إن مصطلح الدوغماتية يرجع الى كلمة دوغما Dogma من اليونانية ، وهي تعني الرأي الاوحد ، وتعني ايضا أن مايعتقده الفرد حقيقة ، وهي تستخدم بمعنى الاعتقاد الديني أو المذهبي أو القومي والتأكد منه ..
أي التأكيد الاعمى للمبادىء والافكار ، والكثير من الافراد يتمسكون بما يؤمنون به من افكار
ويدافعون عنها بشكل أعمى ..
لذى أن الدوغماتية هي حالة من الجمود العقائدي والفكري ، يتعصب فيها الاشخاص
لافكارهم وبما يؤمنون به بدرجة رفضهم
الاطلاع على الآراء والافكار المخالفة لهم ،
حتى لو تبين لهم بالدليل القاطع أن افكارهم
خاطئة ويحاربونها بكل قوة ، ويقاتلون من أجل اثبات صحة افكارهم وآرائهم ،،
فهي بمثابة حالة شديدة من التعصب والتزمت للافكار والمبادىء والقناعات لدرجة معاداة كل ما يختلف عنها …
من المعروف أن الدوغماتية منتشرة في كل العصور والازمان ، ولكن كثيرا ما يتم وصف
رجال الدين بأنهم لديهم هذا النوع من التفكير الدوغماتية ، فعلى سبيل المثال
البابا عند المسيحيين ودوره في توجيه الناس وعلى الناس اطاعته ، وكذلك في العراق يعتبر المرجع الديني هو شخص معصوم ويطاع بشكل مطلق ،، فهذه هي
الدوغماتية بعينها ، حين يفرض رأي هذا المرجع الديني ومهما كان رأيه صحيح أم خطأ على الجميع …
إن احد أسوأ تصرفات الانسان أن يتصور نفسه أنه يمتلك الحقيقة المطلقة ، أو انه ليس بحاجة الى رأي آخر يستند عليه ، ويعتقد انه على صح دائما ، ولا يعير أهمية
لآراء الاخرين .. هذه العقلية الخطيرة هي السائدة في مجتمعاتنا ، لانها تمارس صورة
من صور الاستبداد والتعصب في الرأي ..
فحين نقدم على اتخاذ قرار أي قرار ونهمل
التداعيات ( الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ) ونهمل الآراء والافكار المخالفة
لدى صاحب القرار والمتمسك بشدة بأفكاره
ومعتقداته وتصوراته ، فنحن سنسير بسرعة بإتجاه الهاوية ، وننسى أن لكل قرار يحتاج
الى كم كبير من المعطيات الضرورية في تلك الفترة الزمنية الذي يتخذ فيه القرار
فالفرق بين القرار المدروس وغير المدروس
هو أن الاول أشبع بحثا وبني على قاعدة معلومات دقيقة ، عكس القرار الثاني الذي بني على اهواء أو نظرة فردية ضيقة ، وإن تجاهل آراء الاخرين المحيطين بنا يقودنا الى نهاية مأساوية …
فلا بأس أن المسؤول أن يتجاهل بعض الاراء
خاصة اذا كان المسؤول يمتلك رؤية ثاقبة
أو خبرة أعمق ،ويستند على معلومات صحيحة ودقيقة ، ولكن اذا استمر المسؤول
تجاهل آراء من حوله فهذا يعني أن فريقه
لم يعد له فائدة ولا بد من التخلي عنه ، أو ان المسؤول مصاب بداء الدوغماتية ؟؟؟
إن مشكلة الدوغماتية تنطبق ايضا على البلدان والمؤسسات والمنظمات والاحزاب السياسية ، وتتركز هذه الظاهرة بشكل كبير
في بلداننا العربية ، لذا نجد أن الكثير من المسؤولين وقيادات المنظمات والاحزاب
لا يؤمنون بالرأي والرأي الاخر ، ولا يحبذون
مناقشة قراراتهم ولا يحبذون الحوار معهم
والجميع متمسكون بمواقفهم ، سواء كانت مواقفهم وقراراتهم صحيحة أم خاطئة ، وعلى الجميع أطاعته ..
إن هذا النمط من التفكير والتعصب الشديد
المعتقدات والافكار والعادات والتقاليد هو الذي شكل سدا منيعا أمام التطور والتغيير
والابداع ، ووقف عائقا أمام خلق تنمية مستدامة في بلداننا العربية ..
إن العقول المتخلفة والمتحجرة والذين يدافعون عن معتقداتهم وافكارهم الذي اكل الدهر عليها وشرب وبشكل اعمى وبعقول مغلقة ، هذه العقول الدوغماتية التي تجرنا الى الوراء وتجر عجلة التطور الى الوراء وهي التي تعيق التطور وعملية النهوض ..
وانا هنا أقول إن أسوأ ما يفعله المرء في حق رأيه هو ان يتمسك به ويرفض تطويره ، وإن أفضل ما يعمله المرء في حق رأيه هو ان ينفتح على بقية الاراء والافكار والتي تقف بالضد من افكاره وآرائه حتى يتمكن من الوصول الى الحقيقة وهذا هو الطريق الصحيح …
792