يبدو أن عبادة الأشخاص نزعة قديمة في تاريخ البشرية،إذ يعلم الكثير من المهتمين بالدراسات الدينية ان عبادة الأوثان بدأت حينما أرادت بعض الأقوام تكريم أنبياءهم بعد ان ماتوا فجعلوا لهم تماثيل تذكرهم بهم ليعبدوها. وبغض النظر عن هذه الميثولوجيا ومدى صحتها او الايمان بها، فأن عبادة الاشخاص قديمة. وانا هنا لا اتحدث عن المجال الديني او الانبياء والرسل وسواهم ممن لهم مكانة دينية مقدسة. إنما أتحدث عن عبادة الأشخاص في السياسة والأجتماع الانسانيين.
هناك من أدمن العبودية فبات لا يمكنه الفكاك من ثنائية السيد-العبد بحيث يتحول الشخوص الذين يؤمن بهم الى أيقونات مقدسة، وتمائم وصفات غير مدنسة، وسلطة لا تدانيها أي مؤسسة!! فيكون المعبود عندهم فوق النقد والشبهات،وأزلي الخضوع والطاعات!وهنا مكمن الخطورة في هذه العبادة الأزلية التي ترفض ان تتغير او تتعدل وتتحول الى طقس قدسيٍ أزلي لا ينبغي حتى مجرد التفكير بتحديه او مناقشته.لذا يستنكر هؤلاء العبيد على سواهم من الأحرار أن يغيروا أفكارهم أو مواقفهم من شخصٍ أو فكرةٍ ما حين يكتشفون عدم صلاحيتها او جدواها أو خطأها. فهم يعتقدون ان الاخرين يجب ان يكونوا مثلهم عبيداً لشخوص او افكار يتبنونها ويقدسونها ولا يتحولون عنها.
الأحرار يقدّسون عقولهم،والعبيد يقدّسون أوثانهم،وفرق كبير بين المقدَّسَين! فالأحرار قد يرحبون ببلاسخارت عندما تؤيد الانتفاضة وتدافع عن دماء شهدائها،وينقدونها بل ويطالبون بطردها حينما تتنكر لتلك الدماء وتشرك غير العراقيين بشأنهم الداخلي. ونفس الأحرار الذين يقولون ايران بره بره ،يقولون انها جار جغرافي وثقافي واقتصادي مهم ويجب بناء علاقة صحية معه حين يحترم سيادة العراق وحقه في قرارٍ مستقل. فلا ثوابت ولا تقديس لأحد،إذ جميعنا متساوون بالفكر والمكانة،ولنا عقول نفكر بها وتوجه هدانا! فالفكر الحر غير مقيد الا بالعقل ويمكن لهذا العقل ان يوجهه بحسب الموقف والنسبية وليس حسب الشخص والعبودية.
إننا نميز جيداً بين عبادة الأشخاص ،وسيادة الإشخاص(بكسر الهمزة). فالاولى محض عبودية كأي عبودية أخرى. أما الثانية فتعني ان التشخيص العقلي للموضوع هو من له السيادة على اقوال وافعال الاحرار.
لقد خلقنا الله أحراراً،ولو ارادنا عبيداً لاستجاب للسؤال الاستنكاري للملائكة حين سألوه عن حكمة خلق سواهم(يقصدون البشر) وهم العبيد المخلصين،بطريقة أخرى.
(قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء،ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟!قال إني أعلم مالاتعلمون). صدق الله العظيم وكذب العبيد الخانعين.

1٬208