علامة فارقة .. وبرج مراقبة – طالب سعدون
في هذه الاسطر ليس هناك جديد في الافكار ، بل هو تعزيز لقناعات سابقة كنا قد تناولناها من قبل ، كانت واضحة ، لكن يبدو أنه لم يقرأها أحد ممن يعنيهم الأمر ، وطرأ ما يعززها أكثر الأن ..
ها هوالشتاء في أواخره ، وكان جوادا في مطره هذا العام ، جارفا في سيوله ، شديدا في معاناته على المواطنين جراء ذلك الفيض الغزير من المياه التي غمرت الشوارع والبيوت في المدن والقرى ، وهو لا يناسب قطعا مستوى الخدمات والبنية التحتية العراقية ، عسى أن يكون هذا الصيف مختلفا عن ( الأصياف ) الماضية في حره ، ومعاناة المواطنين فيه جراء انقطاع الكهرباء أو في مستوى التجهيز ، وتنزاح عن الطريق الى الأبد علامة فارقة لا تخطئها العين ، وإستمرار وجودها كل هذا الزمن مستفز، وتتملك من يتأملها حالة تعجب ودهشة ( لصمودها الاسطوري ) ، وهذا التحدي ، وهذه القدرة على تحملها كل هذا الزمن الطويل .. علامات تقتحم العقل ، وتدفعه الى تساؤل لم يجد له جوابا مقنعا الى الأن .. لماذا لم يلتفت لها أحد ليرفعها عن الطريق ، الذي سئم ثقلها ، ويئن من وجعها ، ومسحت معالم الجمال عن وجهه ، فكما الجمال يميز وجه إنسان عن أخركذلك يميز شارعا عن أخر ، ومدينة عن أخرى ، ويكون علامة لها ، كما كان لبغداد تميزها به عن سائر مدن العالم ، وكانت في دلعها وجمالها مضرب الامثال ، فيقال لمن ظهرت عليه النعمة ( أنت متبغدد ) ، فهل بقي شيء من بغددتها ، وجبال الاوساخ والقمامة تشوه وجهها ، وضجيج المولدات واسلاكها الشائكة تخنقها .. فمن يعيد لبغداد بغددتها المحببة ، ويزيح عنها همها..؟..
* من العلامات الفارقة في الشارع هذه المولدات الاهلية التي انتشرت بصورة غير نظامية ..
وفي مقال سابق بعنوان ( شارع يتكلم ) .. كنت أمني النفس بأن يلتفت من (بيده الأمر) الى احدى هذه ( الدلالات ) ليخلص الناس من ضوضاء المولدات الأهلية وصخبها ، وخطورتها وانتشارها السرطاني ، ولا سيما في ألازقة الضيقة بين البيوت ، فتكون في أماكن خاصة تضمن الراحة والسلامة للمواطن، وتحافظ على معالم الشارع ، وليس أن تكون على مزاج مالكها ، يضعها أنى شاء ، في بيته مثلا ، أو أمامه ، أو في ناصية الشارع ، أو على الرصيف ، أو في حديقة عامة ، أو في أي مكان يجده مناسبا له ، وليس للمدينة ، وكأنها شأن خاص ، لا يخضع لضوابط جمالية المدينة ، وراحة المواطن ، فيرى نفسه متفضلا على المواطن والحكومة معا ، وكل الاماكن مفتوحة أمامه ، وله ما يبرره ، مادام يسد حاجة كانت من صميم واجب الحكومات ، متناسيا أنه يقدم خدمة يتقاضى مقابلها مبلغا باهضا إستنزف حال المواطن لسنوات طويلة ، فرضت على الناس فرضا ، وليس بارادتهم ..
فهل كان صعبا على الحكومات المتعاقبة مد ( خط خامس ) على أعمدة الكهرباء ( الوطنية ) يضاف للاربعة الموجودة ، ويكون خاصا بالمولدات الاهلية التي تولت نيابة عن وزارة الكهرباء مهمة تزويد المواطن بالكهرباء وبذلك يبعد خطرها وتشويهها للشوارع والاحياء ..وهذا ما إقترحناه مرات عديدة في في هذا العمود ، لكن دون جدوى …
ولم أجد في تصريح وزير الكهرباء لقناة الشرقية الاسبوع الماضي ما يدفع الى التفاؤل ، ويحقق تلك الامنية بان نتخلص من ضجيج المولدات في هذا الصيف ليكون الصيف مختلفا عن ( الاصياف ) الماضية ، معللا ذلك ذلك بالتخصيصات المالية للكهرباء ، فهي محدودة ، وتذهب أما للرواتب أو القروض، وأن التخصيصات الاستثمارية بصورة عامة محدودة جدا أيضا .. وعليه فهو يرى وهو ( محق في ذلك ) لأنه استلم المهمة حديثا ، أن الحلول لا يمكن أن تأتي في سنة ، أو ستة أشهر ، بل تحتاج الى مدة اخرى ، وأن التحسن سيكون فيها بالتدريج ، من 10 – 15 بالمئة وصولا الى 20 بالمئة وهذا يعني أنه يقيس الأمور بظروف الوزارة ، وعلينا الانتظار مدة اخرى ، ولا نعلم متى سننتهي من هذه الأزمة الى الابد ؟..
يعني ذلك أيضا أن على المواطن أن يبدأ من جديد مع كل حكومة ، ليس في موضوع الكهرباء فقط ، وانما مع أي موضوع مع الحكومة ، وكأن العراق ليس دولة تكمل فيه كل حكومة عمل الحكومة الاخرى ، بل هي ( مقاولات ) حكومية تنتهي بانتهاء الدورة البرلمانية ..
وفي حسابات الزمن من المفروض أن نكون قد شرعنا بتصدير الكهرباء لتكون ( موردا وليس عالة ) على الموازنة ، وليس أن يكون الحساب معها على مستجدات الظروف ونسب التطور التي لا تحقق الطموح في الوصول الى الاكتفاء الذاتي ..
وكان يبدو من تصريح الوزير السابق – مسؤول الطاقة في حينه أن ما اعلنه عن قدرة العراق على الاكتفاء الذاتي ( انتهت صلاحيته ) بانتهاء ولاية الحكومة ، ولكن لم تنه معه أزمة الكهرباء .. فهل تنتهي في عهد الوزير الحالي..؟
* نتمنى … ولكن هل ما نتنمناه ندركه ..؟..
ووصف الوزير ملف الطاقة بأنه لم يكن ملفا خدميا فحسب ، بل هو ملف يتعلق بالامن الوطني ويمس الاقتصاد عموما وكل جوانب الحياة … ألا يعني ذلك أن الوزارة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية طيلة السنوات الماضية ، ليس في عدم سد حاجة المواطن من الكهرباء للاستخدام المنزلي والمكتبي ، بل في تعطل الانتاج في الحقول والمزارع والمصانع لتستوعب هذا العدد الكبير من العاطلين ..؟..
فهل قدر شارعنا أن تبقى المولدات الاهلية جاثمة على صدره في ولاية هذه الحكومة أيضا ، وتستمر علامة فارقة له ، وتكون منتشرة هذا الانتشار السرطاني بين الازقة والاحياء ..؟..
وفي كل الأحوال أنه إذا كان التخلص من المولدات الاهلية يكاد يكون أمنية صعبة التحقق و( أمرا معجزا ) في عمر هذه الحكومة للاسباب المالية ، لكن تنظيم عملها وظهورها بشكل مناسب ، ولا يشوه معالم الطريق ليس بالأمر العسير ..
تعزز باليقين أكثر ما قلته في مقال سابق بعد زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى قاعدة عين الاسد في الانبار مؤخرا وتصريحه المثير فيها بأن الامريكيين جاءوا ليبقوا ، ومن كان يعتقد غير ذلك لا يصلح أن يسمى سياسيا .. قالها ترامب صراحة أن ( الولايات المتحدة ستــــــــبقى في العراق ..) ..
وأعقب ترامب تلك الزيارة بتصريح آخر لم يؤكد فيه ذلك التصريح فقط ، وانما أضاف مهمة أخرى لقواته بأن يكون العراق برج مراقبة ..
فهل يبرر ترامب الاحتفاظ بقاعدة عين الاسد لانهم أنفقوا عليها مبالغ طائلة لتكون اكبر قاعدة لهم في المنطقة .. ؟.. ولا نعرف هل سيطالب بتعويض عن تلك المبالغ التي أنفقها على القاعدة أم لا .. ؟!! .. وهذا ليس بالأمر المستغرب على ترامب إذ سبق أن طالب بثمن احتلال بلاده للعراق ، وهي مبالغ تقدر بالترليونات من الدولارات … فأين السيادة في ذلك ..؟ وأين الدستور ..؟.. وأين عين الحكومات عن هذا التوسع ، ليس في القاعدة المذكورة لتكون بتلك الضخامة التي وصفها ترامب ، وانما في التوسع الكبير في السفارة الامريكية أيضا على مستوى الابنبية والبشر …؟؟ وهل يتفق التواجد الامريكي وظهور جنود امريكيين في بغداد والانبار والفلوجة والموصل أمام أنظار الجميع في الشوارع مع الاتفاقية الامنية ..؟ ولماذا تغير مزاج البعض من المواطنين العراقيين والسياسيين مع القوات الامريكية والنظر الى هذا التواجد بدون إكتراث ، أو محاولة تبريره ، كما يفعل البعض في العلن ..؟.. وهل لذلك (علاقة بتغير إهتمام المواطن الى ما هو أهم في نظره ، وهو العمل ولقمة العيش التي يصعب الحصول عليها ) وهل تتحمل الحكومات هذا التحول ..؟.. .. وهل إحترمت امريكا السيادة عام 2003 باحتلالها للعراق لكي تحترمها اليوم ؟.. وهل لا يزال العراق بحاجة الى استشارات عسكرية بعد تحرير الاراضي العراقية من داعش أم بحاجة الى مستشارين اقتصاديين ..؟..وهل تتوافق هذه المهمة مع الاتفاقية المبرمة مع الولايات المتحدة ..؟.. وهل للعراق مصلحة في أن يكون ساحة حرب او تصفية حسابات بين الاطراف المتنــــــازعة ..؟
اسئلة كثيرة تطرح ، وردود فعل متفاوتة ومتباينة بين قبول ورفض، وتفرج ، ومحاولة تبرير ، وتهديد ووعيد على تصريحات ترامب تعكس مستوى التشضي السياسي ، والمزاج الشعبي والسياسي ، والتوجهات لهذا الطرف أو ذاك ، وغياب الدبلوماسية العراقية عن هذا الموضوع ، وكان من واجبها التعامل مع تلك التصريحات بمنظور سيادي يتفق مع الاعراف والقوانين الدولية ، ومن بينها استدعاء السفير الامريكي وابلاغه الاحتجاج على تلك التصريحات مثلا … وذلك ما لم يحصل ..
أن تصريحات ترامب ومن على شاكلته من الامريكيين تذكرنا من جديد بالتاسع من نيسان وأثاره وتدعياته المدمرة التي نعيشها الى اليوم ، ولا يجوز أن يكون العراق ساحة صراع ، أو تحكم النظرة القاصرة في التفكير هذا أو ذاك ، ويدفع ثمن التحرر من إحتلال داعش باحتلال أخر ، وترهن سيادته وإستقلاله بمصير صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل ..