين وأثروا على حساب الشعب العراقي الذي يعاني أسوأ أنواع الفقر والفاقة والجوع ثم حولوه إلى شعب بين قتيل ومغيب ومهجر ونازح وأرملة ويتيم وأن هذا الدين لا يمكن أن يصلح للحكم أبدا.
هؤلاء يلبسون ملابس رجال الدين أو يظهرون الزهد والورع وبمبالغة لا مزيد عليها، ويتاجرون بكل وقاحة بدم الحسين فشلوا في إقامة صرح واحد يخدم بناء المجتمع العراقي وحولوا العراق إلى بلد في غاية التخلف وشعبه في درجة من الفقر بحيث يتضور العراقيون جوعا وبلدهم يمتلك الثروات الطائلة لأن عائدات العراق تحول إلى إيران غصبا عن أنف العراقيين كافة لمواجهة أزمات وطن السياسيين الأم والطارئين على البلد، فلم يتم تعبيد شارع واحد ولم يتم حل مشاكل الكهرباء وبقية الخدمات بل تم تخريب كل ما كان موجودا قبل الاحتلالين حتى صار العراق على رأس قائمة الفساد في العالم، وهؤلاء لا يخجلون من اكتناز المليارات من الدولارات في بنوك أوربا ودبي ويمتلكون أغلى العقارات هناك، في حين أن العراقيين كافة يعرفون أن هؤلاء جميعا كانوا مشردين في شوارع دمشق وطهران أو يحصلون على إعانات مالية من بلديات المدن الأوربية، فمن أين تكدست لديهم هذه الثروة خلال هذه الفترة القصيرة؟ ويقدمون أنفسهم كسدنة للدين الإسلامي، في حين أنهم يسعون بكل ما لديهم من قوة لتحويل الإسلام إلى مزارات وأضرحة تعبد من دون الله، وأضافوا من البدع والضلالات ما يثير الشفقة على تعطيل العقول والمدارك لدى البشر الأسوياء، من قبيل ما نراه كل يوم في العراق من تلطيخ للرؤوس والأجساد بالطين وأحيانا بالبراز لإظهار الحزن على الحسين، أو إجراء مكالمات مضحكة من هواتف نقالة مع الحسين وتقديم طلبات دنيوية له، ويراد منه تحقيقها من دون أن يسأل أحد نفسه هذا السؤال (إذا كانت للحسين هذه القدرات الخارقة التي لا يمتلكها إلا الله سبحانه وتعالى عما يشركون، فلماذا لم يتمكن من إنقاذ نفسه وأصحابه من المحنة التي وقع فيها؟).
445