أعلن الرئيس الإيراني “حسن روحاني” رسميًا أن إيران وفي إطار الاتفاق النووي فإنها لن تفي ببعض التزاماتها لمدة 60 يومًا. ووفقًا “لروحاني”، فإن هذه الخطوة ترجع إلى الفشل في اتخاذ إجراءات أوروبية تعوض انسحاب امريكيا من الاتفاق النووي ، وأكد أن خطوة إيران هذه لا تعني الانسحاب من الاتفاقية، وأن إيران لن تترك طاولة المفاوضات.
تترجم إيران اليوم هذا الخطوات من خلال بعدين وهما : عدم بيع اليورانيوم المخصب وعدم بيع الماء الثقيل، وسيكون هذا الإجراء لمدة 60 يوما، وأعلنا للطرف الآخر (الدول الضامنة للاتفاق النووي ) أن لديهم فرصة ستين يومًا ليجلسوا إلى طاولة المفاوضات،و الوصول إلى نتيجة تحفظ مصالح الدولة الإيرانية ، خاصة في قطاع النفط والبنوك وهما أمران مهمان بالنسبة لإيران، وإن لم يحدث أي تطور سنعود إلى نقطة البداية، يضيف “روحاني” أيضًا إنه إذا نجحت إيران من خلال التفاوض مع هذه الدول للحفاظ على المصالح الرئيسية لإيران وحققت نجاحا خاصة في مجال النفط والبنوك، فسيتم إلغاء مهلة الـ 60 يومًا في حال قامت هذه الدول بالتعويض عن انسحاب امريكا من الاتفاق النووي فسنعود نحن أيضا إلى الأوضاع ما قبل 22 أبريل 2018 “.
تعتقد طهران أن هذين الإجراءين يقعان ضمن اطار الاتفاق النووي على الحفاظ على التخصيب عند مستوى محدد ، مما يعني- حسب الرؤية الإيرانية – أنه لم يعد يوجد بعد الآن مستوى محدد. وثانيا، إن مفاعل الماء الثقيل في “أراك”، الذي كان من المفترض أن يتم تجديده بمشاركة الدول الخمسة ولم يتم تجديده بعد. بعد 60 يومًا، ستقرر إيران العمل في هذا المفاعل كالسابق أي قبل توقيع الاتفاق النووي، وسيتم اتخاذ هذا القرار بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوما وإذا لم تصل الى نتيجة فستقوم باجراءات أخرى لاحقة ، لكن ما هي الأهمية التي تحظى بها ردة الفعل الإيرانية حسب هذه الخطوات ؟
بموازاة ذلك تناول الاعلام الإيرانية بكثافة موضوعين أساسين وهما : تأكيد المرشد على عدم حصول الحرب مع واشنطن ، وحديث الاعلام المحافظ قبل الاصلاحي عن ضرورة فتح قناة محادثات سرية بين إيران وأميركاعلى الرغم التصعيد غير المسبوق بين إيران وأميركا، واستغلال الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الإيرانيين عبر العراق يدعوها فيها للجلوس إلى طاولة المفاوضات على الرغم من وصف المرشد خامنئي لهذه المفاوضات بالسم الزعاف .
يتهكم الاعلام الإيراني على ارسال ترامب لرقم هاتفه المباشر عبر الوسطاء السويسرين ، وأن ذلك يأتي خلافاً لرغبة مستشاره للأمن القومي ” بولتون” الذي يدفع باتجاه الحرب ، وتشير الصحف الإيرانية نقلاً عن الاعلام الأميركي إلى التوتر القائم بين مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون والرئيس دونالد ترامب، وسعي الأخير إلى تنحية جون بولتون بسبب محاولة استغلال الأزمة مع إيران للدفع بالحرب معها ، وهو ما لايريده ترامب لأسباب متعلقة بالتعهدات التي قطعها أثناء حملته الانتخابية بعدم خوض حروب جديدة ، وسحب القوات الأميركية من الخارج ، هذا بالإضافة إلى اعتبارات انتخابية داخلية .
تعتقد التحليلات الإيرانية أن إدارة ترامب لا تبدي رغبتها في خوض حرب مع إيران، إلا أنّ التحركات التي يقوم بها بولتون توحي بما هو عكس ذلك ، وأنه الآن هو وسط خلاف مع بولتون بشأن إيران بعد توجيهه تحذيرا واضحا إلى إيران أعلن فيه إرسال حاملة طائرات إلى منطقة الخليج، و خلصت إلى أن ترامب لا يرغب في تصعيد التوتر مع طهران، وأنّه يريد حلا دبلوماسيا ، لأن هناك كلف عالية للتصعيد بين الطرفين على الأمن الإقليمي والعالمي .
لا يخلو الحديث الإيراني عن تعظيم نظرية المؤامرة ، من خلال أن التصعيد الحاصل بين الطرفين ، و اعتبار الموقف الإيراني على أنه ردة فعل على ما قامت به أمريكا قبل عام، و إن الإستراتيجية الأمريكية طيلة العام الماضي كانت تصب في إجبار إيران على الخروج من “الاتفاق النووي ” كي يتسنى لأمريكا أن تطبق برنامج العقوبات الاقتصادية الدوليةضد إيران وأن تعيدها إلى طاولة المفاوضات بعد أن تقنع أوروبا بالوقوف إلى جانبها، بموازة ذلك مارست إيران “دبلوماسية الصبر الاستراتيجي ، وأن لا تبدِ ردة فعل عنيفة على أمل تغير الظروف، فيما لو تغيرت الحكومة الأمريكية الحالية، مراهنة على عامل الوقت ، والتي تستطيع إيران من خلالها التفاوض مع الادارة الأميركية الجديدة وفي ظروف أفضل، أو على الأقل تستطيع الحيلولة دون عودة الاتحاد الأوروبي باتجاه أمريكا عن طريق إيجاد شرخ بينهما، وهو ما لم تنجح فيه إيران حتى الآن ، نود الاشارة هنا إلى نقطة مهمة وهي أن القرارين الصادرين عن إيران وهما عدم بيع اليورانيوم المخصب، وكذلك عدم بيع مائها الثقيل الذي تحدثنا عنه سابقاً، حيث أرادت طهران إعادة الكرة إلى ملعب أمريكا بهذين الاجراءين حتى تضع التقصير الحاصل على عاتق دولة أمريكا ، كما تقول طهران ، ولا تدرك أنها دخلت بذلك في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي .
تحاول طهران من خلال تحركها الدبلوماسي نحو أوروبا والصين وروسيا دفع هذه الدول للتأثير على السلوك السياسي للولايات المتحدة خلال الستين يوما هذه التي حددها إيران كمهلة ، لكن الموقف الأوروبي جاء على عكس ما تتمناه طهران ، حيث اقتصر موقفها على بيان أعربت فيه عن أسفها، ولم تقم بأي عمل يذكر لخدمة الموقف الإيراني أو تعزيزه ، ولم تطبق لغاية اللحظة برنامج “إينستكس”. ” آلية التعامل المالي الأوروبي ” ، لم تقم دول الاتحاد الأوروبي بأي عمل على أرض الواقع. أما السؤال الذي يطرح نفسه، هو ماذا بوسع الاتحاد الأوروبي أن يفعل خلال الستين يوما القادمة؟ وفيما إذا كان الحفاظ على “الاتفاق النووي ” هي مهمة للاتحاد الأوروبي ، تقول طهران إن على الاتحاد الأوروبي أن يقرر ما إذا كان ينبغي أن يبقى تحت ضغط الولايات المتحدة أو أنه ينبغي عليه الوفاء بالالتزامات التي كان قد قطعها على نفسه فيما يتعلق بهذا الاتفاق ؛ في الوقت الذي قال وزير الخارجية “ظريف” إن الأطراف الموقعة على “برجام” لم تفِ بالتزاماتها تجاه “الاتفاق النووي ” باستثناء الصين وروسيا، بالنتيجة أنه لا يجود فارق كبير في تغيير النهج الأوروبي والروسي والصيني حيال التعاملات المالية مع إيران، لأن المعضلة الرئيسية ليست في إقناعهم بل في عدم قدرتهم على تنفيذ تعهداتهم حول فتح قنوات مالية، وتسهيل بيع النفط الإيراني في الأسواق العالمية، ولحلّ هذه المعضلات خلال الفترة الحالية، فإن إيران “تحتاج معجزة سياسية كبيرة” .