الحديث عن دور الإعلام عبر جميع وسائله في عملية التعبئة وحشد الطاقات لدرء الأخطار عن الوطن ومنعته وتحصينه يدعونا للتوقف عند هذا الدور خلال الحروب التي خاضها العراق، وإبراز آثار الحصار وصولا إلى مقدمات احتلاله الذي كان له الدور في مواجهة آلة الحرب الإعلامية وإبراز مخاطرها على مستقبل العراق والمنطقة عموما
وعندما نتحدث عن أهمية ودور الإعلام في تنوير الرأي العام وتحصينه، هناك من يطلق عليه الإعلام الفتنوي. والاعلام الفتنوي طبقا لوصف المشككين بدوره هو الإعلام الذي لا يتوافق مع السياسة الحكومية، ويبرز سلبيات الأوضاع في العراق دون ذكر الإيجابيات
وبتقريب الصورة الواقعية على ما يجري في العراق بعد نحو16 عاما على غزوه واحتلاله، نستطيع القول إن الواقع الذي يعيشه العراق مرير ومؤلم ومفتوح على جميع الخيارات، ويواجه انسدادات وضعته في خانق ربما لا يمكن الخروج منه
فالإعلام الفتنوي إذًا هو من يحرض على الفتنة ولا يعترف بالإنجازات المتحققة على الأرض، فضلا عن أنه يتعمد تغييب الحقائق عن الجمهور، كما يقول المشككون بدوره
واستنادا إلى هذا التوصيف الجديد لأحد أوجه وسائل الإعلام، يعكس النظرة القاصرة في فهم دوره ومهمته في تحصين المجتمع من فيروسات الطائفية، وتأشيره مكامن الخلل في الأداء الحكومي ومخاطر هدر المال، وإخفاق الطبقة السياسية في مهمة تلبية حاجات العراقيين وتطلعاتهم المشروعة
وتكمن خطورة هذه النظرة الأحادية في توصيف مهمة الإعلام بأنها تصادر حق الحصول إلى المعلومة بسهولة ويسر، دون عوائق وصولا إلى الحقيقة التي يسعى إليها المجتمع
فالطبقة السياسية باتت تتطير من النقد والمساءلة، وتتعاطى مع المظاهر الاحتجاجية المتصاعدة على سياستها بأنها معادية، وتتعامل بريبة معها مهما كانت المقاصد سليمة ومشروعة
وإذا عدنا إلى المتحقق على أرض الواقع بعد نحو16 عاما فإننا نستطيع القول: إن الطبقة السياسية بجميع رموزها ما زالت تعيش أزمة ثقة وغياب التوافق على القواسم المشتركة التي تخص الوطن، وأصبح الخلاف بين أطرافها عميقا ويزداد اتساعا، رغم محاولات التوافق عبر اتفاقيات ومواثيق شرف، سرعان ما ينتهي مفعولها بعد التوقيع عليها
فعملية إنقاذ العراق تتطلب الاستعانة بالإعلام ومنحه الدور المطلوب في عملية الانتقال من حال التردد والشكوك بمقاصده إلى الاعتراف بدوره الوطني الساند لأية محاولة جادة تخرج العراق من محنته
فالحديث عن السلبيات وإبراز مخاطر الانزلاق مجددا في العنف الطائفي ومخاطر التدخل الخارجي، واقتراح المعالجات الحقيقية للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والصحية، وكشف المتاجرين بقوت الشعب، والمتلاعبين بثرواته، وتسليط الضوء على الحيتان التي توفر الغطاء للمفسدين، كل هذه المخاطر التي يبرزها الإعلام ويتصدى لها بجميع وسائله، أصبحت مهمة وطنية ينبغي أن لا توضع في خانة التحريض على العنف والشحن الإعلامي
إن الإعلام الذي لا يتقاطع مع شواغل العراقيين، ويعكس همومهم ويعبر عن خياراتهم، هو إعلام وطني وعامل مساعد لكل الخيرين الذين يسعون بإخلاص إلى إخراج العراق من خانقه
والإعلام الذي ينهض بهذه المهام الوطنية ينبغي أن ندعمه ونوفر له أسباب المنعة والاستمرار، لا أن نضعه في دائرة التخوين والشكوك والريبة وعدم الثقة، وتحجيم دوره وتقييده بإجراءات سرعان ما تنعكس سلبا على الواقع، لأن الإعلام هو مرآة المجتمع ومعبر عن آماله