توالت الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة تتساقط بشكل مستمر ومتوالي وبدون خطوط حمراء على مفاصل ورموز المنظومة السياسية العراقية وبالذات مع ظهور نتائج الانتخابات العراقية ومرورها بالسياقات التي تضفي شرعيتها، بدءً من مهاجمة منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومقرات حزب تقدم وعزم والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب وماسبق ذلك من تظاهر وما اعتراه من مناوشات وشبه حصار للمنطقة الخضراء (رمز النظام السياسي القائم) بالإضافةالى القواعد التي يتواجد فيها المستشارين المنظوين تحت مظلة التحالف الدولي والسفارة
الأميركية ومحيطها وبعدها تم إطلاق الصواريخ على منزل
رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ومدينته الكرمة مع ضبط خمسة صواريخ جاهزة للاطلاق.
كل هذا يحصل وفي ظل منظومة سياسية تكونت أطرها منذ عام ٢٠٠٣، بعد غزو العراق تحت يافطة التحرير من النظام الشمولي وإقامة بديل ديمقراطي، وعلى الرغم من صدور قرار المحكمة الاتحادية بالمصادقة على مسار الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الثاني ٢٠٢١، وتأييد ممثلة الأمم المتحدة ومباركة مجلس الأمن رغم القناعة بانها لا تقل مشاركة عن انتخابات عام ٢٠١٨، التي اعتراها كثير من الشوائب وضعف المشاركة الشعبية.
كل هذا يتزامن مع تساقط الصواريخ والمسيّرات على مطار أبو ظبي والتهديد بالإجهاز على المراكز الاقتصادية والعمرانية في مرافق تلك الدولة، وبقدر ما يملي علينا الموضوعيةفي تقييم هذه الحوادث والتي يأخذ بعضها
طابع محلي عراقي وتغطيتها تحت يافطة مقاومة الاحتلال، فأنها لا تبتعد كثيرا عن دهاليز المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فينا واستخدام كل طرف للحصول على مكاسب وبالذات المفاوض الإيراني الذي بقدر ما يحمل في جعبته، أزمة بلاده الاقتصادية المتفاقمة، وفي اليد الأخرى رصيده وتأثيره الفعلي في أربع دول (العراق وسوريا واليمن ولبنان) وتمدّدهُ غير المحدود في قطاع غزّة وقدراتها، بل الأدهى من ذلك أن الرئيس الأميركي جو بايدن، وفريق عمله وجلّهم من تراث الرئيس السابق أوباما بدءً من وزير الخارجية الحالي بلينكن، والسابق جون كيري، عرّاب الأتفاقية النووي لسنة ٢٠١٥، ويندب بايدن حظه من رئيس روسيا الذي كشّر عن أنيابه تجاه أوكرانيا ودول شرق أوربا وقبلها الوجود العسكري في سوريا وأطل التنّين الصيني برأسه وهو يقف على قاعدة اقتصادية وعسكرية
ويهدّد بابتلاع تايوان، درّة المحيط الهادي.
ومع هذه الفوضى التي تلم بالمشهد العراقي في هذه الفترة الانتقالية التي تسبق تسلم الإدارات الرئيسية العراقية للفائزين أو لمن تسعفه الصوارخ والميليشيات تغيير المعادلة وخلق حقائق على الأرض وبما تمتلك من أدوات في كل شرايين الدولة من هيمنة وتأثير، يضاف الى ذلك أن ما حدث في سجن غويران بمحافظة الحسكة السورية يتوائم مع ما يحدث من قبل نظيرها الداعشي في المحافظات الغربية والشمالية العراقية (كل الخيوط تتحرك لإجهاض ما تبقى من مقومات في هذه المحافظات والدولتين السورية والعراقية وتجييرها لمصالح إقليمية ودولية).
إن استرسالي في الشأن الخارجي لا يُعفينا من القفز من تأشير حقيقة اثبتتها الجولات الانتخابية المتوالية منذ عام ٢٠٠٥ التي زرعتها أميركا في العراق؛ إنها منظومة تشريعية وسياسية عرجاء لا تستهدف بناء تجربة ديمقراطية تلبي طموحات العراقيين في الحرية والأزدهار والأمن بل تُمهّد الأرضية لتقسيم المقسّم وتستنزف قدراته عبر تأريخ تأسيس دولته. في الوقت نفسه هي رسائل بينية لحلفاؤها في الداخل والخارج بأن أدوات الديمقراطية غير ملائمة ومسخة ومضرّة بسمعتها كراعية للحرية والليبرالية بل أصبحت توصم بأنها راعية للفوضى والفساد وهي غير قابلة للتسويق في العالم الثالث وتعطي الحجج للجنرالات للأنقضاض على التجارب المدنية، ولا يمكننا تجاهل الزيارات المكوكية للسيد إسماعيل قاآني الذي يسرع الخطى للم شعث حلفاؤه وممارسة دوره المحوري وهو يمسك أوراق ثمينة بعد استعصاء المشهد السياسي عراقيا ليتظافر مع إعلان لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني (بأنه لا يوجد سقف زمني للمفاوضات حول البرنامج النووي) ودع أجهزة التخصيب تصل الى الحافّة النووية ولا اتفاق بدون رفع العقوبات والتمسك باتفاق عام ٢٠١٥.
فهل يفلح العراقيين بفك الأرتباط بين الحالتين وتفصلهم مسافة عما يجري في فينا وبمنأى عن أصوات الصواريخ وشرور داعش.

803