شهادة تأبى النسيان

في خضم تداعيات الأوضاع السياسية والأمنية التي أفرزتها حرب الخليج الثانية عام 1991 على العراق والمنطقة عموما، وما ترتب عليها من حصار اقتصادي على العراق طال كل أوْجُه الحياة؛ نتيجة غزوه واحتلاله للكويت، في ظل هذه الأوضاع الخطرة التي عاشها العراق وجيرانه وما ينتظره من مقبل الأيام، زار وفد كردي بغداد بعد انتهاء الحرب ضمَّ أبرز القيادات الكردية، لا سيما مسعود البرزاني وجلال الطالباني وآخرون، والتقوا الرئيس صدام حسين وبحثوا معه تداعيات الحرب وأفق العلاقة المستقبلية بين بغداد وأربيل، لا سيما إعادة تطوير تجربة الحكم الذاتي لمنطقة كردستان، وصدرت في حينها عدة تصريحات من القيادتين العراقية والكردية تشير إلى قرب التوصل إلى تفاهم واقعي لحل القضية الكردية بصيغة تلبِّي طموحات الأكراد، غير أن تلك المباحثات طالت ولم ينتج عنها ما كان ينتظره الكثيرون، الأمر الذي ساد القلق من تعثُّر وفشل المباحثات بين الطرفين.
في هذه الأجواء غير المستقرة قصدت مسعود برزاني الذي كان مقيما في فندق الرشيد ببغداد؛ لمعرفة ما يجري وأسباب تأخر الإعلان عن الاتفاق المنتظر مع بغداد، حيث أكد لي في الحوار معه بحقيقة حاول الكثيرون التشكيك بصدقيتها عندما أكد لي أن الرئيس صدام حسين هو ضمانة الأكراد في أي اتفاق مع الحكومة المركزية. ومردُّ هذا التأكيد يعود إلى حملة التشكيك بالموقف العراقي إزاء مسار المفاوضات مع الوفد الكردي، لا سيما أن الحملة ركزت على أن سبب تأخير إعلان الاتفاق بين الجانبين يعود إلى مطالبة الأكراد بضمان الأمم المتحدة لأي اتفاق مع الحكومة العراقية.
ومهَّدت لسؤالي إلى البرزاني باستفسار مفاده: إذا تخاصم شقيقان من بيت واحد من الذي يصلحهما؟ قال: ربُّ البيت. وزدت: إذا حصل خصام بين طرفين؟ قال: العقلاء والحكماء يحلان المشكلة.
وعندما لاحظت استغرابه من أسئلتي، قلت موضحا: بماذا ترد على الأنباء التي تتحدث عن أن الوفد الكردي يرفض التوقيع على الصيغة المطورة للحكم الذاتي، ويشترط ضمانة المجتمع الدولي، وخصوصا مجلس الأمن، لأي اتفاق مع بغداد؟ فردَّ على الفور: إن صدام حسين هو ضمانة الأكراد بتأكيد لا يقبل التأويل.
وحواري مع البرزاني نشر كاملا في مجلة (ألف باء) العراقية التي كنت أعمل فيها، ووضعت صورته على غلاف المجلة الموجود مع هذا الاستذكار لتوثيق الحدث كما هو مع المانشيت الذي تناقلته وسائل الإعلام لأهميته؛ لأنه كان ردًّا على حملة التشكيك بالموقف العراقي من طرف كردي أساسي في الوفد الكردستاني.
وبعد حوالي شهر التقيت البرزاني مجددا في فندق الرشيد مصادفة وقبل أن أسأله عن الحوار بادر مسؤول الإعلام في الوفد، وكان حينها هوشيار زيباري وقال لي: كنت مبالغا في الحوار وتفاصيله، والْتفتَ إليه البرزاني وقال: لا توجد مبالغة، وكل ما ذكره أحمد كان صحيحا وعلى لساني شكرته، وقلت لهوشيار: إنني سجلت ما قاله البرزاني، ونشرت بأمانة ومهنية حديثه كاملا

احمد صبري

a_ahmed213@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى