عشية مؤتمر وارسو وجه المرشد الإيراني خامنئي رسالة إلى الشباب الإيراني بمناسبة مرور أربعين سنة على انتصار الثورة الإيرانية متعهداً بالعمل على تصحيح الأخطاء مع عدم اعادة النظر في الروحانيات والأخلاق ، و مطالباً الحكومة بمكافحة الفساد ونشر العدالة، لكن ما هو الغرض من توجيه هذا الخطاب إلى الشباب في هذا التوقيت بالذات ؟ أولاً يجب ملاحظة أن خامنئي قد ركز على الشباب عدة مرات ، ففي نيسان / أبريل من هذا العام ، وفي خطاب له في مشهد ، قال أنه يعتقد أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة والائتلاف المناهض لإيران هو تحريض الشباب ضد الدولة الإيرانية ، ومحاولة إنشاء فجوة بين الطرفين ، ويبدو أن بيان خامنئي وكأنه صدر لهذا الغرض ، حيث ومنذ ثلاثة أيام ، ووسائل الاعلام تعلن بانتظام في من خلال الإعلام الحكومي أن خامنئي سيخاطب الشباب ببيان مهم ، وكما ذكر خامنئي نفسه في هذا البيان إن هذا البيان هو مجرد الخطوة الثانية للثورة ، قائلاً إن هذه هي البداية لفصل جديد سيدشن في إيران .
يحاول خامنئي أنه في بيانه هذا أن يُقلد نفس أسلوب ومنهجية الخطاب الذي وجهه للشباب في اوروبا عام 2013 ويعتقد ان هذا البيان التكتيكي سيكون مؤثرا كما كان هذا النوع من البيانات مؤثرا قبل سنوات خلت ، ويظن انه سيستطيع من خلال هذا البيان تغيير المفاهيم الاجتماعية، ، حيث ركز على اليأس الاجتماعي الذي يسود قطاع الشباب، و ضرورة السعي للتغلب عليه محاولاً تشجيع الجيل الثالث أو الرابع من الثورة ، وهذا امر يعتبر بعيد المنال في ظل الظروف القاهرة ، والوضع المأزوم الذي تعيشه الدولة والثورة معاً .
ولكن هل نتوقع تغييرا بعد هذا البيان؟ “بالتأكيد لا ، ينبغي أن نقول إن البيان كان فاشلاً بامتياز ، وقد تم رفع سقف التوقعات خلال الأيام الثلاثة من الدعاية ، ولا يعبر عن تغيير استراتيجي في ايران ، فما زال المرشد يؤكد على ثوابت النظام ويدافع عنها والتي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه ؛ فخامنئي ما زال يعتبر العدالة الاجتماعية ، وانتشار الفساد.أموراً عادية ، ويقول اذا قارنا انفسنا بدول اخرى نحن الافضل وعملنا افضل بكثير ولا زال يتصور ان معظم المجتمع تقتنع فيما يقوله عندما يتحدث عن الشباب و يغلق الباب أمام أي أمل في التغيير في ظل هذه الظروف عشية انعقاد مؤتمر وارسو .
لكن ما هو مستقبل النظام السياسي الحالي في إيران على ضوء ما يجري من تطورات إقليمية ودولية متسارعة في الوقت الذي تحتفل فيه الثورة على مرور اربعين عاما على انتصارها ؟ وما معزى الطروحات الجديدة من جانب بعض أقطاب المحافظين ودلالتها وأهدافها بعيد بيان خامنئي ؟.
على الصعيد المحليّ، فقد
طالبت بعض الأصوات المحافظة في ايران
بتعديل الدستور ، وخلال مقاله على
صفحات “آرمان امروز” أكد الأمين العام لجمعية باحثي ومدرسي حوزة قم الدينية حسين
موسوي تبريزي، على إمكانية إعادة النظر في الدستور الإيراني بعد مرور 30 عامًا على
آخر تعديل طرأ عليه، لافتًا أن الدستور غير محصّن من أي عملية تعديل جديدة، بعد
حصول ذلك في العام 1989، مشيرا أنه من الممكن إعادة النظر فيه بإذن من المرشد
الأعلى.
تبريزي اعتبر أن هذه التعديلات قد تفتح طريقًا وإمكانيات جديدة أمام
البلاد، موضحا أن المشكلات الراهنة والموجودة في الدستور وخارجه، من قبيل الرقابة
المسبقة لمجلس صيانة الدستور، من الممكن حلها عبر اعتماد آليات محددة.
في مقابل ذلك فإن الانهيار الاقتصادي وفشل السياسات الحكومية في إيران التي باتت هي سيدة الموقف إلى جانب احتدام الصراع الداخلي ، فالمبشر للنظام أن العملة الإيرانية قد هوت لتصل إلى مستويات قياسية الشهر الماضي ،والمبشر للشعب الإيراني إعلان حكومة روحاني بشكل مفاجئ وعلى غير عادتها بأن الحكومة الإيرانية مديونة ب 120 الف مليار تومان للبنوك المحلية ، وغير المفاجئ كذلك تأكد إحتمالية انخفاض مداخيل الموازنة الإيرانية بعد انهيار أسعار النفط في السوق العالمي ، ومن مؤشرات فشل روحاني وحكومته تفشي مشكلة البيئة من خلال التلوث البيئي غير المسبوق في موسم الشتاء الذي جعل الحكومة تضطر لتعطيل المدارس والجامعات لمدة أسبوع في طهران وتبريز كبرى المدن الإيرانية ، وهذا يعكس سياسة الفشل الحكومية لحل مشاكل الدولة في الوقت الذي يتساءل فيها المواطن الإيراني ، لماذا أعلنت الحكومة عدم قدرتها لحل هذه المشكلة المستمرة ، متعذرة بضعف الامكانات ، في الوقت الذي تقدم فيه المليارات لإدارة حروب الوكالة في سوريا والعراق واليمن ولبنان ….. مما رفع من الأمنيات والدعوات الشعبية التي تصلي ليل نهار للإطاحة بالنظام الإيراني ومن والاه دون ترد.
إن كثيرا من المحللين
الإقتصادين في إيران يعتبرون أنّ قناة “اينستكس” المالية، لن تفتح باب الاستثمارات
الأوروبية في إيران، ولم تضمن أساسا عمل الشركات الاقتصادية فيها، ووصفها بصندوق
الصرف الذي ستستفيد منه أوروبا وحسب.
وتوقّعت أن يُساعد إقرار إيران للوائح مجموعة العمل المالي لمكافحة تمويل
الإرهاب وغسل الأموال “FATF” الدول التي تؤيد العقوبات ضد
طهران باستهداف قنواتها المالية.
معتبرة أنّ اقتصاد إيران يعتمد على
النفط ما يعني اعتماد الموازنة على عائداته، وهذا ما يؤثر على مؤشرات اقتصاد
إيران في أقل وأسرع وقت ممكن، الأمر الذي
سيجبر طهران على قبول شروط العواصم الأخرى، واصفين ذلك بالخطر الجدّي.
من جانبه، وجّه الرئيس السابق لمجلس بلدية طهران مهدي تشمران، نداء للشعب الإيراني مطالباً إياه بفصل الثورة الإسلامية عن المشكلات الاقتصادية، ولفت تشمران خلال حواره مع صحيفة “رسالت” إلى أنّ الشعب يعرف أيضًا أن البعض استغلّ الثورة، ما أدى لاتخاذ قرارات خاطئة، وأنه لا يجب تحميل قيادات الثورة مسئولية ما جرى .
من هنا يمكن بناء تصور واضح لكيفية فهم سلوك النظام الإيراني للهروب من مشاكله الداخلية المتفاقمة في وقت يعاني فيه نظام ولاية الفقيه أزمات داخلية وخارجية عديدة و الهزائم المتتالية التي أصيب بها في ظل انتظار نتائج ما سوف يسفر عنه مؤتمر وارسو من قرارات ضد إيران ، ما أربك معه مؤسسات الدولة والثورة برمتها ، والميل إلى هجوم مباشر على ترمب ومحاولة شخصنة الصراع معها .